Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 69-69)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ثُمَّ كُلِى مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ } التى تشتهيها حلوة ومرة النوار والأوراق ، ويأتى عسلها كله حلوا ، وأل للاستغراق العرفى ، تقول : جمع الأمير العلماء والصاغة ، تريد ما يتعارف له منهم ، لا علماء الدنيا وصاغتها كلهم ، وليس المراد أنها تأكل من تمر الدنيا كلها ، لأن الأمر هنا للتخلية والإباحة بمعنى كلى مما شئت ، كما قيل : المراد ثمرة تشتهيها ، وقيل : تأكل النوار ، ولا يخفى أن النوار ثمرة تولدت من الشجر إلا أنه غير معروف ، وكذلك لا يعرف أن الأوراق ثمرات ، فالمراد بالثمرات الشجر ، وذكر المعرى أكلها من النوار فى قوله : @ والنحل يجنى المر من زهور الرجا فيكون شهدا فى طريق رضابه @@ ويكون للنحل أيضا بيوت فى كوى الحيطان ، وفى بيوت الناس ، وما عرف من الشجر وغير ذلك ، ولا حصر فى الآية ، ومن فى المواضع الأربعة للابتداء لأن معنى اتخذى حصِّلى وكلى إلخ . { فَاسْلُكِى } ادخلى بفتح الهمزة وكسر الخاء ما أكلت من الثمرات . { سُبُلَ رَبِّكِ } طرق ربك التى خلقها طرقا للغذاء ، وهى الأجواف والعروق التى يجعل فيها المر وغيره عسلا ، لأن لها عملا يبنى الله عليه ذلك ، فلا يشكل بأن لا اختيار لها فى خلق الله تعالى ذلك ، أو طرق ربك التى جعلها الله طريقا لطلب المرعى ، ولكن هذا يفسر له قوله عز وجل : { ثم كلي } بمعنى ثم اقصدى أو طرق ربك التى ألهمك فى عمل العسل ، تخرج العسل من فيها فى مشمع من بيوتها ، أو طرق ربك فى الرجوع إلى بيوتك لا تضل عنها ، ولو بعد مرعاها بجذب ما قرب منها ، أو غير ذلك ، وأضاف السبل التى لله كأنه خالقها وخالق المرعى لها ، واسلك على الأول متعدٍّ ، والفاء للعطف فى الوجه الأول ، وعلى غيره فى جواب الشرط أى إذا أكلتها فاسلكى . { ذُلُلاً } جمع ذلول حال من سبل بمعنى حال كونها غير متوعرة ، لا تعسر عليها ، أو من ياء اسلكى بمعنى اسلكى حال كونك منقادة لما قضى الله منك لا تتخلفين عنه ، أو لما أراد أهلك كنقلك من موضع لآخر ، فإنها لا تتعاصى أو لما أراد يعسوبك فإنه يستعمل بعضها فى عمل الشمع ، وبعضا فى عمل العسل ، وبعضا فى سقى الماء وصبه فى البيت ، وبعضا فى بناء البيوت أو لذلك كله . { يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ } مما يشرب ولا يعتاد أن يقال أكلت الشراب . { مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ } مستأنف على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ، إذ لم يقل يخرج من بطونك يخرج العسل من بطونها على طريق أفواهها كأنه لعاب ، كما قال الشاعر : @ تقول هذا مجاج النحل تمدحه وإن ذممت تقول فئ الزنابير @@ وقيل من أدبارها كما قال علىّ : أشرف لباس ابن آدم لعاب دودة ، وأشرف شرابه رجيع نحل ومنه : أما العسل فونيم ذباب ، والونيم ما يخرج من أسفل الذباب ، ويقال : إن سليمان والإسكندر وأرسطو صنعوا لهما بيوتًا من زجاج لينظروا كيف تصنع ، ومم يخرج فلم تضع العسل حتى لطخت الزجاج بالطين ، فلا تُشاهد ، وجعل الله العسل مستحيلا من نبات حامض ومر وحار ومالح وحشائش ضارة ، وغير ذلك مختلفًا بصفرة وحمرة وبياض ، باختلاف سنها أو الفصول ، أو باختلاف ما تأكل من النوار ، ولا دليل غير الاستقراء على ما قيل : إن الأبيض لفتيتها ، والأصفر لكهلها ، والأحمر لمسنها ، وهى القدرة على ترتيبها ، وتنكير شفاء للتعظيم ، أو للتعبيض كما تقول : جاء رجال بالتنكير أى جماعة منهم ، أولهما بمعنى بعض عظيم من الشفاء . وليس شفاء لكل داء ، فإنه يزيد أصحاب الصفراء وأصحاب الحرارة والإسهال ضرٌّ لأنه حار مسهل ، وينفع أصحاب البلغم والبرد ، والنكرة فى الإثبات لا تعم عمومًا استغراقيا . وفى البخارى ومسلم والترمذى عن أبى سعيد الخدرى ، " أنه جاء رجل إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخى استطلق بطنه ، فقال صلى الله عليه وسلم : اسقه عسلاً فسقاه ، ثم جاءه فقال : إِني سقيته عسلاً فلم يزد إلا استطلاقًا ، فقال له ثلاثًا ، وجاء الرابعة فقال : اسقه عسلاً فقال : سقيته فلم يزد إِلا استطلاقًا ، فقال صلى الله عليه وسلم : صدق الله أى وعد الشفاء وكذب بطن أخيك " أى فى استعجال الشفاء ، أو مخالفة ظاهر الآية ، أو فى أنه ليس إسهالا حقيقيا فسقاه فبرئ ، وكأنه نشط من عقال . علم الله جل وعلا أن شفاء هذا الرجل بالعسل ، ولو كان للرجل إسهال ، وللعسل إسهال ، وأيضًا أعانه على الإسهال حتى فرغ بدنه منه . ومن الطب المجمع عليه ترك الإسهال على حاله أو إعانته إذا كان من تخم أو امتلاء أو هيضة ، وحبسه مُضر فيعان ما دامت القوة قابلة له ، وإذا لم تبق كان الدواء أخذًا من الصحة والآية على الغالب والإمكان ، وليس فيها أنه شفاء لكل داء فى كل أحد ، وقيل : إنها على العموم فينظر الطبيب كما قيل إن فى أكثر المعجونات عسلا فهو إما شفاء بنفسه كما فى الأمراض البلغمية ، وإما مع غيره كما فى سائر الأمراض . قال ابن مسعود رضى الله عنه : " العسل شفاء من كل داء ، والقرآن شفاء لما فى الصدور " ، وعنه : " عليكم بالشفاءين القرآن والعسل " وكان ابن عمر لا تخرج له قرحة ولا شئ إلا لطخ الموضع بالعسل ، وحتى الدملة ، وقرأ : { يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس } وقول هو دواء لكل شئ بالنية . وذكر النقاش فى تفسيره الذى ألفه فى الأندلس عن أبى وجرة ، أنه كان يكتحل بالعسل ، ويستنشق به ، ويتداوى به ، وقال عوف بن مالك ، وقد أصابه قرص : إبقونى بماء قال الله عز وجل : { ونزلنا من السماء ماء مباركاً } [ ق : 9 ] وبعسل قال الله تعالى : " فيه شفاء للناس " ، وبزيت قال الله جل وعلا : { من شجرة مباركة } [ النور : 35 ] فأتى بهن فخلطهن فشربهن فشفى . وقيل على العموم إِلا لعارض ، والعسل يشرب بالذات أو بالماء ، وذكر بعض أنه شفاء على العموم ، إِذا خلط بخل وبطيخ ، والأظهر أن يجعل الطبخ مكان البطيخ . وقيل : ها فيه للقرآن أو لأحوال النحل ، فإن فيهما هدى من الضلال ، ويرده أن أقرب مذكور هو العسل ، فإليه الضمير ، وأنه صلى الله عليه وسلم فسره بالعسل إذ قال : " صدق الله وكذب بطن أخيك " ، وقيل : تقيئه ادخاراً لها لتأكله شتاء ، وزعم بعض أنه ينزل فى الليالى طل لطيف على الأوراق والأزهار ، فتأكله وإِذا شبعت حملت فى أفواهها ذرات من بقية ذلك إلى بيوتها ، فيكون بإذن الله عسلا ، وعلى هذا يكون بطون بمعنى أفواه ، ويرده قوله عز وجل : { ثم كلي } وإنه يدل أن للأكل تأثيراً فى العسل وتفسير الالتقاط بالأكل تعسف . وقول علىّ : أشرف لباس ابن آدم لعاب دودة ، وأشرف شرابه رجيع نحلة أى لعابها أيضًا ، والقول بأَنه تمثيل تعسف أيضًا . { إِنَّ فِي ذَلِكَ } فيما ذكر من النحل وشأنه . { لآيَةً لِقَوْمٍ } شامل للنساء بالتبع . { يَتَفَكَّرُونَ } فى أفعال الله ، فيستدلون بها على وجوده وسائر صفاته .