Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 97-98)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا } عمل صالحا من فرض أو نفل ، ودخل فيه ترك ما نهى عنه { مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى } والخنثى ذكر عن الله أو أنثى أو اقتصر على الغالب وفى ذكر الذكر والأنثى ترغيب لها ، ودفع لتوهم أن لا ثوب لها ، كما روى أن النساء اشتكين أنهن لا يذكرن فى الخير ، فأوحى الله إليه صلى الله عليه وسلم أنهنَّ مشتركات مع الرجال فيما عملوا لإعانتهن بالقيام بالبيت ، ومصالح الرجل ، وذلك مثل قوله تعالى : { إن المسلمين والمسلمات } [ الأحزاب : 35 ] إلخ ومثل قوله : { من ذكر أو أنثى } . { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } موحِّد غير مصر على ذنب ، إِذ لا ثواب للمشرك ولا للمصر ، لأن الإحباط مراعى كالإحباط بالمن والأذى ، وكقول عائشة : قل لفلان إنه أحبط عمله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيع ربا بتذرع كما ذكره الشيخ عامر فى الإيضاح ، واختلف فى المشرك ، هل ينقص عذابه فى النار بحسناته فى الدنيا ؟ الصحيح لا ، ونسب للجمهور ، وكثرت أدلته فإن صح عنه صلى الله عليه وسلم أن أبا طالب فى ضحضاح من فر إلى كعبيه فقط ، والتخفيف عن أبى لهب فى كل يوم اثنين ، فمن خصوصياته صلى الله عليه وسلم ، وأعظم من هذا ما ذكروا أَنه يسقى أبو لهب فى مثل نقرة الإبهام ، وقوله تعالى : { فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه } [ الزلزلة : 7 ] خاص بالسعداء ، وما بعده بالأشقياء ، وأما دفع السوء فى الدنيا بما عمل من خير فوقع لا يختلف فيه . { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } فى الدنيا بالقناعة والرزق الحلال ، موسراً أو متوسطا أو معسراً ، وإراحة القلب عن الجزع ، والحرص ، وعدم القلق إذ صدق بأَن الله عز وجل ضمن رزقه ولو يومًا بيوم ، ورضى بقسم الله ، وانتظر أجر الآخرة ، وإذا جاءه سوء لم يشتد عليه ما اشتد على الكافر ، لأنه قد يتوقعه ، فلم يجئه من حيث يتوقع الخير ، بخلاف الكافر فإنه ما يتوقع السوء ، فإذا جاء جاءه من حيث يتوقع الخير ، فيزيد شدة فى قلبه ، والمشرك والفاسق فى تعب القلب ، أو مع البدن ، ولو فى إيسار خوف النقص . وقيل : الحياة الطيبة لمدة الطاعة ، وقيل : فى القبر لأنه يستريح من أذى الدنيا ، فعنه صلى الله عليه وسلم : " القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار " وقيل : الحياة الطيبة الحياة بالحلال لأنه لا يترتب عليها عقاب بخلاف الحياة بالحرام ، كما جاء : " كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به " وفيه أن المقام ليس لهذا ، وقيل : فى الحنة لزوال الأذى فيها البتة ، والصحيح أن ذلك فى الدنيا ، أو فى البرزخ يأكل من ثمار الجنة عند باب الجنة ، وإن كان شهيداً ففيها حتى تقوم الساعة ويموت كل شئ إلا الله ، فلا أكل وأما الآخرة ففى قوله : { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } وإِن فسرت بالآخرة فقوله : ولنجزينَّهم فيها أيضًا بيان لكون مراتبها بقدر الأعمال ، وليس فيه عطف الشئ على نفسه ، ولا تكرير بين قوله : { من عمل صالحا } الخ وقوله : { ولنجزينَّ الذين صبروا } [ النحل : 96 ] لأن الآخرة على العموم ، والأولى فى حق من عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن جعلنا الأولى على العموم أيضًا فهذه إشارة إِلى جلب المصالح ، أو الأولى على الصبر ، وهذه على ما هو أعم ، أو الأولى فى الدنيا ، وهذه فى الآخرة ، ولما ذكر الله عز وجل أنه يجازى على الصالحات ، وذكر ما يخلص به العمل من الفساد ، وهو الاستعاذة فقال حفظًا عنه ، ودفعاً للوسوسة فى القراءة : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ } أردت قراءة القرآن فالاستعاذة قبل القراءة أطلق للسبب ، وهو القراءة على السبب ، وهو الإرادة ، أو إذا شارفت قراءة القرآن فأطلق لفظ أحد لتجاورين على الآخر ، فى الآية على الوجهين مجاز مرسل تبعى . وقالت الظاهرية : بعدها للفظ الآية ، ولا يقدرون الإرادة ، وهو خطأ فاحش ، ونسب لأبى هريرة ، وابن سيرين ، ومالك ، والنخعى ، وحمزة الغاربى وداود الأصبهانى الذى تنسب إليه الظاهرية ، فعن نافع ، عن جبير بن مطعم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول قبل القراءة : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " والحديث يفسر القرآن وبالعكس ، وهو رواية عن ابن سيرين ، وزعم بعض أنه يستعوذ قبل القرآن وبعدها احتياطًا ، وهو مخالف للسنة ، ويستعاذ للقراءة فى الصلاة وغيرها وجوباً على الصحيح ، لأن الأمر للوجوب ، وقيل : استحبابًا ، ونسبه قومنا للجمهور . ويستعاذ قبل القراءة فى الركعة الأولى فقط عندنا ، وعند الحنفية وقال الشافعى : أول كل ركعة ، لأن القراءة قد فصلت بالتكبير وما بعده ، ثم رجع آخر إلى أنها أول الركعة الأولى فقط ، وهو بعد تكبيرة الإحرام لا قبلها ، لأنها للقراءة ، وروى أنه صلى الله عليه وسلم إذا أتم التوجيه قال : " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم " ، ولعله بذلك أخذ من يستعيذ قبل الإحرام ، ولا يحسن ذلك ، لأنه صلى الله عليه وسلم رجع إِلى أن لا يقال : أعوذ بالله السميع العليم إلخ ، بل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وإِلى أنه بعد الإحرام ، وعن ابن سيرين : تجزى الاستعاذة فى العمر مرة واحدة فى الصلاة أو غيرها ، ويرده أنها معلقة بالقراءة كالغسل من كل جنابة ، إذ قال الله عز وجل : { وإن كنتم جُنُبًا فاطّهَّروا } [ المائدة : 6 ] وكأنه قيل كلما أردت القراءة فاستعذ . وأجمع القراء وجمهور الفقهاء على أن الاستعاذة قبل القراءة ، وجاء الحديث على ذلك ، ومرّ حديث نافع وعن معقل بن يسار أنه قال صلى الله عليه وسلم : " من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم فقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر ، وكّل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يُمسي " وفى الآية قراءة البسملة داخل السورة ، ومنعه أصحابه . { فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } قال ابن مسعود رضى الله عنه قلت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، فقال : " قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأنيه جبريل عن القلم عن اللوح المحفوظ " والمتبادر أنه أراد القلم الذى أمره الله بالكتابة فكتب ، ولا يضرنا فى ذلك أنه متقدم فى الرتبة عن اللوح . ومعنى رواية جبريل عن القلم أنه ثبت عن القلم ، وإلا فالقلم متقدم ساكت ، وقيل : المراد القلم الذى ينسخ به جبريل من اللوح ، والمراد بالشيطان إبليس ، لأنه الذى سن كل شر ، فالمراد الاستعاذة من شروره ، ولو جرت على يد غيره ، وقيل : إبليس وأعوانه ، ولو آدميين ، وأخذ من الآية أن الاستعاذة واجبه ، وأنها للقرآن ، وأنها توصل به ، وأنها بعد الإحرام للصلاة متصلة بالقرآن غير مفصولة بالتكبير ، ومن لم يطق الإعجام فهو معذور فى ترك الإعجام كما يعذر فى لفظ من الفاتحة أو غيرها لا يطيقه ، وما فى كتب الفقه من الأقوال معروف ، ويعتقد أن المعنى الاعتصام بالله تعالى .