Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 41-42)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا } مصدر أخبر به عن الذات وهى الماء مبالغة ، كأنه نفس الغور ، وهو ذهاب الماء إلى داخل الأرض ، أو يقدر بغائر أو بذا غور ، أو يصبح شأن مائها غوراً ، وإن لم نجعل ليصبح خيراً فيكون المنصوب حالا ، فكذلك لأن الحال خبر معنوى عن صاحبه . { فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا } أى يذهب على وجه لا قدرة لك معه فى رده ، وقيل : الهاء لمطلق الماء الذى لا بد للجنة منه ، وإلا ضاعت فيكون ذلك استخداما ، ومعنى نفى استطاعة طلب الماء فى استطاعة الوصول إليه ، فإن ما لا يستطاع لا يطلب ، وغير الممكن لا يطلب ، وهنا تم كلام الصاحب المؤمن ، وأخبرنا الله تعالى باستجابة دعائه فى قوله : { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ } بعد الليل أو صار { يُقَلِّبُ كَفّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا } إلا أنه تعالى لم يخبرنا أنه أهلها بالحسبان ، أو بإغارة الماء ، ويتبادر أنه أهلكها بالصاعقة لقوله : { وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا } أى ساقطة على عروشها الساقطة على الأرض ، بأن تسقط عروشها ، أو لا فتسقط ثانيا عليها ، أو على بمعنى مع والعروش ما يجعل للشجر يعمد عليه ، وخص الأعناب بالذكر ، لأنها أعظم عنده من التمر والزرع ، ولأنه بحسب الظاهر إذا سقطت ، ولها معتمد ، فأولى أن يسقط ما لا عريش له ، أو لأن الإنفاق عليها أعظم من الإنفاق على الزرع والنخل . وتقليب الكفّين كناية عن الندم ، لأن النادم يفعل ذلك تحسراً ، يكرر جعل ما بطن من يده إلى جهة الأرض ، ثم إلى جهة السماء ، أو يضع باطن إحداهما على ظهر الأخرى ، وبعكس ، والتكرير مأخوذ من التشديد ، وهو يفيد المبالغة أيضًا ، ولو فى مرة ، ومأخوذ من حال النادم كما تقول : الإنسان يأكل ويشرب ، على تضمين التقليب معنى الندم ، أو للتعليل أى لأجل ما أنفق عليها بالشراء وبالإصلاح بعد الشراء ، وما تقوم به . ومعنى الإحاطة بثمره إهلاك ثماره التى فى الجنة ، أو إهلاك أمواله وفى أحيط بثمره استعارة تمثيلية بأن شبه هيئة توجه الإهلاك إلى أمواله ، واستئصالها به من حيث لا يدرى بهيئة توجه العدو على غفلة ، إلى قوم من كل جهة ، والإيقاع بهم ، واستئصالهم ، وذلك هو ما حذره به صاحبه المؤمن ، ولم يلق له بالا ، أو ذلك على الاستعارة التبعية ، أو الكناية . وما اسم موصول أو نكرة موصوفة ، أى على ما أنفقه فى شأنها ، أو مصدرية ، أى على إنفاقه ، فى عمارتها ، ويوجه ندمه على ما أنفق أو على الإنفاق أن الندم على الفعل الاختيارى لا على ذات الشئ ، وأنه أنفق طمعًا فى بقائها ، ولو علم أنها لا تبقى لادخر ما صرف فيها ، وقوله : أصبح يناسب أو الإهلاك بمرة بآفة سماوية أو أرضية لا بتدريج كتيبس شيئًا فشيئًا . { وَيَقُولُ } عطف على يقلِّب ، ولا حاجة إلى جعله حالا من ضمير يقلب لاحتياجه إلى الحمل على القلة من مجئ المضارع حالا مقرونًا بالواو مثبتا ، أو بناء على القول بقياسه ، أو تقدير مبتدأ يكون معه حالا ، أى وهو يقول : { يَا لَيْتَنِى } تنبه ، أو يا صاحبى ليتنى { لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّى أَحَدًا } علم أنه أتى من شركه ما يحتمل التوبة النصوح ، إذ لا يمنع قبول التوبة عند مشاهدة شدة دنيوية ، ويحتمل توبة غير خالصة ، أو مجرد ندم لما شاهد من الشدة المترتبة على شركه ، ولا شك أن قوله : " لو لم أشرك بربِّى أحداً " تهلك جنتى ، يا ليتنى لم اشرك فتبقى ليس إسلامًا ، فقد يقول : أما إذ هلكت ففاتت فلا حاجة إلى التوحيد مع ذهابها ، فيصير مغاضبة لله عز وجل ، فذلك كقوله عز وجل : { فإذا ركبوا فى الفلك دَعوُا الله مخلصين له الدِّين } [ العنكبوت : 65 ] . وقصة سورة نون أقرب إلى التوبة ، إِذ قالوا : { سبحان ربنا } [ القلم : 29 ] وقالوا : { إن إلى ربِّنا راغبون } [ القلم : 32 ] وليس قوله ذلك ندماً عن المعصية ، بل لأجل ما أصابه بها ما ندم عن قوله ذلك من حيث إنه معصية . وأما قوم يونس فالعقوبة الآتية لهم لا ترد عن مثلهم ، لأنها إهلاك أبدانهم فهى أخروية كمشاهدة الموت ، وخصوا بقبول التوبة ، وقيل : قوله : { يا ليتنى لم أشرك بربى أحداً } حكاية لما يقول الكافر يوم القيامة .