Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 65-66)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا } عند الصخرة ، وقيل : فى مدخل الحوت { آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا } ينبغى لمن قرأ هذه الآية أن يقول : اللهم آتنا رحمة من عندك ، وعلمنا من لدنك علما ، والعبد المذكور هو الخضر - بفتح الخاء وكسر الضاد ، أو إسكانها ، أو بكسرها أو بكسرها وإسكان الضاد - أبو العباس بليا بفتح فإسكان ، وقصر أو مد ، وقيل : أبليا ، وقيل : اسمه عامر ، ويضعف القول أنه أحمد بأنه لم يسم أحد بأحمد قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . وعن الضحاك : أن الخضر ابن آدم . وعن سعيد بن المسيب أن أمه رومية وأباه فارسى ، وقيل : إنه ابن فرعون موسى ، وهو ضعيف . وعن كعب الأحبار أنه ابن عاميل ، وقيل : ابن العيص ، وقيل : ابن كليان بفتح الكاف وإسكان اللام . وعن وهب بن مبنه أنه ابن ملكان بذلك الوزن بن فالغ بن عامر ابن شالخ بن أربخشد بن سام بن نوح ، ولا أعرف صحة شئ من هذه الأقوال ، وصحح النووى فيما يظهر من عبارته أنه بَلْيَا بن ملكا ، ونسب للجمهور ، وشهر أنه موسى ، وزعم بعض أنه إِلياس ، وبعض أنه اليسع وبعض أنه ملَك . ولقب بالخضر لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جلس على فروة بيضاء فإذا هى تهتز من خلفه خضراء . وعن مجاهد : لأنه إذا صلى اخضر ما حوله . وعن عكرمة : لأنه إذا جلس فى مكان اخضر ما حوله ، ولأنه كانت ثيابه خُضْراً . وعن السدى : لأنه إذا قام بمكان نبت العشب تحت رجليه حتى يغطى قدميه ، وقيل : لإشراقه وحسنه والصحيح الأول للحديث . وصح من حديث البخارى وغيره أنهما رجعا إلى الصخرة ، وإذا رجل مسجى بثوب ، أى مغطى جعل طرفه تحت رأسه ، وطرفه تحت قدميه . وفى مسلم : أتيا جزيرة ، فوجد الخضر قائما يصلى على طنفسة خضراء ، على كبد البحر ، أى خالص الماء وذكر الثعالبى أنهما انتهيا إليه وهو قائم على طنفسة خضراء على وجه الماء مسجى بثوب أخضر . وقيل : إن سبيل الحوت عاد حجراً ، فلما جاءا إليه مشيا عليه حتى وصلا إلى جزيرة فيها الخضر ، وصح أنه سلّم عليه موسى حين انتهيا إليه ، فقال الخضر : وأَنِّى بأرضك السلام ، فقال : أَنا موسى ، فقال : موسى بنى إسرائيل ؟ قال : نعم . وروى أَنه لما سلّم عليه وهو مسجى عرف أنه موسى ، فجلس وقال : وعليك السلام يا نبى بنى إسرائيل ، فقال موسى : وما أدراك بى ؟ ومَن أخبرك ؟ فقال : الذى أعلمك بى ، أما يكفيك أن التوراة بيدك ، وأن الوحى يأتيك ، فقال : إن ربى أرسلنى إليك لأتبعك وأتعلم من عندك . ونكر عبداً ورحمة وعلما للتعظيم ، والرحمة الوحى والنبوة عند الجمهور ، على أنه نبى ، وقيل : رسول ، وقيل : ولىّ ، وقيل : الرزق الواسع ، وقيل : العزلة عن الناس ، وعدم الحاجة إِليهم ، قيل طول الحياة مع الصحة ، والعلم علم الغيب بتكليم الملّك ، أو بإشارته المعبَّر عنها بالنفث كقوله صلى الله عليه وسلم : " إن روح القدس نفث فى روعى أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب " والإلهام من هذا ، وملك الإلهام للأنبياء وغيرهم ، أو بتعليم الله بلا واسطة ، بل يلقى فى قلبه . وعلم الخضر بإيحاء الله على لسان الملَك ، أو بإشارة الملَك من الله دون نطق ، والأول هو الوحى الظاهر ، والثانى يسمى نفثا أو بالإلهام ، وقيل : الإلهام من الثانى ، وله ملك يسمى ملك الإلهام ، ولا يختص بالأنبياء ، وكل ذلك غير علم الحروف . ويجوز تعاطى غير الوحى مما لا يخالف الشرع . وقد ندم ابن عباس عن تركه علم التنجيم الذى لا يخالف الشرع ، وقال : إن الناس عطلونى بالمنع عنه ، وكأنه قيل : ما جرى بينهما ؟ فقال الله عز وجل : { قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ } إلخ استفهم مع أن الله عز وجل أرسله إليه للتعلم ، بل طلب التعلم منه ، فأجابه ولم يقل له اجبره ، فجرى على سنن مريد التعلم من الطلب والخضوع ، أى هل تبيح لى أن أتبعك . { عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْت رُشْدًا } قال الأصوليون : تأتى على للشرط كما هنا ، قيل : وفى قوله تعالى : { يبايعنك على أن لا يشركن } [ الممتحنة : 12 ] وفى قوله : { على أن تأجرنى } [ القصص : 27 ] وهو حقيقة عند الفقهاء ، وتردد السبكى فى وقوعه فى كلام العرب . والصحيح وقوعه . قيل : ولم يذكره النحاة ، وهو فى آية السورة قلت : هو داخل فى الاستعلاء المجازى ، وليس معنى حقيقيا لها ، وزعم السرخسى أنه حقيقة ، وليس كذلك ، كأنه قيل : هل أتبعك بانياً على أن تعلمنى مما علمت رشداً ، أى علماً ذا رشد . وهو إصابة الخير ، وهو مفعول ثان ، وثانى علمت محذوف أى علمته . ويجوز أن يكون الثانى محذوفًا منعوتًا بقوله مما علمت ، أى بعضًا مما علمت فرشداً بدل من البعض أو مفعول مطلق لمحذوف مستأنف أى أرشد رشداً أو مفعول لأجله لأتبعك أى لأكون رشيداً أو التعلم بمعنى الإرشاد ، ولا إشكال في تعلم موسى مع كثرة علمه بالتوراة وغيرها من الخضر الذى هو دونه ، لأن أعلم الناس مَن يجمع علم غيره إليه ، ولاختلاف العِلْمين . روى البخارى ومسلم والترمذى والنسائى ، عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " أن الخضر قال : يا موسى إنى على علم من الله تعالى علَّمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من الله تعالى علَّمكه الله سبحانه لا أعلمه " ومعنى قوله تعالى : لى عبد أعلم منك ، أن الخضر أعلم من موسى بعلم الحقيقة ، ولموسى علم بعض الحقيقة ، كما أن للخضر ما يكتفى به من علم الشريعة . قال السيوطى : ما جمعت الشريعة والحقيقة إلا لنبينا صلى الله عليه السلام ، ولم يكن للأنبياء إلا أحدهما على معنى ما جمعت على الوجه الأكمل إلا له صلى الله عليه وسلم ، ولا يخفى تبليغه الشريعة ، وأما تبليغه الحقيقة فقد يكون منه لبعض المستعدين ، تأمل . ويظهر لى وجه آخر وهو أن المراد يكون الخضر أعلم ، أن علم الحقيقة أدخل فى حقيقة العلم من غيره ، فيتم الكلام ، ولو لم يكن لموسى شئ من علم الحقيقة ألبتة .