Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 11-13)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فخرج على قَوْمه من المحْرابِ } خرس لسانه عن أن يتكلم للناس أو من المغرب ، وأصبح فخرج على قومه من المحراب ، أى المصلى أو الغرفة ، وأصله مجلس الأشراف الذى يحارب دونه ذباً عن أهله ، فسمى محل العبادة محرابا ، لأن العابد يحارب الشيطان فيه ، ولم يكن المحراب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا ينتظرونه أن يفتح لهم الباب ليصلوا ، فخرج متغير اللون وقالوا : مالك . { فأَوْحى إِليهم أنْ سَبِّحوا بُكرةً وعشياً } أشار إليهم كما يدل له قوله تعالى : { إلاَّ رمزاً } [ آل عمران : 41 ] أو كتب لهم على تراب الأرض كما روى عن ابن عباس أو على ورقة ، كما روى عن عكرمة كقول عنترة : @ كوحى صحائف من عهد كسرى فأوحاها لأعجم طه طمطمى @@ وقول ذى الرقة : @ سوى الأربع الدهم اللواتى كأنها بقية وحتى فى بطون الصحائف @@ وأن تفسيريه بلا تقدير ، قيل : أو مخففة بتقدير الباء ، وسبحوا صلوا ، كما روى عن ابن عباس سمى الصلاة باسم بعضها ، وهو التسبيح فيها ، وبكرة وقت صلاة الفجر ، وعشياً وقت صلاة العصر ، فالتسبيح الصلاة فى الوقتين على الكيفية التى أمر بها ، ولم يتعبدوا بالصلوات الخمس ، أو التسبيح ذكر الله وتنزيهه ، أمروا أن يسبحوا شكراً للنعمة كما أمر ، أو المراد استغراق اليوم بالذكر ، وذكر طرفى اليوم فقط ، أو خص التسبيح لأنه من ير أمراً غريباً يقل سبحان الله تعالى سبحان الخالق جل جلاله ، ومثل هذا ، أو أخبر قومه قبل طلب العلامة بما بشر به ، ولما تعذر عليه الكلام أشار إليهم بحصول ما بشر به ، فسروا لذلك ، ولما ولد وبلغ سناً مثله فيه قلنا يا يحيى كما قال : { يا يحيى خُذ الكتابَ } التوراة المعهودة ، أو صحف إبراهيم ، أو كتاباً خص به ، وأل للعهد الحضورى ، أو جنس الكتب المنزلة ، ولما يأت الإنجيل { بِقوَّة } بخذ منك فى قراءته والعمل به ، والأمر به ، وعن أنس : القوة الدرس بجد ومواظبة ، وفى الأمثال : عليك بالدرس فإن الدرس هو الغرس ، قيل لعبد الله بن عباس : بم نلت العلم ؟ فقال : بلسان سئول ، وقلب عقول ، وفؤاد غير ملول ، وكف بذول ، وبدن فى الضراء والسراء صبور ، وقيل لبزرجمهر : بم نلت ؟ فقال ببكور كبكور الغراب ، وتملق كتملق الكلب ، وتضرع كتضرع السنور ، وحرص كحرص الخنزير ، وصبر كصبر الحمار ، وقال بعض : إن القائل : { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } أبوه لما ترعرع قال له أبوه ذلك ، ولا دليل فى الآية عليه ، فلا تحمل عليه ، ويزيده بعداً قوله تعالى : { وآتيناه الحُكْمَ صبياً وحناناً من لدنَّا وزكاة } فإن الأنسب أن يكون قائل هذا هو قائل : { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } وذلك فى ذاته من الجائز ، فيكون آتيناه الحكم عطفاً على ما قبل : يا يحيى ، لكن أى دليل على إدخال الأب فى ذلك ، فالقائل الله والعطف على قلنا المقدر ، والحكم الفهم والعبادة . قال ابن عباس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطى الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين " رواه أبو نعيم وابن مردويه ، والديلمى ، وعن بعض السلف من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فهو ممن أوتى الحكم صبياً ، وعن ابن عباس : قال صلى الله عليه وسلم : " قال الغلمان ليحيى اذهب بنا نلعب فقال أللِّعب خلقنا اذهبوا نصل فهو قوله : { وآتيناه الحكم صبياً } " والحكم على هذا الحكمة ، وقيل : هى العقل ، وقيل : معرفة آداب الخدمة ، وقيل : الفراسة الصادقة ، وقال كثير : إنها النبوة أوتيها وهو ابن سبع سنين ، أو ابن ثلاث ، أو ابن سنتين ، وأكثر الأنبياء لم ينبأوا قبل الأربعين . والحنان الرحمة ، ونكر هو وزكاة التفخيم ، وزاد التفخيم للحنان بوصفه بقوله : { من لدنا } وهذه الرحمة من الله له إنعام عليه بأمر الدين كما أن الزكاة طهارة موهوبة له من الله ، ونمو فى الدين منه عز وجل له ، وهذا أبلغ من أن يقول ورحمناه ، ويجوز أن يكون الحنان من يحيى للخلق أى جعله الله راحماً لعباد الله عاطفاً عليهم ، ثم رأيت عن بعض أن المعنى فى آتيناه رحمة فى قلبه وشفقة على أبويه وغيرهما ، وعليه فالوصف بقوله : { من لدنا } تحرز عن رحمة تؤدى إلى ترك واجب كالحدود ، أو إشارة إلى أنها زائدة على ما فى الناس من التراحم ، ولا بأس فى إفراط لا يؤدى إلى بأس . وهذه المعانى صالحة أيضا مع تعلق من لدنا بآتيناه ، وعن ابن زيد وعكرمة الحنان المحبة أى جعلناه محبوبا عند الناس كموسى { وألقيت عليك محبة منى } [ طه : 39 ] أو جعلناه محباً لله ، والزكاة البركة كما روى عن ابن عباس ، وذلك أنه نفاع للخلق ، معلم للخير ، أو الطهارة من الذنوب ، وقيل : الزكاة الصدقة ، والمراد ما يتصدق به . { وكانَ تقياً } عظيم الحذر عن المعاصى ، ما عمل معصية ولا هم بها ، وذكر مالك ، وأحمد ، وابن المبارك ، وأبو نعيم ، عن مجاهد : أن طعامه العشب ، وأنه كثير البكاء من خشية الله ، حتى اتخذت الدموع مجرى فى خده .