Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 25-25)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وهزِّى إِليكِ } زعموا أنه لا يعمل الفعل فى ضميرين متصلين لمسمى واحد ، ولو جرى الثانى بالحرف إلا فى باب ظن وعلم ، وفقد وعدم ورأى الحلمية قلت : لا مانع من ذلك إذا كان بحرف الجر ، كما هنا ، وكما فى قوله تعالى : { واضمم إليك } [ القصص : 32 ] وقوله : { أمسك عليك زوجك } [ الأحزاب : 37 ] وقوله : { يدنين عليهن } [ الأحزاب : 59 ] وقوله : { فصرهن إليك } [ البقرة : 260 ] وهو كثير فى القرآن ، وما كثير لا يحسن منع القياس عليه ، ولا تأويله ولم يجىء فى القرآن بلا حرف ، وهو الممنوع نحو : ضربتَكَ بفتح التاء ، وضربتُنى بضمها ، وزيد ضربه برد المستتر ، والهاء إلى زيد فهو متعلق بهزى ، ولا حاجة إلى تقدير أعنى إليك . وأيضاً إلى فى هذه العناية أن علقت بهز محذوف فقد رجعت إلى المحذوف ولو قدر مضافاً أى إلى جهتك كان أولى ، مع أنه لا حاجة إليه ، ولا حاجة إلى جعل اسماً بمعنى عند ، ولا إلى جعلها اسم فعل ، وعدى بالى لتضمنه معنى الإمالة ، بل لا يحتاج إلى تأويل ، ألا ترى صحة قولك : هزى إلى كذا ، وكأنه قيل حركه إلى كذا ، والهز التحريك أى إلى جهة بعنف أو بلا عنف ، والهز إلى جهتها أو يمينا وشمالا فيسقط التمر قدامها . { بِجِذْعِ النَّخْلة } الباء صلةٌ للتأكيد ، والجذع مفعول به ، وإن جعلنا الباء للآلة فالمفعول محذوف تقديره ، هزى بجذع النخلة فروعها أو قنوانها ، ولا يحسن هزى ثمارها ، وقد كان يكفى عن هزها هز محلها ، فلا يحسن جعل رطباً مفعو به لهزى ، ومن خوارق العادة قدرتها على هز جذع النخلة ، أو خلقه الله رقيقا ليناً ، وكون ذلك فى غير أوان الرطب ، خارق آخر ، ويروى أن عيسى أو جبريل ضرب الأرض بعقبه ، فجرت العين اليابسة ، واخضرت النخلة ، وأثمرت وأنعت { تُسَاقِط عليك } تتساقط ، أدغمت التاء الثانية فى السين والفاعل ضمير النخلة { رطباً } تمييز محول عن الفاعل الأصل تتساقط عليك رطبها ، وهى نضج البسر ، والواحدة رطبة ، ومعنى على العلو على قدامها ، ويحتمل السقوط على رأسها أو حجرها ، أو على مطلق جسدها ، فذلك بيان لكثرة الثمار الساقطة ، وأكد الكثرة بإسناد السقوط إلى نفس النخلة ، وأكدها أيضاً بصيغة التفاعل . { جَنياً } تم نضجه كلها ، خرج عن البسر ولم يصل التمر ، وكان بحيث يستحق أن يجنى ، أى يقطف من متعلقه ، وما يجنى خير مما يسقط فى الجملة ، لأنه يلتصق بالتراب ، وقد تأكل منه نملة ، وقد يكون قديما ، وما قرب عهداً أحسن مما بعد عهده ، ولكن جمع الله تبارك وتعالى كونه ساقطاً فى نظافة ما يجنى ، وما مفرده بالتاء هكذا يذكر ويؤنث ، ولذا قال : جنياً ، ولم يقل جنية . وعن ابن عباس : لما هزت الجذع أسعف فاطلع ، فاخضر فأبلح ، فاجمر أو اصفر فأزهى فأرطب فى ساعة واحدة ، وهى تنظر ، وكان برنياً أو عجوة ، وهو المشهور ، قيل : حملت أيضاً الموز ، ولم يذكر لأن غاية النفع للنفساء فى الرطب ، وعن محمد الباقر لم تستشف النفساء بمثل الرطب أن الله أطعمه مريم فى نفاسها ، وقالوا ما للنفساء خير من الرطب ، ولا للمريض خير من العسل ، قيل : ولا سيما إذا عسر نفاسها ، وذكروا أن التمر للنفساء من ذلك الوقت ، وكذا تحنيك الصبى به إذا ولد ، وفى أمرها بالهز إشارة إلى الأمر بالكسب ، وأنه لا ينافى التوكل قيل : @ ألم تر أن الله أوحى لمريم وهزى إليك الجذع يسّاقط الرّطب ولو شاء أحنى الجذع من غير هزه إليها ولكن كل شىء له سبب @@ والله تعالى وعز وجل أجرى الأمور على الأسباب ، ليكون للخلق فيها مدخل بالمسبب ورجاء وطمع ، وهروب عن المكروه ، وذلك إجراء فيما يكون ، وما لا يكون كما فى الامتداد بالملائكة ، بشرط أن يكون كذا ، وقد علم الله أنه لا يكون كذا ، فلا امداد ، وكما فى قوله تعالى : { ولو تواعدتم لاختلفتم فى الميعاد } [ الأنفال : 42 ] وقد علم الله تعالى لا تواعد بينهم ولا تخالف .