Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 63-64)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ تلك الجنَّة } مبتدأ وخبر وإشارة البعد للتعظيم { التى } نعت الجنة { نُورثُ } نورثها ، هذه الهاء مفعول ثان { مِنْ عبادنا } حال من الموصول فى قوله عز وجل : { مَنْ كَان تَقياً } وهو مفعول أول أى نصير من كان تقياً من عبادنا ، وارثاً تلك الجنة تعدى وماضيه لاثنين بالهمزة ، وقرأ محبوب أبو محمد بن محبوب عن أبى عمرو بن العلاء ، وكان يدخل البصرة ، نورث بفتح الواو وشد الراء كسورة ، والتعدية لهما بالشد أو الهاء أول أى نجعلها باقية تنال التقى والإيراث أو التوريث مستعار لتملى لا يقبل الفسخ والاسترجاع بخلاف التمليك بالبيع أو الهبة . وحيث ذكرت بالشراء فالمراد الشراء الذى كالميراث فى ذلك والآية نصت على أن الجنة كلها موروثة ، ولا يصح تفسيرها بإيراث الله المسلمين أزواج الكفرة وولدانهم ومنازلهم وأعلامهم التى لهم فى الجنة لو كانوا سعداء كما جاء الأثر بذلك ، فإن هذا بعض فإن صح الأثر قيل به ، لكن لا تفسر الآية والأولياء ، وتكذيبهم ، والإجابة عنهم ، وذكر الأخلاف عقب ذلك بالتلويح الى به ، ويحتمل أن الآية تمثيل لما ذكر الله عز وجل إساءة الكفرة بالأنبياء إساءتهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجوابه عنه إذ سألوه عن أصحاب الكهف وذى القرنين والروح ، وقال أخبركم غداً ولم يقل إن شاء الله ، فطال عنه الوحى حتى قالوا ودعه ربه ، واشتد حزنه ، واشتاق الى الوحى ، فنزل جبريل فقال له : احتبست عنى حتى ساء ظنى ، فأجابه بقوله : { وما نتنزَّل إلا بأمر ربِّك } وروى أنه قال صلى الله عليه وسلم : " ما منعك أن تزورنا ، أكثر مما تزورنا " فقال ما نتنزل إلا بأمر ربك الخ ، والتنزل النزول على مهل ، وضمير نتنزل لجبريل المعروف من المقام مع الملائكة { له } لا لنا { ما بَيْن أيْدينا } ما قدامنا من الزمان { وما خلفنا } من الزمان . { وما بَيْن ذلك } المذكور من الزمان ، فلا ننزل إلا فى زمان أراده للنزول ، وإنما فسرت ما بالزمان ، لأنه صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام : " لِمَ لَمْ تنزل الى هذا الوقت ، ولم لا تنزل زماناً كثيراً ، " وإنما ذكر ما بين ذلك مع أنه حين بدا ذكره مستقبل ، وكل جزء من أجزاء الذكر ماض بعد تمامه ، كما تقول : الحال أجزاء من أواخر الماضى ، ومن أوائل المستقبل ، لأنه يتشخص بذلك ، أو ما بين أيدينا قبل وجودنا ، وما خلفنا بعد فنائنا ، وما بين ذلك مدة الحياة ، أو ما بين أيدينا زمان الدنيا ، وما خلفنا زمان البعث بلا تناه ، وما بين ذلك ما بين ما بين نفخة الموت ونفخة البعث أربعون سنة ، وقيل أربعون يوماً بين النفختين ، أو ما بين الأيدى الآخرة لأنها مستقبلة ، وما خلفنا الدنيا ، لأنها تمضى عنا وتخلفها شيئا فشيئا ، وما بين ذلك ما بين النفختين ، وإنما يذكر الدنيا لأن حين الخطاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد اختلفت بينا ردت السماء فوق أهو من الدنيا ، وأنه يفنى ، أو من الآخرة أو واسطة وزمان ذلك تابع له ، أو ما بين أيدينا للسماء ، وما خلفنا الأرض أو بالعكس ، وما بين ذلك ما بينهما أو ما بين أيدينا ما ينتلقون إليه ، وما خلفنا ما ينتقلون منه ، وما بين ذلك ما هم فيه ، ولا يخفى أن التفسير بالمكان غير مناسب لأن المقام للزمان ، وقيل المراد الزمان والمكان معاً ، والهواء من المكان لا ننتقل فى زمان أو مكان أو إليه إلا بإذن مالكه تعالى ، وقدر بعض له علم ما بين أيدينا واختار بعض تعميم الملك والعلم . { وَمَا كان ربُّك نسياً } تاركاً لك كما قال الكفرة ، لما تأخر عنه الوحى تركه ربه ، بل تأخر لحكمة ، أو تاركاً لأنبيائه وأنت منهم ، فيكون نفى تركه بطريق البرهان ، وقيل النسيان على ظاهره ، ولا بأس بنفى مالا يتوهم ثبوته ، وقد ورد فى القرآن لحكمة تذكير المخاطب إن غفل عن استحضاره ، أو لكون الكفار مثلا صدر منهم ما يناسب خلافه ولا يبعد أن يكون بنسيان الله ، أو لمناسبة المبالغة فمبالغة نسياً راجعة الى النفى ، أى انتفى النسيان عنه انتفاء بليغاً ، فلعله جواب لتوهم الكفار أنه نسيه أو غفل عنه ، فالنسيان بمعنى الغفلة . وسلاه بذكر لفظ " رب المشعر " بالأنعام مع الإضافة ، وقيل أول الآية الى وما بين ذلك من كلام الهتافين فى الجنة ، وتنزلهم فى منازلهم من الجنة ، وكل ما مر أو يأتى أو حضر من التوفيق ، والنعم ملك له ، وقرره الله بقوله عز وجل : " وما كان ربك نسياً ، لا يغفل ، ولا يتركنا ولا ينسانا ، ولا تاركاً لثواب أعمالنا ، وذلك خلاف الظاهر ، بل لو كان كذلك لقالوا إلا بأمر ربنا ، إلا أن ذكره الله عنهم للنبى صلى الله عليه وسلم بغير اللفظ الذى ذكروه يجزى ، لأنه ربه وربهم واحد ، وليناسب الخطاب فى : { ما كان ربك نسياً } .