Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 104-106)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقُولُواْ } للنبى صلى الله عليه وسلم { رَاعِنَا } اعتبرنا وانظر أحوالنا ، وتدبرها ، وتدارك مصالحنا ، وتأنّ بنا حتى نفهم ما تقول ، هذا مرادهم ، رحمهم الله ، ومن ذلك رعى الغنم ونحوها ، والمفاعلة للمبالغة هنا ، وهى بلغة اليهود سب ، لما سمعوا المؤمنين يقولونها قالوها له صلى الله عليه وسلم سبّاً فى لغتهم ، عبرية أو سريانية ، يتسابون بها بينهم ، فكانوا يسبون بها النبى صلى الله عليه وسلم ، وليست من الرعونة بمعنى الحمق ، وإن كانت منها فمما توافق فيه لغة العرب والعجم ، وقد يكون بين لفظ العرب ولفظهم مغايرة فيزيلونها ليوافقوا كلام العرب خداعاً للسب . وقد قيل ، معناها ، اسمع لا سمعت ، وقالوا ، كنا نسب محمداً سرّاً فأعلنوا به الآن ، فيقولون ، يا محمد راعنا ، ويضحكون فيما بينهم ، ويقال ، كان مالك بن صيف ، ورفاعة بن زيد إذا لقيا النبى صلى الله عليه وسلم قالا وهما يكلمانه ، راعنا سمعك ، واسمع غير مسمع ، فظن المسلمون ، أن هذا شىء يعظمون به الأنبياء فنزلت الآية . ويقال ، كان ذلك لغة للأنصار فى الجاهلية ، وكان سعد بن معاذ ، أو سعد ابن عبادة يعرف لغتهم ، فسمعهم يقولونها للنبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا أعداء الله ، عليكم لعنة الله ، والذى نفسى بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه ، قالوا ، أو لستم تقولونها ؟ فنزلت الآية قطعاً لألسنة اليهود عن التدليس ، ويحتمل أن يريد أنت راعن ، أو يا راعن ، أى أحمق ، فزادوا الألف وفتحوا ، أو أنت راعينا لا نبى ، فحذفوا الياء أو اختلسوها { وَقُولُوا انْظُرْنَا } اعتبرنا حتى نفهم ، أو أمهلنا ، فإنه يقال ، نظره بمعنى أمهله فلا حادة إلى تقدير انظر إلينا { وَاسْمَعُواْ } من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبول وعمل وانتهاء بجد ، بحيث لا تحتاجون إلى الإعادة وطلب المراعاة ، لا كقول اليهود سمعنا وعصينا ، السابين براعينا ، ولا تكونوا أيها المسلمون مثلهم فى طلبكم الإعادة { وَلِلْكَافِرِينَ } اليهود السابين براعنا . أو جعله للكافرين . فدخل اليهود ، وذلك السب كفر { عَذَابٌ أَلِيمٌ } زعم طائفة من اليهود أنها يودون الخير للمؤمنين فكذبهم الله عز وجل بقوله : { مَّا يَوَدُّ } يحب ، أو يتمنى حسداً { الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَٰبِ } أى ، وهم أهل الكتاب ، وكلهم كفرة ، إذ لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا من آمن ، كعبدالله بن سلامن وإن جعلناها للتبعيض فالمراد البعض الأكثر ، وهو خلاف الظاهر { وَلاَ الْمُشْرِكِينَ } من العرب ، والكلام جاء فيهم عطف على أهل الكتب ، وذكرهم اتباعا لليهود ، وهم لم يدعوا ود الخير للمؤمنين ، ولذلك أخرهم { أَنْ يُنَزَّلَ } أى أن ينزل الله { عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ } نائب فاعل ينزل ، فمن صلة للتأكيد والاستغراق ، وصح ذلك مع أن قوله ينزل مثبت لانسحاب نفى الود إليه ، والمراد بالخير الوحى والعلم والنصر ، وغير ذلك من أنواع الخير ، وكراهتهم تعم كل خير . روى أن المسلمين قالوا لحلفائهم من اليهود ، آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : وددنا لو كان خيراً مما نحن فيه فنتبعه ، فنزلت الآية تكذيباً لهم ، ومعنى تكذيبهم ، أنه صلى الله عليه وسلم على خير مما هم فيه ، ولم يؤمنوا ، وقيل : نزلت تكذيباً لجماعة من اليهود ، يظهرون أنهم يحبون المؤمنين ، وإنما قال عليكم مع أن الوحى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأنا متعبدون بما أنزل إليه ، فهو خطاب متوجه إلينا ، وواقع علينا بواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا أبلغ من تقدير مضاف ، أى ينزل على نبيكم ، ولا تنزيل إلا من الله ، ومع ذلك قال { مِّن رَّبِّكُمْ } إغاظة للكفار ، وتحبيباً لنفسه إلينا ، وتذكيراً لنعمة التربية منه ، والعبودية منا له { وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ } أى السعادة والجنة ، أو النبوة ، أو هى الخير المذكور ، ذكره بالاسم الظاهر تصريحاً بأنه رحمة من الله ، وفضل لا واجب عليه ، ولا يوجبه عمل عامل ، أو أراد بالرحمة مطلقها فى الأمة وسائر الأمم { مَنْ يَشَآء } هو النبى صلى الله عليه وسلم وأمته دون اليهود والمشركين والمنافقين ، وهو العموم { وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } كل خير دينى أو دنيوى أو أخروى منة من الله عز وجل ، ولما قال اليهود والمشركون من العرب : محمد يقول من عنده لا من الله ، لأنه يأمر بأمر ثم ينهى عنه نزل : { مَا نَنْسَخْ مِنْ ءَايَةٍ } نرفع حكمها ولفظها ، أو نرفع حكمها ، ونبقى لفظها ، أو نرفع لفظها ونبقى حكمها { أَوْ نُنْسِهَا } نرفعها من قلبك ، ونمحها منه ومن قلوب أصحابك فلا يدركون لفظها ولا معناها ، ولا العمل بها ، وهذا قسم آخر ، لأنه قد يكون فى الأخبار ، وقد يكون فى غيرها ، فإما أن يكون معناها فى آية أخرى ، أولا ، فيكون قد رفع التكليف بها ، وهو شامل النبى صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : { سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله } [ الأعلى : 6 ] وأما الامتناع فى قوله تعالى : { ولئِن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك } [ الإسراء : 86 ] فباعتبار مالا يجوظ نسخه ، أو باعتبار الكل ، وبين النسخ والإنساء عموم وخصوص يجتمعان فى الرفع عن القلوب ، ويختص النسخ بمنسوخ الحكم مع بقاء التلاوة ، وبالعكس ، ويختص الإناء بالأخباء التى أذهبت عن القلوب { فَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَآ } ثواباً أو سهولة فى الامتثال { أَوْ مِثْلِهَآ } فى ذلك ، كما قال : { وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر } [ النحل : 101 ] . روى أن جماعة من الصحابة قاموا ليلة ليقرأوا سورة ، فلم يبق لهم منها إلا بسم الله الرحمن الرحيم ، فأخبروه صلى الله عليه وسلم غدوة الليلة ، فقال : رفعت تلاوتها وحكمها ، ومما نسخ لفظه وحكمه : عشر رضعات معلومات يحرمن ، وكثير من سورة الأحزاب ، وكانت كالبقرة ، إلا أنه يحتمل بقاء بعض حكمها فى سورة أخرى . قال بعض الصحابة : كنا نقرأ سورة تشبهها فى الطول والشدة ببراءة ، فأنسبتها ، غير أنى حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى إليهما وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا تراب ، وكنا نقرأ سورة تشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أنى حفظت منها { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } [ الصف : 2 ] فتكتب شهادتها فى أعناقكم ، فتسألون عنها يوم القيامة . ومما نسخ لفظه فقط آية الرجم : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما … الآية ، قال عمر : قرأناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا ، إذا كانت البينة أو الحمل أو الاعتراف ، وكانت فى سورة الأحزاب ، وقيل فى النور ، وقوله تعالى : خروجكم عن آبائكم كفر ، يعنى انتسابكم إلى غيرهم . ومما نسخ حكمه فقط آية عدة الوفاء بالسنة ، نسخت بآية العدة بأربعة أشهر وعشر ، وآية وجوب ثبوت واحدة لعشرة بآية ثبوت واحد لاثنين . ويكون النسخ بالإبدال إلى أخف كالأربعة الأشهر ، والمصابرة لأقل من ثلاثة ، وإلى أثقل كوجوب الصوم بعد التخيير بينه وبين الإطعام ، وكترك القتال حتما إلى وجوبه فيما قيل ، ونسخ الإباحة إلى التحريم ، كتحريم الخمر بعد إباحتها ، وإلى مساو كنسخ الصلاة إلى القدس بالصلاة إلى الكعبة ، وبلا إبدال ، وحمل عليه قوله عز وعلا : " أو ننسها " فالمعنى نأت بغيرها فى غير شأنها ، وأما نسخ وجوب صوم عاشوراء إلى الندب بصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، أو برمضان أو صوم الثلاثة برمضان فموجود ، إلا أنه لا يوجد المنسوخ فى القرآن صراحا ، بل بتأويل . { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } زيادة تثبيت للنبى صلى الله عليه وسلم ، وأمته تبع له ، أو الخطاب لكل من يصلح له ، يعلمون أن الله لا يعجزه شىء ، فقد نسخهم قردة وخنازير بعد أن كانوا فى صورة البشر ، وليس ذلك بداوة ، بل قضى الله الأزل ، أن بقاءهم فى صورة البشر إلى وقت مخصوص ، فكذلك قضى الله فيه ، أن الآية تبقى إلى كذا ، ثم إنه إن كان النسخ إلى أخف فالخيرية فى النفع ، أو إلى أثقل فالخيرية فى الثواب ، هذا فى الحكم ، وإن كان النسخ فى اللفظ إلى أخصر فالخيرية فى النفع ، أو إلى أطول نفى الثواب ، وإن كان فى اللفظ والحكم إلى أخف حكما وأخصر لفظاً فالخيرية فى النفع ، أو إلى أثقل حكما وأطول لفظا فالخيرية فى الثواب ، أو إلى أخف حكما وأطول لفظا فالخيرية فى النفع والثواب ، أو إلى أثقل حكما وأخصر لفظا فالخيرية فى الثواب بالنسبة للحكم ، وفى النفع بالنسبة إلى اللفظ ، منه بعضهم النسخ إلى أثقل . والنسخ دليل على أن القرآن حادث مخلوق ، ولا نثبت الكلام النفسى ، فضلا عن أن يقال : التعبير من عوارض ما يتعلق به الكلام النفسى ، وهى الأفعال ، فى الأمر والنهى ، والنسب الخبرية فى الخبر ، وفى إثبات الكلام النفسى إثبات كون الله ظرفا ومتحيزا ، وإن رجع ذلك إلى العلم لزم أن كل ما علمه قديم ، والقرآن هو هذه الألفاظ ، لا غيرها .