Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 114-115)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَٰجِدَ اللهِ } أى مسجد كانت من مساجد الإسلام { أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } بتلاوة كتب الله ، والصلاة ، وسائر الأذكار ، والاستفهام للنفى ، أى لا أحد أظلم ، وقد ثبت الظلم لغير مانع المساجد ، ولكن مانعها أعظم ظلماً من المعصية ، بمنع غيرها ، أو بغير منع لشىء ، لكن جاء أيضاً { فمن أظلم ممن كذب على الله } [ الزمر : 32 ] ونحو هذا ، فنقول : ذلك كله أمر واحد ، مفضل على غيره ، كأنه قيل : المفترى على الله ، ومانع المساجد ونحوهما أظلم من غيرهم ، والتفضيل بينهم يوكل إلى الفهم ، مثل أن تقول ، من قال ، اتخذ الله ولداً أظلم من المفترى عليه ؛ والمفترى عليه أظلم ممن منع مساجد الله ، والممنوع الناس ، لا المساجد ، ولكن أوقع على المساجد لأنها محل إيقاعهم العبادة ، وللإشارة إلى أنها مظلومة ، كما ظلم الناس ، ولأنه يوقع لها تمييز لمن يتعبد فيها ، فظلمت بمنع من تحبه عنها ، ومنعهم كإغلاقها ، وبعد ذلك ، قال : الممنوع ذكر الله ، أو المراد ، لأجل ذكره ، أو من أن يذكر ، والمراد بالمساجد كل مسجد خرب ، أو سيخرب ، ومنع أو سيمنع كما منعت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين قبل الهجرة ، وفى عام الحديبية ، أن يدخلوا المسجد الحرام للعمرة { وَسَعَى } اجتهد { فِي خَرَابِهَا } فى تحصيل خرابها ، أو اسم مصدر ، أى فى تخريبها ، بالتعطيل أو الهدم كما هدم بخت نصر بيت المقدس ، وألفى فيه الجيف ، وذبح فيه الخنزير ، وأحرق التوراة ، وقتل بنى إسرائيل وسبى الذرارى ، وكما فعل ططيوس الرومى وقومه من روم ونصارى ذلك بعد أن بنى على عهد عزير ، وبقى خراباً إلى أن عمره المسلمون على عهد عمر رضى الله عنه ، ويجوز أن يراد بالمساجد المسجد الحرام ، وتخريبه تعطيل قريش للنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عنه ، جمع تعظيماً ، ولأن مساجد الإسلام كلها تنبنى عليه وتبنى إليه ، ولأن معطل مسجد حق كمانع المساجد كلها ، كما أن مكذب نبى أو كتاب كمكذب الأنبياء وأعظم الكتب { أُولَٰئِكَ } المانعون الساعون فى خرابها { مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ } وقد تحقق ذلك وقوعاً فى مدة عظيمة ، لا يدخل مشرك ، نصرانى ولا رومى ولا غيره ، مسجداً من مساجد المسلمين إلا خائفاً ، وهذا إلى الآن إلا مساجد بلاد أخذوها ، ولا يدخل مشرك المسجد الحرام إلا الآن إلا خائفاً متنكراً ، ومضى زمان مديد من عهد عمر وما بعده ، لا يدخل بيت المقدس مشرك ، ولا يوجد فيه إلا أُوجع ضربا ، وليس فى الآية أنه لا يدخلها أبداً ، بل فيها ، أنه يتحقق هذا المقدار من عدم الدخول إلا مع خوف ، فلا يرد ما ذكرت من دخولهم مساجد بلاد أخذوها ، ودخولهم المسجد الحرام ، وأخذهم الحجر الأسود ، ثم إنه رد ، وكون المقدس فى يد الإفرنج أكثر من مائة سنة بحيث لا يدخله مسلم إلا خائفا ، حتى نزعه منهم الناصر صلا الدين يوسف ، وذلك إما على أن معنى الآية أن الله قضى ألا يدخلوها إلا خائفين وعدا بالنصر للمؤمنين ، وإما على معنى أنه لا يجوز لكم أن تتركوهم ودخلوها ، أو ما كان الحق أن يدخلوها إلا خائفين أن تبطشوا بهم ، فضلا عن أن يجترثوا على تخريبها ، أو يمنعوا المؤمنين عنها ، ولا يجوز عندنا أن يترك مشرك أن يدخل مسجداً إلا إن لم تقدر ، وذلك قول مالك ، لقوله تعالى : { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام } [ التوبة : 28 ] والمساجد كلها مثله فى التطهير عن الأنجاس ، فهى مثله أيضاً فى الحرمة ، وأجازه الشافعى فى غير المسجد الحرام بشرط الحاجة فيه ، وأذن مسلم له ، لذكره فى الآية ، وإدخال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف وغيرهم المسجد منسوخ بهذه الآية { إنما المشركون نجس … } [ التوبة : 28 ] إلخ . لاستلحاقه سائر المساجد مع علة النجس والحرمة ، ولقوله { ما كان لهم } [ البقرة : 114 ] إلخ ، سواء فسرناه بالأمر بإبعاد المشركين عنها ، أو بقضاء الله ، لأنه أمر يرغب فيه ، فلا إشكال ، وأجازه أبو حنيفة مطلقا { لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ } بالقتل والسبى فى بعض ، والجزية فى البعض الآخر ، وأصل الخزى ذل يستحيا منه ، ولذلك يستعمل فى كل منها ، والقتل والسبى ذل عظيم يستحى منه فى السبى دون القتل ، إلا إنه يقال ، يستحى منه المفتول قبل أن يقتل ، وأصحابه وقرابته ، قبلت النضير الجزية ، وقتل بعض قريظة وسبى بعض { وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } فى النار ، لمنعهم مساجد الله وسعيهم فى خرابها ، وكان صلى الله عليه وسلم يصلى النافلة على الدابة ، أينما توجهت من مكة إلى المدينة ، وفى غير ذلك حتى الوتر قبل أن يفرض عليه وحولت القبلة إلى الكعبة ، وطعنت اليهود فى ذلك كله ، وقالوا : لا قبلة لهم معلومة ، وصلى على اجتهاده إلى جهة ليلا فى غزوة ومعهم النبى صلى الله عليه وسلم ، وقيل ، لم يكن معهم لظلمة ، فلما أصبحوا تبين أن بعضا صلى إلى الشمال ، وبعضا إلى الجنوب ، فنزل قوله تعالى : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } استلحقا جوانبهما ، فذلك الأرض كلها { فَأَيْنَمَا } هو المكان الذى أتم فيه ، أو الذى استقبلتم إليه { تُوَلُّواْ } وجوهكم فى الصلاة ، بأمره لكم بالتولية { فَثَمَّ وَجْهُ } ذات { اللهِ } أو فثم الله بالعلم والحفظ وسعة الرحمة وغير ذلك ، أو فثم جهة الله ، أى الجهة التى أمركم بها ، وليس توليكم باختياركم حتى يصيبوكم بصلاة بعض الجنوب وبعض إلى الشمال فى السفر ، للجهل بالجهة فى غزوة ، وقد قيل ، نزلت الآية فيهم ، وقيل فى الصلاة على الراحلة للضرورة وصلاة النفل عليها مطلقا ، وفى ذلك اختصاص لنا بأن نصلى حيث أدركتنا الصلاة لا كمن قبلنا لا يصلون إلا فى كنائسهم ، وكان عيسى عليه السلام يصلى حيث أدركته الصلاة فصلوا إلى الكعبة ، وقوله فصلوا إلى الكعبة متعلق بقوله ، وليس توليكم باختياركم ، وما بينهما اعتراض ، والنفل على الراحلة ، وصلوا فى الأرض كلها ، فقد جعلت لكم الأرض مسجداً ولا يضركم أن منعوكم عن المسجد الحرام أو الأقصى ، وقبل فتح المقدس منع المسلمون من الصلاة فيه ، وقيل منعهم الإفرنج حين استولوا عليه حتى رده صلاح الدين ، وعليه فالآية إخبار بالغيب { إِنَّ اللهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ } يسمع فضله وعلمه كل شىء ومن سعة فضله أن جعل لكم الأرض مسجداً ، فقيل ، ولو سبخة حال الاختيار ، ولا بد من الطهارة ، ومن قبلنا لا يصلون ، إلا فى مساجدهم ، فإذا غابوا عنها تركوها وقضوها .