Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 125-125)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ } الكعبة { مَثَابَةً لَّلنَّاسِ } مرجعاً يثوب إليه من كان عنده أو يجيئه من لم يكن عنده ، أو يلتجىء إليه الخائف ، وإطلاق الرجوع لمن لم يكن مجاز ، فذلك جمع بين الحقيقة والمجاز ، وقد أجيزا ، وهو من عموم المجاز ، ويناسب الإطلاق أن الآتى والراجع كواحد ، لاتفاق الدين ، أو مثابة بمعنى موضع ذهاب إليه ، أو مزار ، استعمال للمقيد فى معنى المطلق ، أو هو موضع ثواب ، فلا مجاز ، وتاؤه لتأنيث البقعة ، وقيل : هى للمبالغة كما فى الوصف ، كعّلامة ، لكنه لا يؤنث ، وهو اسم مكان ميمى ، أو مصدر ميمى ، أى ذا ثواب ، والأول أولى ، والأصل مثوبة بإسكان الثاء ، فتحت بفتحة الواو نقلا ، فقلبت ألفا { وَأَمْناً } موضع أمن ، أى ذا أمن ، وقد يناسب هذا أن تجعل مثابة مصدراً ، أى ذا مثابة وأمن للناس فى حرمه ، أو أمن لحرمه ، لا يقع فيه ما يقع فى غيره من الظلم والقارة ، يلقى فيه للرجل قاتل أبيه فلا يخيفه ولا يهيجه ، ويتبع الكلب الصيد فيدخل الحرم فلا يتبعه بعد لحرمة الحرم ، وقد قال الله : { حرماً ءامناً } [ العنكبوت : 67 ] فقد تقول ، آمناً بمعنى آمن إلا أن فيه مجاز التعلق والاشتقاق ، وإذ جعلنا المصدر بعنى اسم فاعل ومجاز الإسناد ، لأن الذى يأمن هو الناس لا الحرم ، وما تقدم فيه مجاز واحد كلا مجاز ، إذ هو مجاز حذف ، ومن جنى فى الحرم حد فيه ، أو خارجا فالتجأ إليه أخرج ، أو ضيق عليه حتى يخرج فيحد ، وذلك من جملة الأمن فيه ، وذكر بعض أنه آمن للحاج من النار وكفارة لذنوبه التى بينه وبين الله يوم القيامة ، ولا يدرى فى الدنيا أقبل منه أم رد { وَاتَّخّذُوا } أى الناس { مِنْ مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى } بفتح الخاء إخبار بمعنى الأمر ، كأنهم امتثلوا الاتخاذ ، فهو يخبر بوقوعه ، والعطف عطف قصة على أخرى ، أى ، وإذ اتخذوا ، أو على جعلنا ، لأن الغرض بيان أحوال البيت ، ومنها الجعل والاتخاذ ، أو يقدر ، فثابوا واتخذوا ، ولا بأس به ، ولو كان الأصل عدم الحذف ، لاتحاد المنسدين فى المسند إليه ، ومن بمعنى إلى ، لأن المصلى يتوجه إلى الحجر الذى هو المقام ، وينوى القبلة الكعبة ، أو للابتداء ، كقولك : رايته من ذلك المكان ، أى انتهى شأنه منه إليك ، أو من للتبعيض ، أو للظرفية ، على أن المقام الحرم ، أو ما دار بالمطاف ، لا الحجر خصوصاً ، والمراد على كل وجه بالمصلى هو الموضع المختار لركعتى الطواف ، ويستحب النفل والفرض فيه ، إذا لم يعطل ركعتى الطواف ، وذلك أنه اتخذ للصلاة مطلقا ، وهو أربعون ذراعاُ شمالا ويمينا وخلفاً ، والمقام موضع القيام ، وهو ذلك الحجر ، قام عليه عند بناء الكعبة يدور به إلى جهاتها ، ويعلو به ، وعند ندائه ، أيها الناس ، حجوا بيت ربكم تطاول حتى ساوى أبا قبيس ، وعند غسل زوج إسماعيل رأسه ، أعنى رأس إبراهيم ، إذ زاره ولم يجده ، أو زار الكعبة ، والمحول له إلى موضعه اليوم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو مروى بسند ولو كان فيه ضعف ، لا عمر ، كما روى بسند ولو كان قويا ، ولو احتمل أنه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه مطلقا بالبيت ، فعلم عمر أن المراد جعله بين المصلى والكعبة أينما هو ، فأخره إلى حيث هو اليوم . وروى أنه صلى الله عليه وسلم " أخذ بيد عمر ، فقال له : هذا الحجر مقام إبراهيم ، فقال عمر : أفلا تتخذه مصلى ، فقال : لم أومر بذلك ، فلم تغب الشمس حتى نزلت الآية " . ويقال : كان داخل الكعبة ثم أخرج ، وقيل : موضعه اليوم هو بيت إبراهيم يحوله إليه من البناء كل يوم ، وقيل المقام الحرم ، وقيل مواضع الحج والصلاة والدعاء عرفة والمزدلفة ومنى ، ومواضع الرمى والصلاة فى ذلك دعاء ، وقيل : الكعبة ، أى موضع صلاة إليه ، إذ يصلى إليها ، ولا مقام إلا مقام إبراهيم عليه السلام ، وهو مقام للمؤمنين كلهم على حد سواء ، ولا وجه لنسبته للشافعى ، ولا وجه للبناء فيه لأنه نقص منه ومن المسجد ، ولا وجه لجعل مقام آخر لمالك ، وآخر لأبى حنيفة ، وآخر لأحمد ، فإن ذلك زيادات فى الدين وتشرع فيه وبدعة ، ونفص من الحرم المقام بالبناء ، ومناقضة لمقام إبراهيم حتى إنه استوت الثلاثة عند العامة بمقام إبراهيم ، ويفضلها عامة أهليها على مقام إبراهيم ، وقد قال أمير مكة للسلطان حمود ، وهو سلطان زنجبار ، أعوام إقامته بمكة : أبنى مقاماً لك وللإباضية أهل مذهبك ؟ فقال : لا تفعل ، لأنه خلاف الشريعة ، ولأنهم لا يقبلون ذلك عنى ولا عنك ، ولا يقف فيه أحد منهم ، فلذلك ونحوه قلت فيه : @ حَمُّودُنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ وَشِيعَتُهُ ظَلُّ الْبَرِيَّةِ وَالْحَقُّ شَرِيعَتُهُ @@ القصيدة : { وَعَهِدْنَآ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَٰعِيلَ } أصله إسمع إيل ، أى بالله ، ولقد علمت أن العبرية قريبة من العربية ، والمعنى ، أن إبراهيم قال ، اسمع يا ألله دعائى بأن ترزقنى ولدا ، فرزقه ، فسماه إسماعيل ، وهو قوى ، ولو ضعفه بعض ، واختار انه مطيع الله ، والعهد إلى إبراهيم بالذات ، وإلى إسماعيل بالواسطة ، أمرناهما ، وأمرهما علم عهد إليها ، وفسر العهد إذ فيه معنى القول بقوله { أَنْ طَهِّرَا } أو يقد بأن طهرا { بَيْتِيَ } من الأوثان والأنجاس وما لا يليق والحائض والنفساء ، وأهل الشرك ، أى ابنياه على رسم ألا يكون فيه ذلك ، كقولك ، أدر جيب القميص ، وأطل القلم ، أى جىء بهذه الصفة من أول ، أو أخلصاه { لِلطَّائِفِينَ } حوله ، لا يعطلون عن الطواف ، ولا يكون عنده من ليس أهلا للطواف ، كالمشرك ، وذلك على عمومه ، وقال ابن جبير ، الغرباء الوافدون حجاجا وزوارا { وَالْعَٰكِفِينَ } المقيمين عنده بالتوحيد والطاعة ، وقال عطاء : الجالسون عنده بلا طواف ، وقيل ، المجاورون له من الغرباء ، وقيل ، المعتكفون فيه { وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } جمع ساجد ، والمراد بالركع السجود المصلون ، وذكر الركوع والسجود لأنهما أقرب أحوال المصلى إلى الله تعالى . وقد أتم الله تطهيره من الأوثان ، وكل ما لا يليق بنبينا صلى الله عليه وسلم ، وأتم به عمارته بالطوف والعبادات ، والصلاة المشتملة على الركوع مقدما ، والسجود بعده على ترتيب لفظ الآية ، لا كصلاة اليهود بلا ركوع ، ولا كصلاة لا سجود فيها ، ولا كصلاة يتقدم سجودها على ركوعها ، كما قيل عن اليهود أيضا ، ولا كصلاة مشركى العرب ، يقولون ، السجود مسبَّة ، فيركعون ولا يسجدون .