Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 163-164)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِلَٰهُكُمْ } معشر الخلق ، الأجسام والأعراض ، العقلاء وغيرهم ، الحيوان والجماد ، بتغليل العقلاء ، ويختص بهم ما يناسبهم بعد ويتجدد لهم معرفته أنه لغيرهم أيضاً ، وقيل الخطاب للعقلاء ، وقيل لقريش القائلين : صف لنا ربك يا محمد ، ويلحق بهم غيرهم ، وزعم بعض أنه للكاتمين { إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ } أى أن الذى يستحق العبادة عنكم إله واحد ، فى ذاته ، لا يتجزأُ فى صفاته وأقواله وأفعاله ، وفى أولوهيته ، وقيل : الوحدة هنا عدم التجزؤ ، والأولى أن المعنى لا نظير له ، فيدخل ما ذكر وعدم التجزؤ . سألت اليهود وقريش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم ربهم فنزلت سورة الإخلاص ، وقوله تعالى { وَإِلَٰهُكم إِلَٰهُ وَاحد لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ } الجملة خبر ثان ، أو نعت ثان لاإله ، والنفى الآلهة الحقة ، أى لم يوجد إله بحق إلاّ الله ، أو الآلهة الباطلة ، أى ليست موجودة من حيث الألوهية ، ولو ادعاها عابدوها ، والرحمن الرحيم خبران لإلهكم ، وقيل الرحمن بدل من هو ، والرحيم نعت لرحمن ، وقيل بدلان من هو ، وقيل خبر لمحذوف . وروى أنه كان حول الكعبة ثلثمائة وستين صنما ، ولما نزل { وإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ } قالوا متعجبين : إيت بآية على ذلك ، فنزل { إن في خلق السمٰوٰتِ … } الخ ، وهم غير القائلين لا شريك لك ، إلا إلها تملكه ، وما ملكت هو الخالق ، وما سواه منعم عليه ، ونعمه مشكورة أو مكفورة بالعصيان والشرك ، وطلبوا آية على ذلك فنزل قوله تعالى : { إِنَّ فِى خَلْقِ } إيجاد { السَّمَٰوَٰتِ } السبع ، من حيث ارتفاعها بلا عمد ولا علاقة ونيرانها { وَالأَرْضِ } أى جنسها ، فصدق بسبع فى قوله تعالى : { ومن الأرض مثلهن } [ الطلاق : 12 ] ، وفى قوله صلى الله عليه وسلم : " من اقتطع قيد شبر من أرض جاره طوقه من سبع أرضين " ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن ، من حيث مدها ، وكونها على الماء ، ومن حيث شجرها ، وجبالها ، وبحارها ، ومعادنها ، وجواهرها ، وعيونها ، وثمارها ، وحيواناتها " ، وأفردها لأنها متفقة بالحقيقة : وهى التراب بخلاف السماوات . فالأولى : من زبد الماء متجمداً . والثانية : من رخام أبيض . والثالثة : من حديد . والرابعة : من نحاس . والخامسة : من فضة . والسادسة : من ذهب . والسابعة : من ياقوت أحمر . وقيل : الأولى : زبد جامد . والثانية : من نحاس . والثالثة : من فضة . والرابعة : من ذهب . والخامسة : من ياقوت . والسادسة : من زمرد والسابعة : من نور العرش وبين كل سماء وأخرى ، وأرض وأخرى ، والأرض والسماء خمسمائة عام كغلظ كل { وَاخْتِلَٰفِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ } من الافتعال ، بمعنى التفاعل يتخالفان طولا وقصراً إلا وقت الاعتدال ، وزيادة ونقصاً ، وذهاباً ومجيئاً ، وظلمة ونوراً ، وسكوناً للجوارح والإبصار ، وراحة وانتشاراً لها ، واختلافاً للأَوقات ، فكل ساعة مغرب فى موضع ، وعشاء فى آخر ، وثلث ليل فى آخر ونصفه فى آخر ، وسدس فى آخر ، وسحر فى آخر ، وتوسط فى آخر ، وزوال فى آخر ، ووسط الوقتين فى آخر ، وعصر فى آخر ، واصفرار فى آخر ، وغروب فى آخر ، وما بين ذلك كله أيضاً متخالف ، ولا تزول ولو لحظة ، تغرب عن موضع ، وتطلع فى آخر من خلفها وقدامها ، وأينما كانت الشمس عند غروبها فى موضع ، وطلوعها فى آخر يكون وراءها مثل الفجر الكاذب ، شفقاً أبيض ، وقدامها مثله ، وكل بلذ يكون عرضة للشمال أكثر من طوله ، يكون أيام صيفه أقصر من أيام شتائه ، والظلمة سابقة على الضوء فقدم الليل لذلك ، فالنهار لليلة قبله ، وهو الصحيح ، وقيل بالعكس ، واستثنى بعضهم يوم عرفة على الأول ، وجعله لليلة بعده ، ولا يصح ذلك ، وإنما نتبع الحكم الشرعى ، وليس رجوعا لتقدم اليوم والليلة { وَالْفُلْكِ } جماعة بدليل قوله : { الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ } فدل على الجماعة بضم الفاء وإسكان اللام مع الحروف ، بخلاف الفلك المفرد فإنه لا دلالة لضمه وسكونه على معنى أو سكنت اللام عن ضم الجميع تخفيفا ، والمعنى أن فى خلق السموات والأرض الخ ، وفى الفلك ، فالعطف على خلق ، أو أن فى خلق السموات الخ وفى خلق الفلك ، فالعطف على السموات ، وقد يجوز عطفه على الليل ، أى واختلاف الفلك ذهابا ورجوعا ، وعلى حال إن فى ذاتها وإيجادها من حيث إنها لا تنزل إلى أسفل الماء مجردة أو محمولا فيها ما خف أو ما ثقل ، وجريانها على وجه الماء بالريح مقبلة ومدبرة مع قوة الماء وهيجانه { بِمَا } أى بالذى { يَنْفَعُ النَّاسَ } من التجارة وسائر ما يحمل فيها ، قيل برد الضمير لما على أنها موصولة اسمية ، أو بنفعه الناس على أن ما مصدرية برد الضمير للجرى أو للبحر ، والرد للجرى أولى لأن النفع بالجرى بالذات ، بخلاف البحر فبواسطة الجرى ، ولو كان الجرى بواسطة البحر ، وقيل يجوز تذكير الفلك وتأنيثه ، مجردا أو جماعة ، فيجوز رد الضمير للفلك ، وقد قيل إنه مفرد أنث بتأويل السفينة أولا ، وذكر ثانيا على أصله ، وفى البحر أيضا عجائب ، حيتان ، ولؤلؤ ، ومرجان ، وياقوت ، والسفينة آلة الخوض فيها والاطلاع على ذلك ، ولكن لا تحمل الآية على لإشارة لذلك لما فيه من التكلف ، ولو كانت الفلك سببا . { وَمَآ أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَّآءٍ } أى وفى خلق ما أنزله من السحاب ، أو فى ما أنزله من السحاب ، سماه سماء ، أو من السماء إحدى السبع ، يصل بسرعة ، أو أريد بالسماء جهة العلو ، فيشمل الوجهين ، والماء تارة من السماء ، أو من الجنة ، ينزل فى أقرب مدة ، كسرعة الملك فى النزول ، وتارة من البحر والعيون بخارا ، وهذا الأكثر ، وتارة يتقلب أجزاء الهواء الصغار الهبائية ماء بسبب ، وأخره ، مع أنه أفضل ، قيل لفضله الزائد ، أو لحمعه العلو والسفل ، إذ منه ما من السماء وما من البحر ، كما أن اختلاف الليل والنهار فيه ذلك ، لأن الضوء والظلمة فى الأرض والجو والفلك بالماء والريح { فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ } بالنبات ، أظهر بهجتها وزيادة منها ، إظهاراً شبيهاً بإحياء ما مات ، وبإدخال الروح فيما ليس حيا قط ، بجامع الحسن والزيادة ، وهى قبل النبات جماد ، وكميت بعد حياة ، كما قال { بَعْدَ مَوْتِهَا } أى عدم النبات فيها أو زواله عنها ، وذلك أن الماء سبب للحياة فى الحيوانات ، وسبب للنبات والثمار ، وينزل عند الحاجة ، وبالدعاء والاستقساء ، وفى مكان دون مكان ، وهو لكل سنة مقدار مخصوص ، ويكون فى بعض الماء دون بعض { وَبَثَّ } به ، أى فرق ، أى بما أنزل من السماء من ماء ، وفيه حذف رابط الصلة المجرور بدون جر الموصول بمثله ، ودون تعلقه بما تعلق به جاز الموصول على الصلة ، أو عَلَى ما عطف عليها ، ولا يضر فصله لأنه سببى ، وكأنه صلة ، وهذا أولى من أن يقال بثه أى بث به { فِيهَا } دواب { مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ } أى من كل نوع من الدواب ، توجد بالماء خلقا وينمو الموجود منها بالتوالد ، مع اختلافهما ، خرسا ونطقا ، وصوتا ، ولونا ، ووحشا ، وإنسا ، ونقعا وضرا وطبعا ، وغير ذلك كطول حياة وقصرها ، وطول ذات وقصرها ، ورقة وغلظة ، وفى السماء دواب أيضا { وَتَصْرِيفِ الرِّيَٰحِ } تقليبها جنوبا وشمالا ، وقبولا ودبورا ، حارة وباردة ، ولينة وعاصفة ، وعقيما ، ولا قحا للمطر والشجر . وكان صلى الله عليه وسلم إذا هبت الريح قال : " اللَّهُم اجعلها رياحا لا ريحا " ، لأن مفردها فى القرآن سوء ، كقوله تعالى : { وَفِى عَادٍ … } [ الذاريات : 41 ] الخ ، وجعلها فى خبر ، كقوله تعالى : { ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات } [ الروم : 46 ] ويقال سميت ريحا لأنها تريح النفوس ، وياؤه عن واو ، ويقال ما هبت إلا لشفاء سقيم ، أو سقم صحيح ، ويقال البشارة فى الصَّبا ، والشمال والجنوب ، وأما الدبور فعقيم لا بشارة فيها ، وسميت الصبا قبولا ، لاستقبالها وجه الكعبة ، وهى حارة يابسة ، ويسميها أهل مصر الشرقية ، لأنها تهب من الشرق ، ويقال ، المبشرات ، والناشرات ، والذاريات ، والمرسلات ، والرُّخا للرحمة ، والعقيم والصرصر والعاصف والقاصف فى البحر للعذاب ، والصبا من مطلع الشمس فى الاعتدال ، والدبور تقابلها ، والشمال من جانب القطب ، والجنوب تقابلهما ، وطبع الدبور البرد والرطوبة ، يسميها أهل مصر الغربية ، لأن مهبتها الغرب ، وتأتى من دبر الكعبة ، وطبع الشمال البرد واليبس ، وتسمى البحرية لأنه يسار بها فى البحر على كل حال ، وقلما تهب ليلا ، وطبع الجنوب الحرارة ، وتسمى القبلية لأن مهها من مقابل القطب وهى عن يمين مستقبل المشرق ، ويقال إذا هبت على أهل مصر سبع ليال استعدوا للأكفان ، ولو أمسكت الريح طرفة عين لمات كل ذى روح وأنتن على ما على الأرض { وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ } المذلل { بَيْنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ } بلا عمد ، ولا علاقة ، مع ما فيه من المياه الثقيلة العظيمة التى تملأ منها الأودية ، والأراضى ، سميت لانسحابها وانجرارها ويسير بواسطة الرياح ، وبين متعلق بمسخر ، أو حال من المستتر فيه { لأَيَٰتٍ } دلائل على وجود الله ، وقدرته ، وكونه لا كالأشياء { لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } يستعملون عقولهم ، فيدركون بها الحق ولا يهملونها . روى ابن أبى الدنيا وابن مردويه عن عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها " . وتلك الأمور من الجائز ، قابلة لعكس ما هى عليه كله ، من حركة أو سكون ، وبسط وكورية وغير ذلك ، ومثلها لا يفعلها ولا تفعل نفسها ، فالفاعل هو غيرها ، وغير مثلها ، والفعل لا يكون من فاعلين ، والمصطلحان عاجزان ، وإن كان فى حدهما فغير الفاعل ليس إلها .