Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 177-177)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَيْسَ الْبِرَّ } الطاعة والإحسان { أَنْ تُوَلُّواْ } فقط للصلاة وتصلوا ، بل مع ذلك الإيمان بالله ، واليوم الآخر ، والملائكة ، والكتاب ، والنبيين ، وإيتاء المال على حبه ، والإتيان بالصلاة وإيتاء الزكاة والوفاء بالعهد ، والصبر فى البأساء والضراء وحين البأس ، { وُجُوهَكُمْ } أيها المؤمنون ، والتعريف للحصر ، وأل للجنس أو للعهد ، بمعنى ليس البر العظيم الذى أكثرتم الخوض فيه ، وقيل الخطاب لهم ولأهل الكتاب { قِبَلَ الْمَشْرِقِ } كما إذا كنتم غرب مكة { وَالْمَغْرِبِ } كما إذا كتم شرقها ، وكما كنتم تصلون إلى المغرب قبل تحويل القبلة إلى الكعبة ، فإن بيت المقدس غرب المدينة ، فإن الشمس تغرب إليه فى أطول الصيف ، وما يلى أطواله فذلك المغرب ، وليس كما قيل إنه شمال المدينة ، ولم يذكر الجهات الأخرى اكتفاء بذكر المشرق والمغرب على طريق التمثيل لا التقييد ، لأن من اهل الجهات من يستقبل ما بينهما ، وقدم المشرق مع أنه قبلة المتأخرين ، وهم النصارى ، لتقدم شروق الشمس على غروبها { وَلَكِنَّ الْبِرَّ } الإحسان الكامل ، من آمن بالله ، مبالغة كقولك زيد عدل ، فهو خبر ، ومن مبتدأ ، أو بالعكس ، وهو أشد مبالغة كمن قال : الصوم هو زيد ، وأل للجنس أو العهد ، أو لكن البار ، والأصل البارر ، نقلت كسرة الراء للياء ، وحذفت الألف قصداً لكون الراء بسلب حركتها ، وأدغمت فى الراء ، ولا حذف مضارف فى ذلك ، ولا تأويلا بالوصف ، لكن فيه تكلف ، أو هو مصدر بمعنى اسم الفاعل ، أو يبقى على مصدريته ويقدر مضاف فيه ، أى ولكن والبر أو فى قوله { مَنْ ءَامَنَ } أى بر من آمن { بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَخِرِ وَالْمَلَٰئِكَةِ وَالْكِتَٰبِ } أى من الكتب كلها ، كما قال صلى الله عليه وسلم " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله " ، أو القرآن ، لأنه الذى أنكره أهل الكتاب ، وأنه المقصود بالدعوة ، وأنه أكمل الكتب ، والإيمان به يستلزم الإيمان بجميع الكتب ، لأنه مصدق لما بين يديه ، وقيل التوراة ولا قرينة له ، وهى لا توجب الإيمان إلا بتوسط اشمالها على القرآن المستلزم لذلك { وَالنَّبِيِّينَ } وهذا كله موجود فى المؤمنين قبل نزول الآية ، فمحط الكلام قوله { وَءَاتَى الْمَالَ } الخ وما كان فيهم من بعض صفة فقد أمروا بتجويدها . أو الخطاب فى تولوا وجوهكم لليهود النصارى ، رد على اليهود إذ قالوا البر استقبال المقدس ، وعلى النصارى إذ قالوا البر استقبال مطلع الشمس ، وأل فى البر للجنس ، ولا حصر فى الآية { عَلَى حُبِّهِ } مع حب صاحب المال ، فالهاء لمن ، والمفعول محذوف أى مع حبه المال ، أو مع حب المال ، فالهاء للمال ، وَالفاعل محذوف ، ومحبه مؤتيه أو الناس ، وحبه لجودته أو لقلته ، أوَ على حبه على حب الله ، فالهاء للمال ، أو لصاحبه المؤتى ، أو لله سبحانه ، أو للإيتاء المفهوم من آتى ، وَالتقييد بقوله على حبه للتكميل ، وَقال صلى الله عليه وسلم : " أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح " ، تأمل البقاء وتخشى الفقر ، وَلا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا وَلفلان كذا ، ألا وقد كان لفلان كذا ، فصدقة التفقير والبخيل أفضل من صدقة الغنى والكريم ، إلا أن يكونا أحب للمال منهما ، أو يتصدقا بما هو أعز عندهما ، قال صلى الله عليه وسلم ، " أفضل الأعمال أحَمزها " { ذَوِي الْقُرْبَى } القرابة بالنسب مع الحاجة ، أو دونها ، وهو مفعول ثان ، والمال مفعول أول ، لأنه الفاعل فى المعنى ، أى صيره آتيا ذوى القربى ، فافهم ، ولا تهم ، فالمال يأتى ذوى القربى لا مفعولا أول إلا بتكليف التفسير بتناول ونحوه ، مما يكون ذوى القربى به فاعلا فى المعنى { وَالْيَتَٰمَى } مع الحاجة أو دونها بوساطة القائم بهم من ولى وغيره لأنه لا قبض لغير البالغ ، ولا يتم بعد بلوغ ، ولكن يجوز إطعام يتيم ولو بلا قائم ولو حقا واجبا ، كزكاة لمن هو فى يده ويتفقده ، وما أوتى قائم يتيم فقد أوتى يتيما ، لأن قائمه كرسول إليه ، فهو معطوف على ذوى ولا حاجة إلى عطفه على القربى ، قصدا إلى معنى إعطاء ذوى اليتامى { وَالْمَسَٰكِينِ } أسكنتهم الحاجة فقلت حركتهم ، أو أسكنتهم إلى الناس بالميل إليهم ، وعن أبى حنيفة ، هو من لا يملك شيئاً ، والفقير من يملك أقبل من نصاب ، والشافعى من يملك شيئاً ، والفقير من لا يملك شيئاً ، أما السفينة فكانت لمساكين ، فللمسكين شىء ، لكن ليس فى الآية أن الفقير لا شىء له { وَابْنَ السَّبِيلِ } المسافر مع حاجة فى حاله ولو غنيّاً فى أهله ، سمى لأنه يلقيه الطريق كما تلد الأم ولدها ، ولأنه يصاحب الطريق كالولد مع أبيه ، ولأنه مبنى السبيل كالولد مبنى أبيه ، كأنه ولده السبيل ، أو لانفراده عن من مع قبل ، وقيل : ابن السبيل : الضعيف لأنه يقدم به إلى بيت المضيف { وَالسَّآئِلِينَ } ألجأتهم الحاجة إلى السؤال ، عطف عام على خاص ، لأن ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل يكونون وغير سائلين ، ويكون السائل أيضاً غيرهم دعاء داع إلى السؤال ، ولو كان غنيا لتحمله ديناً لإصلاح بين الناس ، وكاشتهائه شيئاً ليس عنده ، كحامل ومتوحم وحالف على موجوده لا ينتفع به فى محله ، وككل سائل ولو غنيا ، إذ لا يدرى هل هو غنى ، بل ولو غنيا ، قال صلى الله عليه وسلم : " للسائل حق ولو جاء على فرس " ، رواه أحمد وذلك سد لذريعة الرد واحتياط للناس { وَفِي الرِّقَابِ } وصرفه فى الرقاب ، أى على طريق صرفه فيها ، بوزن المصدر ، أى لفك الأسرى ، واعتاق العبيد ، وإعانة المكاتب ، وشراء العبيد ليكونوا فى الإسلام ، عوناً له فى الجهاد وغيره ، وتنجية المضطر ، وشراء العبيد المسلمين الذين تملكهم المشركون بالتقويم { وَأَقَامَ الصَّلَٰوةَ وَءَاتَى الزَّكَٰوةَ } أهلها ، فما قيل هذا فى غير الزكاة ترغيباً فى النفل لا إيجاباً ، إذ لا واجب فى المال بعد الزكاة إلا إن خيف موت أحد ، أو نفقة العيال والضعيف ، إلا أنواع الكفارات ، وعن الشعبى أن فى المال حقا سوى الزكاة ، وتلا هذه الآية ، وسئل الشعبى : هل فى المال حق بعد الزكاة ؟ قال نعم ، يصل قرابة ويعطى السائل وتلا هذه الآية وعنه صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن بالله واليوم الآخر من بات شبعان وجاره طاوٍ إلى جنبه " ، وفى الحديث : " فى المال حقوق سوى الزكاة " ، واجتمعت الأمة إلا من شذ ، أنه يجب دفع حاجة المضطر ودفع الكفارات ، وذلك ثابت ، ولو مع قوله صلى الله عليه وسلم من حديث على ، نسخ الأضحى كل ذبح ، ورمضان كل صوم ، وغسل الجنابة كل غسل ، والزكاة كل صدقة ، وهو غريب أخرجه ابن شاهين ، وليس فى سنده قوة وأخرجه الدارقطنى والبيهقى ، ويجوز أن يكون آتى الزكاة ذكراً للخاص لمزيته بعد العام وهو آتى المال { وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَٰهَدُواْ } ربهم فى طاعة ، أو مخلوقاً فيها ، أو فى مباح فيه نفع لغيرهم أو انتظار من غيرهم لهم ، لا فى معصية أو مكروه ، أو مباح لأنفسهم ، فلا ذم فى خلاف الثلاثة ، والعطف على من ، ومقتضى الظاهر ولكن إنه من آمن بالله الخ ، وأوفى بعهده إذا عاهد ، ولكن غير الأسلوب ، لأن ما تقدم بإيجاب الله ، وهذا بإيجاب المكلف على نفسه ، كما قال إذا عاهدوا ، أى لا يتأخر إيفاؤهم عن وقت عهد إليه ، وذلك حكمة التقييد بإذا ، فليس ذلك فيما أوجبه الله عليه بلا إيجاب منه ، كما قيل به ، وبأن إذا عاهدوا تأكيد ، ومما يكون من إيجابهم بر اليمين والنذر ، ورد الأمانة ، لأن عقدهن عهد بالوفاء ، أو غير الأسلوب إشارة إلى وجوب استقرار الوفاء ، أو إلى أنه أمر مقصود بالذات ، أو لأن هذا من حقوق الله وما مرّ من حقوق الناس ، والعهود ما يجرى فى الناس مما لا يحل حراماً ولا يحرم حلالا ، والظاهر أن المراد حقوق الله وحقوق العباد ، لأن الوفاء بها من حقوق الله أيضاً { وَالصَّٰبِرِينَ } لا تنس الصابرين فى مقام الخير والثناء ، أو اذكر الصابرين ، أو خص الصابرين ، ومعنى كون ذلك نصباً على المدح أنهم فى مقام رفيع ، يعرف به المحذوف ولو لم يذكر ، قال أبو على الفارسى إذا غير إعراب صفة المدح أو الذم فذلك تفنن ، ويسعى قطعا ، وذلك أن التغيير المألوف يدل على مزيد الاهتمام بشأن المغير ، فإنه لا فضيلة إلا وللصبر فيها أثر بليغ ، وإلا فسدت وأدت إلى مضرة { فِي الْبَأْسَاءِ } شدة الفقر وفساد المال ولو بلا فقر ، كفساد نوع دون آخر ، أو فساد فيه كله مع بقاء تقع فيه بلا فقر { وَالضَّرَّاءِ } المضرة فى البدن بمرض أو غيره ، كعرج وصمم وعنة ، وذكر فى لأن المدح على البأساء والضراء إنما يكون إذا عظنا ، وكان المصاب كالمظروف لهما ، وأما الصبر على ما قل منه نفى أكثر الناس { وَحِينَ الْبَأْسِ } القتال ، والمراد القتال فى سبيل الله ، ذكر حين لأن القتال لا يستمر { أُوْلَٰئِكَ } الموصوفون بالإيمان ، وإيتاء المال وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والموصوفون بالإيقاء بالعهد ، والموصوفون بالصبر { الَّذِينَ صَدَقُواْ } فى دين الله مع الله ، وفى دعواهم أنهم مؤمنون ، وفى طلب البر ، وذكر الثلاث على الترقى ، فالصبر على المرض أشد منه على الفقر ، والقتال أشد من المرض { وَأُوْلَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } عن الكفر وسائر الرذائل ، قال بعضهم : هذه الصفات خاصة بالأنبياء استجماعاً ، وغيرهم لا يستعجمها ، والصحيح أنها عامة فى جميع المؤمنين كما قال صلى الله عليه وسلم دعاءً إلى العمل بها : " من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان " .