Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 187-187)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ } حقيقة ليالى الصوم ، وأضيفت للصوم مع أنه لا صوم فى الليل بل النهار ، لاتصالها بنهارها بعدها ، ولأن نية الصوم فى الليل ، أو باعتبار ما قبل نزول هذه الآية من وجوب صوم ما بقى من الليل بعد صلاة العشاء ، أو النوم وهو متعلق بقوله { الرَّفَثُ } ولو كان منحلا إلى حرف المصدر والفعل للتوسع فى الظروف ، لا بأحل ، لأن نزول الإحلال ليس فى ليلة رفث مخصوصة ولا كل ليلة رفث إلا بتأويل به أثبت لكم كل ليلة الرفث ، أى يوقع ثبوته فى كل ليلة وهو بمعنى الجماع وعدى بإلى كما قال { إِلَى نِسَآئِكُمْ } لتضمنه معنى الإفضاء المستعمل مع النساء غالبا ، بمعنى الجماع ، وهو جمع نسوة ، أو لا مفرد له ، يقال أفضى إلى امرأته أى جامعها ، قال وقد أفضى بعضهم إلى بعض { هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ } يمنع كل من الزوجين الآخر من الزنا بالفرج والعين والقلب واللسان واليد والرجل ، والإمناء باليد ، وبكونه فيه كفاية للآخر كما يمنع الثوب انكشاف العورة وبقية من حر جهنم وبردها كما يمنع الثوب الحر والبرد عن البدن ، ويحتاج كل للآخر ، كما يحتاج للثوب ، ويخالط كل الآخر بالالتصاق كالثوب مع البدن ، قال صلى الله عليه وسلم : " من تزوج فقد أحرز ثلثى دينه " وقدم كونهن لباساً لأنهم أشد احتياجاً إليهن ، لأنهم أقل صبراً عن الجماع منهن ، وهن أشد حباً للجماع إلا أنهن أكثر صبراً وأشد حياء ، قال صلى الله عليه وسلم : " لا خير فى النساء ولا صبر عنهن يغلبن كريماً ، ويغلبهن لئيم ، وأحب أن أكون كريماً مغلوباً ولا أحب أن أكون لئيماً غالباً " { عَلِمَ اللهُ أَنَكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَّ } أوكد من تخونون ، لأن من معانى افتعل العلاج والمبالغة ولكثرة الحروف ، والمعنى تعرضون للعقاب وحرمان الثواب { أَنْفُسَكُمْ } بالجماع بعد النوم ، أو بعد صلاة العشاء ، وقد حرم ذلك ليلة الصوم ، والمعنى تختانون أنفسكم فى الجملة طبعا لا فى خصوص الجماع وقت تحريمه ، بل هذا داخل فى الجملة ، ولهذا قال ، كنتم ، ويحتمل أن يريد خصوص ذلك لجماع ، أخبر الله بعد وقوعه أنه عالم به حين كان ، وذلك أن عمر وكعب بن مالك وغيرهما جامعوا وقت لا يجوز وهو ما بعد أن ينام ، فإذا نام حرم عليه الجماع والأكل والشرب إلى الليلة التى بعد ، وقد سمر عمر عنده صلى الله عليه وسلم ووجد رائحة طيبة عند زوجه ، وقالت قد نمت ، وقال ما نمت ، واعتذروا للنبى صلى الله عليه وسلم فنزل ، أحل لكم ليلة الصيام الآية { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } تبتم من هذه الكبيرة ، أو تبتم فتاب عليكم ، أى قبل توبتكم ، قال عمر : يا رسول الله أعتذر إلى الله وإليك من هذه الخطيئة أنى رحت إلى أهلى بعد ما صليت العشاء فوجدت رائحة طيبة فسولت لى نفسى فجامعتها ، وهذه توبة ، وكلهم تابوا { وَعَفَا عَنْكُمْ } أزال غفر لكم ما فعلتم { فَالْئَٰنَ } اسم الإشارة ظرف زمان مبنى موضوع على أل ، وقيل أل للحضور وهى الفيدة له ، ويقال أصله أن فعلا ماضيا بمعنى حضرتم جعل اسما ، وهو ظرف بمعنى الزمان الحاضر إلى قيام الساعة ، أى باشروهن فى الزمان كله متى شئتم بعد ما أبحت لكم فصح أن يعلق بقوله { بَٰشِرُوهُنَّ } فليس اسما لوقت النزول فقط لأن وقت النزول انقطع ، والأمر لما بعد ، أو يقال معنى باشروهن أبحنا لكم مباشرتهن بعد الحظر ، فيكون الآن لوقت النزول على هذا الوجه ، وعبرهما بالمباشرة عن الجماع وهنالك بالرفث ، لأنه هنا حلال بخلافه هنالك ، فإنه فعل محرم قبيح ، وسمى مباشرة لأن فيه إلصاق البشرة أى الجلدة بالجلدة غالبا ، بل لو لم يكن إلا فرج فى فرج ففيه مس جلد الفرج بجلد الفرج { وَابْتَغُواْ } اطلبوا { مَا كَتَبَ } فى اللوح المحفوظ أو قدره { اللهُ لَكُمْ } معشر المسلمين من الولد إجمالا ، إذ ليس لكل فرد ولد ، بل الولد لبعض دون بعض ، فتعبهم بأن يطلب كل واحد ولدا ، ويرجو أن يكون ممن قدر لها ولد فيثاب على الدعاء ، وعلى أنه كان والدا ، ويرجو أن يكون ممن قدر له فيثاب على الدعاء ، وعلى أنه كان له ولد مطيع لله نافع له بعد موته مثلا لنيته ، أو المعنى دونكم وما أباح لكم من الجماع ، وخذوا منه ما شئتم ، أو ذلك كله ، وهكذا يكون الجماع بقصد تحصين النفس عن الزنا وبقصد طلب ولد مسلم ، لا اللذة وحدها كالبهيمة ، فتضمنت الآية النهى عن الجماع فى الدبر ، إذ لا ولد منه ، والنهى عن العزل ، وهو صب الماء خارجا هرقا عن الولد ، ولا يعزل عن الحرة إلا بإذنها خلافا لمن أجازه ، ولا سيما من أجازه عند فساد الزمان ، وجاز عن الأمة المتزوجة بإذن مالكها وقيل بإذنها ، وعن السرية بلا إذن ، ولفظ ما لعموم الجماع والولد ، وإن كان للولد فلأن النطفة وما قبل نفخ الروح غير عاقل { وَكُلُوا وَاشْرَبُواْ } الليل كله متى شئتم لا قبل صلاة العشاء أو النوم فقط ، والأكل واجب ، كما إذا خيف الموت بالجوع أو مضرة فى بدنه ، أو للحمل ، وجائز إذا جاع دون ذلك ، وحرام كأكل الحرام والميتة والأكل على الشبع إلا لعق الأصابع والصفحة فإنه جائز على الشبع ، وإلا ماء زمزم ، ومكروه كريبة فى طعام من جهة المعاملة ، وفى نفسه كالحيوان المكروه ، ومستحب كأكل الحلو عند الإفطار فى المغرب ، والإفطار فى المغرب ، والإفطار صبح عيد الفطر ، والإفطار ضحى بزيادة الكبد { حَتَّى } غاية للأكل والشرب لا لهما وللجماع لقوله صلى الله عليه وسلم ، من أصبح جنبا أصبح مقطراً ، فيجب الكف عنه إذا لم يبق ما يتطهر فيه { يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ } الضياء التشبيه بالخيط الأبيض { مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ } من بقية الليل ، السواد الشبيه بالخيط الأسود متعلق بيتبين { مِنَ الْفَجْرِ } حال من الخيط ، ومن للبيان ، كأنه قيل والخيط الأبيض هو الفجر ، أو للتبعيض ، اعتباراً ، لكون الفجر اسما للكل والبعض ، فإن أريد به الكل فتبعيضه ، وإن أريد به الجزء فبيانية ، كما إذا قلنا إنه اسم لكله فإنها بيانية بتقدير مضاف ، أى وهو بعض الفجر ، ولم يبين الخيط الأسود بقوله من بقية الليل ، أو قوله من الغبش اكتفاء ببيان الخيط الأسود لأن بيانه بيان له ، ولم يعكس لأن غالب أحكام الصوم من حرمة المباشرة والأكل والشرب مرتبطة بالفجر لا بالليل ، وبيان الشىء بيان لضده ، والمراد بالخيط الأسود طرف ظلمته المتصل بالفجر ، فلا يشكل اتساع الظلمة حتى لا يكون كخيط ، أو سماها كلها خيطا لمشاكلة ما هو كخيط وهو الفجر ، ومعلوم أن الله لا يأمر الناس يأكل التراب وغير المغذى إلا ما كان دواء ، وأكل التراب حرام فيلتحق به ما أشبهه ، فليس الله يقول لنا كلوا التراب وغيره حتى يتبين لكم إلخ ؛ فليس ما لا يغذى مفطرا للصيام لأنه لم يدخل فى الآية ، هذا قلته من جانب من يقول لا يفطر إلا المغذى ، ولم أر من ذكر مثله ، ومشهور المذهب خلافه { ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ } من الفجر { إِلَى الَّيْلِ } والأمر للوجوب ولو فى صوم النفل لوجوب الوفاء وتجريم إبطال العمل إلا ما أجازه الشرع ، كما إذا استثنى من الليل أو اعترض له أخوه فى الله بالإفطار فيما يقال ، وفى الآية نفى الوصال . نزلت الآية فى صرمة بن قيس ، صنعت له زوجه طعاما فأخذه النوم من شدة تعبه نهارا ، فأيقظته فامتنع من الأكل بعد النوم ، ففى نصف النهار من بعد الليل غشى عليه ، ولما أفاق أتى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فنزلت . وكان رجال يربطون فى أرجلهم الخيط الأبيض والخيط الأسود ويأكلون حتى يمتاز ، أو ذلك قبل أن ينزل من الفجر ، وكذا جعل عدى رضى الله عنه عقالا أبيض وعقالا أسود فى وسادته ، وجعل ينظر ولا يتبين له الأمر ، فعذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره ، فقال صلى الله عليه وسلم " إن وسادك لعريض أو إنك لعريض القفا " ، ذلك سواد الليل وبياض النهار ، ثم نزل من الفجر ، كما فهمه صلى الله عليه وسلم ، أو نزلت قبل إخباره ، ولا تلبس الآية بالفجر الكاذب لأنه يعقبه سواد ولأن معه خيطين أسودين لا واحد ، وليس فى الآية تأخير البيان عن وقت الحاجة ، لأن الآية موكولة إلى الفهم ، فيفهم من الفجر قبل نزوله ولو لم يفهمه بعض ، وقيل نزل ذلك قبل رمضان ، ففيه تأخير البيان عن وقت الخطاب ، لا عن وقت الحاجة ، وهو جائز ، ولكن نزولهما قبل رمضان لم يصح ، ولا يقال الآية خطاب بظاهرها من نحو العقالين ، ثم نسخ ذلك الحكم بقوله من الفجر ، لأن قوله من الفجر نزل مع ما قبله بمرة ، ولأن الخطاب على لمجاز ، وهو واجب ولو لم يتفطن له نحو عدى { وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِى الْمَسَٰجِدِ } أى مقيمون فيما إذا اعتكفتم فيها ، فلا جماع ليلا أيضا ، كما لا جماع نهاراً ، لا فى بيوتكم ولا فى المساجد ، سواء اعتكفتم بالصوم ، وهو واجب فى الاعتكاف ولو فى غير رمضان ، وهو مذهبنا ، أم بغير صوم فى غير رمضان ، ويجوز الاعتكاف فى كل مسجد لهذه الآية ، أفضلها ما فيه الجماعة والجمعة والأذان ، وخصه بعض ما فيه ذلك ، وبعض بالمسجد الحرام ومسجد المدينة وبعض بالمسجد الحرام ، ولا يصح اعتكاف دون ثلاثة أيام ، ولا اعتكاف بلا صوم وأجيز يوم ولو صوم ، لما روى عنه صلى الله عليه وسلم " ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه " ، ويفسد بالجماع { تِلْكَ } الأحكام من المباشرة فى الاعتكاف والوطء بلا ابتغاء ، بل لقصد اللذة أو الأكل وللشرب بعد الفجر { حُدُودَ اللهِ } حدها لعباده ليقفوا عندها . { فَلاَ تَقْرَبُوهَا } لا تفعلوها { كَذَٰلِكَ } أى كما يبين لكم تلك الأحكام { يُبَيِّنُ اللهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ } المراد مطلقا ، أو الآيات الدالة على الأحكام ، كما يدل له قوله تعالى { لَعَلَّكُمْ يَتَّقُونَ } المحرمات من ترك المفروضات وفعل الممنوعات .