Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 253-253)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ تِلْكَ الرُّسُلُ } المذكورة العامة فى قوله ، وإنك لمن المرسلين ، وهذا أولى من أن يجعل المراد الرسل المذكورين فى السورة ، أو معلوميه صلى الله عليه وسلم ، والاستغراق هكذا بلا نظر إلى ذكرهم فى قوله ، لمن المرسلين { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } بخصائل حميدة بمحض فضلنا ، فيفضل بالحسنات أيضاً ، ومن ذلك أنه شرع لبعض وأجرى بعضاً على شرع من قبله ، وليس التخصيص باستعداد وقابلية كما زعم بعض الحكماء { مِّنْهُمْ مَّن كَلمَ اللهُ } موسى ليلة الاختيار وفى الطور ، ومحمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء على أنه بالجسد ، وآدم { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَٰتٍ } على درجات أو بدرجات ، أو فى درجات ، أو رفع درجات بعض على التمييز ، كذا قيل ، أو مفعول مطلق ، لأن الدرجة رفعة ، كأنه قال : ورفعنا بعضهم رفعات ، أو حال ، أى ذا درجات ، أو مفعول ثان لرفعنا على تضمين معنى بلغنا بشد اللام ، وذلك بفتضيله على غيره بمراتب متعددة ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، كبعثه صلى الله عليه وسلم إلى الخلق كلهم ، الإنس والجن والملائكة وغيره بعثة لا تنسخ ، وتفضيل أمته ، وما أوتى نبى إلا أوتى صلى الله عليه وسلم مثلها زيادة على ما خص به ، وقد أطلت فى شرح نونية المديح ما شاء الله وأما آدم فأرسل إلى أولاده وأولادهم ، لكن لم يكن فى الدنيا سواهم ، ولم يرسل إلى الجن ، وأما نوح فعم بعد الغرق الناس ولم يبعث للجن ، ولم يكن له العموم فى زمان البعثة ، وقيل التكليم لموسى خاصة ، ولا ينافى أن محمداً أفضل منه ، لأنه يوجد فى المفضول ما لم يكن فى الفاضل ، وقيل : البعض المرفوع درجات إبراهيم ، إذ خص بالخلة ، وهى أعلى المراتب ، سوى الحبيبة ، ومحمد حبيب الله ، والحبيبة أعلى رتبة من الخلة ، إذ الخليل محب لحاجته ، والحبيب محب لا لغرض ، والخليل يكون فعله برضاء الله ، والحبيب يكون فعله برضاه ، والحبيب مرتبته فى مرتبة اليقين ، والخليل مرتبته فى حد الطمع ، وروى فى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم خليل الله كإبراهيم وأنه حبيب الله أيضاً ، وقيل إدريس لقوله تعالى ، ورفعناه مكاناً عليّاً ، وفى القولين ضعف لجمع الدرجات إلا أن يقال جمعت تعظيماً ، أو باعتبار ما يترتب ، وقيل أولو العزم ، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وزيد ، يعقوب ويوسف وأيوب وداود عليهم السلام { وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَٰتِ } إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والتنبئة بما يؤكل وما يدخر وسائر آياته { وَأَيَّدْنَٰهُ } قويناه { بِرُوحِ الْقُدُسِ } جبريل ، يسير معه حيث سار حتى رفع إلى السماء ، وخصه بالذكر لإفراط اليهود فى تحقيره ، والنصارى فى تعظيمه ، وجعل معجزاته سبب تفضيله ، لأنه محسوسات ، ولا خوف أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل من كل نبى على حدة ، وأما أن يكونوا كلهم دفعة دونه ففيه التوقف ، وجزم بعض بأنهم دونه لقوله تعالى : فبهداهم اقتده ؛ فإنه إذا اقتدى بهم كلهم فقد عمل عملهم كلهم فهو أفضل منهم مجموعين ، ويدل له أيضا ما روى أن الملك قال : فلو وزنت به الناس كلهم لرجحهم ، ويبحث بأن الأنبياء لم يذكروا كلهم فى الآية ، بل بعضهم ، وبأنه أمر بالافتداء بهم فى الأصول وما لا يختلف ، وكيف يتصور أن يعمل بما تخالفوا فيه ، وقيل أفضل من مجموعهم من حيث إن أعمال أمته كلها ، ما نووه له وما لم ينووه راجعة إليه صلى الله عليه وسلم مع ما يقصد به من الصلاة والسلام عليه عدد التراب والأنفاس وذرات الأجسام والأعراض وغير ذلك { وَلَوْ شَآءَ اللهُ } قدر بعض ، لو شاء الله عدم الاقتتال ، وهذا التقدير هو الأنسب بالقاعدة من تقدير مفعول المعيشة بعد لو من جنس جوابها ، ويقبل من جهة المعنى تقدير لو شاء الله ألا يختلفوا ، أو ألا يؤمروا بالقتال ، أو يهتدوا كلهم ، وأشكل بأن الأعدام الأزلية لا تتعلق بها الإرادة ، وإلا كانت حادثة فلا يقدر لو شاء الله عدم الاقتتال ، أو ألا يختلفوا ، أو ألا يؤمروا { مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم } بعد الرسل ، أى ما اقتتلت كل أمة بعد موت رسولها { مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَٰتُ } المعجزات أو الآيات المتلوات ، الهاء راجعة للرسل جاءتهم البينات من الله ليعلم الناس أنهم رسل الله عز وجل ، أو للذين من بعدهم ، أى جاءتهم من جهة الرسل ، ومن بعد متعلق باقتتل ، أو بدل من قوله ، من بعد ، والمراد بالاقتتال الاختلاف ، لأنه سبب الاقتتل ، ولذا قال { وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ } وهذا أولى من رد اختلفوا إلى معنى اقتتلوا ، عكس ما مر ، أى لم يشأ عدم اقتتالهم ، بل شاء اقتتالهم لاختلافهم { فَمِنْهُمْ مَّنْ ءَامَنَ } ثبت على إيمانه السابق { وَمِنْهُمْ مَّنْ كَفَرَ } كالنصارى بعد المسيح { وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُواْ } تأكيد ، وهو من باب البلاغة ، أو تأسيس ، أى ولو شاء الله عدم اقتتالهم بعد هذه المرتبة من الاختلاف والشقاق والمستتبعين للاقتتال بحسب العادة ما اقتتلوا { وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } من توفيق وخذلان ، فاختلفوا إيمانا وكفرا ، ونقول من خارج ، الله يفعل بإرادته ما يشاء لا بقهر قاهر ، وهو مستقبل بالفعل ، ولو جعل له أسبابا ، وكل شىء مستأنف منه .