Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 255-256)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ اللهُ لآ إِلَهَ } لا معبود بحق ، أو لا موصوف بمعنى من معانى إله على الحقيقة { إِلاَّ هُوَ } بدل بعض من الضمير المستتر فى خبر لا المحذوف ، أى لا إله موجود ، أو لا إله لنا ، أو لا للخلق ، فهو بدل من الضمير فى لنا ، أو فى للخلق ، أو فى موجود ، وإلا مغنية عن الربط بالضمير ، لظهور أن الاستثناء مما قبلها كما فى ما قام القوم إلا زيد ولا يضر التخالف بأن البدل موجب والمبدل منه فى سلب ، والمتكلم فى نفى العموم نا ، وللتخصيص ، وأنه سيذكره بعد { الْحَىُّ } الباقى الذى يتصف بالموت ، لا الجسم الذى بروح وتحيز ، حاشاه ، فالمراد بكونه حيا نفى الموت ؛ أو المعنى ، الفاعل ما يفعله الحى منا ، حاشاه عن الشبه ، من علم وإرادة وقدرة وفعل واختيار وغير ذلك من لوازم الحياة ، والمتبادر للعرب حين النزول هو الأول ، ولا يبعد الثانى لكثرة التعبير بالملزوم عن اللازم ونحو ذلك فى القرآن ، وفى كلامهم ، والحياة المستمرة هى البقاء ، ولا يضر ما قيل إن البقاء غير الحياة ، لظهور المراد ، والمراد ، بالحياة الفاعل على المريد إرادة وفعلا تامين ، فلا يرد أن لا مدح فى ذلك ، من حيث إن الحيوانات أيضا فاعلة مريدة ، وإلا لزم مثل ذلك ، فى نحو السميع ، فإن المراد العلم بالأصوات علما تاما ، ولام الحياة ياء ، وقيل واو ، كما قيل الحيوان ، وكما كتب الحياة بالواو فأصله حيو ، قلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء فى الياء ، والصحيح الأول ، وواو الحيوان عن ياء تحقيقا عن اجتماع ياءين ، وكتبها فى الحيوة واوا إشارة إليها فى الحيوان شاذ { الْقَيُّومُ } عظيم القيام بالذات ، أى لا يحتاج لغيره : ولا تلحقه حاجة بخلقه وأحوالهم ، الياء المدغمة والواو زائدتان ، والمضمومة بدل من واو ، أو هى عين الكلمة ، ووزنه فيعول ، والحى خبر ثان لله ، أو بدل منه ، أو نعته ، أو خبر لمحذوف لنيابة الحى عن اسم جامد إذا لم يجعل نعتا ، أو نعت أى هو الحى ، أو بدل من لا إله إلا هو ، وهو خطأ من قائله ، أو بدل منه آخر أو خبر آخر { لاَ تَآْخُذُهُ سِنَةٌ } فتور يتقدم النوم مع بقاء الشعور ، وهى النعاس ، وقيل ، هى الرأس ، وهو فى العين وفاؤه واو كعدة وزنة { وَلاَ نَوْمٌ } هو حال تعرض للحيوان غير الملك ، بسبب استرخاء أعضاء الدماغ من رطوبة الأبخرة المتصاعدة المانعة للحواس الظاهرة عن الإحساس ، وليس ما يعرض للمريض والمغمى عليه لذلك التصاعد فلانهم ، وإن سلمنا زدنا قيدا مكان إيقاظ صاحبه ، وهو أخو الموت ، مزيل للقوة والشعور والعقل والسنة ، ريحه تبدو فى الوجه وتنبعث للقلب ، وأخطأ من قال : السنة تجرى على الملائكة ، عن ابن عباس قال بنو إسرائيل لموسى ، هل ينام ربك ؟ فأوحى الله عز وجل إليه ، سألك قومك ، هل أنام ، فقم الليل بزجاجتين فى يديك ففعل ، فلما مضى ثلث الليل نعس ، فوقع لركبتيه ، فقام ، فنعس آخر الليل فسقطتا ، وانكسرتا ، فقال ، لو نمت لسقطت السنوات والأرض وهلكتا كالزجاجتين ، والقياس يقتضى تقديم الأقل فى الإثبات ، تقول ، فلان أعطى درهما ودرهمين ، وتقديم الأكثر فى النفى ، تقول ، لا يعطى درهمين ولا درهما ، وخولف هنا مراعاة للترتيب فى الوجود ، فإن السنة متقدمة على النوم ، أو هذا على طريق التتميم ، لأنه أبلغ لما فيه من التوكيد ، لأن نفيها يقتضى نفى النوم ضمنا ، فإذا نفى ثانيا كان أبلغ ، وهو متضمن لأسلوب الإحاطة والإحصاء الذى يتعين فيه الترتيب الوجودى { لَهُ مَا فِى السَّمَٰوٰتِ وَمَا فِى الأَرْضِ } خلقهما وخلق ما فيهما من أحزائهما وغيرهما مما تضمنتا من المنافع ، وملك كل ذلك ، والمراد جنس الأرض { مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِنْدَهُ } استفهام نفى ، ولذلك صحت إلا فى قوله { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } فكيف يعانده غيره ، بدفع ما يريد ، وذلك رد على عبدة الأوثان القائلين ، أنها تشفع لهم ، بل تشفع الأنبياء والملائكة وغيرهم بإذن الله عز وجل وعلا { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } أى أيدى ما فى السماوات والأرض ، والمراد ما حضر لهم فى السموات والأرض وهو موجودات تلك المواضع ، وضمير العقلاء تغليب ، وقيل ، المراد الملائكة والأنبياء وقيل الأنبياء { وَمَا خَلْفَهُمْ } ما سيكون من أمور الدنيا ومن الآخرة وأمورها ، سماها خلفا لأنه ما جاء ، بل سيكون من أمور الدنيا ومن الآخرة وأمورها ، فهو كمشىء خلف ظهرك ، أو ما بين أيديهم ما سيكون وما خلفهم ما حضر ، لأن الشىء مستقبل ظهرك ، أو ما بين أيديهم ما سيكون وما خلفهم ما حضر ، لأن الشىء مستقبل لما يجىء ، مستدبر لما جاء ، أو ما يخشون وما يفعلون ، أو ما يدركونه بالحساسة أو العقل وما لا يدركونه { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَىْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ } من معلومات ولا يصح إبقاء علم على ظاهره ، لأن صفاته ذاتية فلا تقبل التجزئة { إِلاَّ بِمَا شَآءَ } أو يعلموه بوحى أو غيره من أمر الدين أو الدنيا أو الآخرة ، وأبعاض جسم الدنيا وجسم الآخرة { وَسِعَ كُرْسُيُّهُ } أصله من تركب الشىء بعضه على بعض ، كما سميت الكراسة لتركب بعض أوراق على بعض ، ويقال تكرَّس البَعر والبول إذا تلبد بعض على بعض { السَّمَٰوٰتِ وَالأَرْضَ } تمثيل لعظمته المحققة الفعلية بالحسى المترهم ، وذلك أبلغ ، لأن التمثيل بريك المتخيل محققا والمعقول محسوسا ، ولا كرسى ولا قعود ، تعالى الله ، أو كرسيه علمه ، وهو ضعيف ، وهو قول الحسن أو ملكه ، لأن الكرسى محل العالم والسلطان ، أو هو المذكور فى قوله صلى الله عليه وسلم : " ما السماوات السبع والأرضون السبع مع الكرسى إلا كحلقة فى فلاة ، وفضل العرش على الكرسى ، كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة " ، أى لو بسطت السماوات والأرضون ووصل بعضها ببعض . وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً : " ما للسماوات السبع فى الكرسى إلا كدارهم سبعة ألقيت فى ترس " ، وزعمت الفلاسفة الكفرة ، أن الكرسى فلق البروج ، وأبعد منه ما روى عن الحسن البصرى ، أو المعنى ، أحاط بهما علمه ، وهو قول ابن عباس ، ورجحه الطبرى ، أو كرسيه قدرته كما يقال ، اجعل لهذا الحائط كرسيا ، أى عمدة { وَلاَ يُّودُهُ } لا يعوجه ، حاشاه ، للثقل ، فإن ما ثقل يعود الحامل له إذا حمله ، فالمراد نفى الثقل { حِفْظُهُمَا } أى لا يعجزه حفظ القسمين ، أحدهما السماوات ، والآخر الارض ، وكذا لا يثقله حفظ الكرسى والعرش ، ولكن خص السماوات والارض لمشاهدتهما ، ولو بنجوم السماوات الدرارى ، ولأن وجود الكرسى والعرش بمعنى الجسمين العظيمين من خبر الآحاد { وَهُوَ الْعَلِىُّ } بالقهر { الْعَظِيمُ } شأنا ، ويقال : إنه حمل الكرسى أربعة أملاك ، لكل ملك أربعة أوجه ، وأقدامهم على الصخرة تحت الأرض السابعة ، يسألون الرزق من السنة إلى السنة ، ملك كآدم صورة يسأل لبنى آدم ، وملك كالثور يسأل للأنعام ، وملك كالنسر يسأل للطير ، وملك كالأسد يسأل للوحوش ، وأن بين حملته وحملة العرش سبعين حجاباً من ظلمة وسبعين حجاباً من نور ، غلظ كل خمسمائة عامن لئلا تحترق حملته من نور حملة العرش ، وأنه صلى الله عليه وسلم قال : " أعظم الآى آية الكرسى ، ومن قرأها كتب له ملك الحسنات ومحا السيئات إلى وقته من الغد ، وأنه من قرأها دبر كل صلاة فريضة دخل الجنة ، ولا يواظب عليها إلا صديق أو عباد ، ومن قرأها عند النوم آمنه الله " ، والأبيات حوله ، ومن قرأها وآيتين من أول حم تنزيل من سورة غافر صبحا أو مساء حفظ إلى الآخر وتهجر الشياطين ثلاثين ، والسحرة أربعين يوما داراً قرئت فيها ، وسيد الفرس سلمان ، والروم صهيب ، والحبشة بلال ، والجبال الطور ، والأيام الجمعة ، والكلام القرآن ، والقرآن البقرة ، والبقرة آية الكرسى ، ومن حق العاقل أن يختار الدين الحق بلا إكراه ، كما قال جلا وعلا : { لآ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ } لا تكرهوا فى الدين ، وهو خبر بمعنى النهى ، أو ليس من دين الله أن تكرهوا على الدخول فيه كالحبس أو الضرب أو الإيجاع أو الإعراء حتى يسلم ، أو لا يكره الله أحدا على الدين ، بل جعل الأمر اختياريا ، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، وزعم بعض أن هذا إلى علم ، وبعض ، إلى خالدون ، ومن آية الكرسى { قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ } امتاز { مِنَ الْغَىِّ } الضلال فليختر العاقل ما يدخله الجنة منهما بلا حاة إلى إكراه . تنصّر ابنا أبى الحصين من بنى سالم بن عوف قبل البعثة فى جاهليتهما ، وقدما فى نفر من الأنصار يحملون الزيت فقال أبوهما : لا أدعكما حتى تسلما ، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أيدخل بعضى النار وأنا أنظر ، فنزلت الآية ، فخلاهما ، وهذا قبل نزول القتال ، وإن كان بعده فقد عاهدوا أو أذعنا للجزية وليس القتال ، أو أخذ الجزية على الكفر إكراما فى الدين ، فلا نسخ فى الآية كما زعم من زعم ، ولا هى فى الكفار قبل نزول الجزية { فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّٰغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ } ورسوله ، قدم ذكره على ذكر الإيمان لذكر لفظ الغى قبله ، ولتقدم التخلية على التحلية ، استحقااق ، ولأنه لا يتصور الإيمان بالله إلا بعد الكفر بالطاغوت ، وهذا اللفظ للمبالغة من الطغيان ، وجمع بينهما ، لأن الكفر بالطاغوت لا يوجب الإيمان بالله ، لإمكان خلو الذهن وعكسه ، وإن أوجبه ، لكن جمعا للمبالغة ، وهو فلعوت من طغى يطغى ، أو طغا يطغو ، أصله طغيوت أو طغووت ، قدم اللام على العين ، وأصله مصدر عند الفارسى ، بمعنى الطغيان ، سمى به الشيطان أو الأصنام ، أو كل من عبد من دون الله ، أو صد عن عبادة الله ، أو الساحر ، أو الكاهن ، أو كل ذلك ، وهذا أولى ، وقيل التاء أصله ، والوزن فاعول ، وعلى كل هو مفرد يطلق على الواحد والجماعة { فَقَدِ اسْتَمْسَكَ } بالغ فى الإمساك ، بالسين والتاء ، أو هما للطلب ، لأن ما يحصل بالطلب يكون أكمل { بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ } شبه دين الله والعمل به والوقوف معه بالعقدة القوية والتمسك بها ولزومها مطلقا ، أو تدليلا أو تصعداً ، أو سمى الدين عروة وثقى كتسمية الشجاع أسداً ، وفسر بعض العروة الوثقى بالدين ، وبعض بالإيمان ، وبعض بالقرآن ، وبعض بكلمة الإخلاص ، وبعض بالاعتقاد الحق ، أو السبب الموصل ، وبعض بالعهد ، والكلام استعارة تمثيلية ، أو العروة استعارة أصلية تصريحية مرشجة باستعارة تبعية هى استمسك { لاَ انْفِصَامَ لَهَا } لا انكسارها لها بلا قطع ، فضلا عن القطع وما بالقطع يكون بالقاف ، وذلك ترشيح لما قبله { وَاللهُ سَمِيعٌ } عليم بالأقوال { عَلِيمٌ } بما يعتقد ويعمل ، وذلك تهديد على الشرك والنفاق .