Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 282-282)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَٰآيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا تَدَايَنْتُمْ } تعاملتم ، وهو شامل للآخذ والمعطى فإنه يجب أو يتأكد عليهما معا التوثق لئلا يضيع مال المعطى وليقضى ورثة الآخذ إن مات ، أو هو أو نائبه دينه فلا يهلك ، ولكن إذا استوثق صاحب الحق بالكتابة والإشهاد كفاه ، وينبغى له مع ذلك أن يكتب ، ويقدم فى ذلك لورثته ووصيته { بِدَيْنٍ } أى دين ، كان قليلا أو كثيراً ، هذا تأكيدا فى الكتابة ، ويبعد توهم المجازاة مع السياق قد لا ينتبه إليه إلا الفطن ، وقيل ذكر لترجع إليه الهاء ، ولو لم يذكر لقيل ، فاكتبوا الدين ، فلا يكون الكلام بليغا ، ولو قيل مع عدم ذكر بدين فاكتبوه لكان من باب : اعدلوا هو أقرب ، لكن الدين ليس بمعنى المصدر ، بل أحد العوضين ، وقيل ، ذكر البيان أن البيع آجل وعاجل ، وهو شامل لمطلق البيع ، وللبيع بالسلم إلا الفرض فلا يؤجل على الصحيح ، كما بسطته فى الفروع ، وصح الفرض ، وبطل الأجل إن كان لغرض المقرض ، وإن كان لغرض المستقرض لم يفسد ، واستحب الوفاء أو وجب ، وذلك أن الأجل زيادة كزيادة الربا ، كما أنه لو أقرضه وشرط أحدهما مكانا مخصوصا لكان ربا ، لأن شرط المكان منفعة لأحدهما ، ورخص فيه بعضهم مثل القرض فى تونس وشرط الوفاء فى مضاب ، وأجاز مالك القرض إلى أجل { إِلّى أَجَلٍ } متعلق بتداينتم ، أو يكون خاص نعت ، أى مؤخرا أو مؤجل إلى أجل { مُّسَمًّى } معلوم ، إرشادا إلى أنه لا يكون الأجل إلا معلوما ، وأن من الشأن ألا يكون منهما ، لا أجل معلوم إذا صاروا إلى التأجيل ، ليرتفع النزاع لو كان إلى مجهول ، كالحصاد وقدوم الحاج ، والفراغ من نسج الثوب ، ويلحق بالأجل البيع بالعاجل غير العقد ، قياسا جليا لإمكان النسيان والإنكار فيه ، كما فى الأجل المسمى إذا لم يكتب ، وقوله بعد ، استشهدوا ، وإن كان لأجل مجهول بطل البيع على التصحيح ، والبسط فى الفروع { فَاكْتُبُوهُ } أى الدين كما ، وجنسا ، وكيفا ، وأجلا ، والأمر للوجوب بلا كفر إن لم يكتب ، وقال بعض الفقهاء بكفره إن ضاع لعدم الكتابة ، وقيل هذا الأمر للندب ، لقوله ، فإن أمن بعضكم بعضا الخ ، وعليه جمهور الأمة ، لأن الدين لترفيه الناس ، فلو وجب لكان ضيقا لا ترفيها ، ولا سيما مع كثرة وقوع التداين ، ومع كثرة وقوع الدين القليل مما يكون السعى فى كتابته أو أجرتها أكثر منه أو مساويا أو أقل بقليل ، إلا السلم فيجب فيه الإشهاد والكتابة إجماعا ، إلا شاذا ، وعن ابن عباس ، لما حرم الله الربا أَباح السلف ، وصرحوا بأنه يكفى الإشهاد بلا كتابة ، والواضح أن الآية أَوجبت الكتابة أَو أَكدتها ، لأن الشهود قد ينسون وقد يموتون وقد يصيرون إلى حالا لا يؤدون الشهادة معها ، كجنو وخوف وحال لا تقبل كردة ، ولو كان الإشهاد يكفى ، وكتب الدين عبارة عن كتب ما يدل عليه من الألفاظ ، لأنه ما فى الذمة من جسم المال . فذلك مجاز عقلى للدالية والمدلولية { وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ } ما تداينتم به { كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } معروف مقدم لذلك بعينه ، أو يوصف معروف الخط فكتابة الواحد تجزى بلا شرط أن يكتب ثان أسفل كتابته ، ومعنى العدل السوية ، لا بالنقص ولا بالزيادة فى الدين ، ولا فى الأجل ، فهو كاتب فقيه دين يكون بينهما ، مقبلا لشأنهما معا ، لا مائلا لأحدهما ، ولا يكتفى بأحدهما ، والباء متعلق بيكتب أو بكاتب ، أو بمحذوف نعت لكاتب { وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ } فى الجملة أو بالصلوح لأن يكتب ، أو من جعل لذلك ، وهو تقى ، يعرف كيف يكتب وما يحل كتبه وما يحرم كتبه ، أما كاتب غير تقى يكتب لئلا تبطل كتابته لفسقه ، فيضيع مال الناس ، وإن كتب ورضيا به ولم يكتب ما يحل ، وعدل فى كتبه وقد عرفا حاله فلا ضمان عليه ، وكذا من لا يعرف ما يحرم كتبه ، أو كيف يكتب فلا يكتب { أَنْ يَكْتُبَ } بالفعل ، وقوله ، كاتب هو بالقوة فلا تحصيل حاصل ، والمراد أن يكتب ما أملى عليه مما ليس حراما { كمَا عَلَّمَهُ اللهُ } الكتابة . أى لا يأب لتعليم الله إياه ، فهو يكتب شكراً لتعليم الله الكتابة له ، وأحسن كما أحسن الله إليك ، وبهذا القصد يكون شاكرا ، ولو أخذ الأجرة ، أو أن يكتب كتبا مثل الكَتْب الذى علمه الله ، أى طبقا للقاعدة التى علمه الله فى الكتابة ، والكتابة فرض كفاية ، للأم الأمر فى الموضعين ، ولا الناهية ، وقيل ، ذلك ندب : وقيل ، وجب ثم نسخ الوجوب ، ويجوز ، قيل عود قوله كما علمه الله إلى قوله ليكتب وإلى { فَلْيَكْتُبْ } على أن الفاصلة للتأكيد ولو كانت شبيهة بفاء الجزاء ، والأصل خلاف هذا ، وكيف يصح تقديم معمول ما بعد العاطف وهو الفاء على العاطف ، قيل ، والأولى ألا يعود إليه أمر الله بالكتب بعد النهى عن الإباء تأكيدا ، وإذا عاد إلى فليكتب كان النهى عن الإباء مطلقا والأثر مقيدا بأن يكون الكتب كما علمه الله ، قلت ، لا إشكال ، لأن المراد فليكتب بالعدل ، لأن الكلام مبنى عليه ، كما أن المراد ، ولا يأب كاتب أن يكتب إذا كان بالعدل { وَلْيُمْلِلِ } يلق على الكاتب { الَّذِى عَلَيْهِ الْحَقُّ } الدين ، لأنه المشهود عليه ، فيقر للكاتب والشهود { وَلْيَتَّقِ } الذى عليه الحق ، أو الكاتب ، والأول أولى ، كقوله تعالى : ولا يبخس منه شيئا ، لأن المتبادر أن البخس ممن عليه الحق ، وأما الكاتب فالبخس والزيادة ممكنان منه على حد سواء ، ولأن قوله بالعدل كاف فى حق الكاتب { اللهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ } لا ينقص { مِنْهُ } أى من الحق الذى عليه ، متعلق بيبخس ، أو بمحذوف حال ، هى قوله { شَيْئاً فَإِن كَانَ الَّذِى عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً } مبذرا لنقص عقله بكبر أو قلة عقل ، أو لجنون ، أو صبيا { أَوْ ضَعِيفاً } لأنه صبى أو شيخ كبير السن ، أو لمرض أو علة { أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ } لخرس أو عدم إفصاح أو لجهل باللغة أو غير ذلك ، وذكر هو ليكون أشد مناسبة لقوله { فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ } ولى أمر ، من أب أو صبى ، أو خليفة ، أو بوكالة أو ترجمة ، ووجه الوكالة أن يكون هو فاعلا ، لأن هذا ليس من المواضع التى يبرز فيها الضمير بل تأكيد المستتر { بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ } بالعدل متعلق بيملل ، اطلبوا تحمل الشهادة واشهدوا ، بمبالغة على الحق الذى هو الدين { شَهِيدَيْنِ } من يصلحان للشهادة ممن ترضون من الشهداء ، بدليل ذكره ، وقوله ، { وأشهدوا ذوى عدل } ، والأحاديث { مِن رِّجَالِكُمْ } أى من المسلمين البلغ الأحرار العقلاء ، لا من غير رجالكم ، وهو المشركون والعبيد والأطفال والمجانين ؛ ومذهبنا مذهب الحنفية جواز شهادة المشرك على المشرك ، لمسلم أو لمشرك ، لا على المسلم ، خلافا للشافعية ، وأجاز أبو حنيفة شهادة المشرك على المشرك فى الطلاق والبيع ونحوهما لا الحدود والقصاص ، وهو مذهبنا ، وذلك أن الخطاب للبلغ الأحرار الموحدين ، ومعنى رجالكم من جنسكم ، إذ لا يخاطب الطفل ، مع أن إطلاق الرجل عليه مجاز وتغليب إذا أطلق ، والعبد كالبهيمة ولا عقد له ولا ولاية بإذن سيده ، والمشرك أبعد من أن يكون منا ، فإنه صلى الله عليه وسلم يقول ، الفاسق والمشرك ليسا منا ، والمسلمون البلغ العقلاء هم الرجال الأكملون ، والمجنون كالطفل أو دونه ، وأجازت الإمامية من الشيعة شهادة العبد المسلم البالغ العدل ، وهو قول شريح وابن سيرين وأبى ثور وعثمان البتى ، وهو مردود { فَإِن لَّمْ يَكُونَا } الألف لمن يشهدان ، أى ، فإن لم يكن من يشهد ، وأنى بألف الاثنين لتتنية الخبر وهو قوله { رَجُلَيْنِ } والمراد لم يقصد إشهادهما ولو كانا موجودين متيسرين ، إذ لا يشترط لشهادة الرجل والمرأتين فقد الرجلين أو تعسرهما ، أو فإن لم يكن الشاهدان رجلين بطريق رفع الإيجاب الكلى ، لا السلب الكلى { فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } أى يكفون ، أو فالشاهد رجل وامرأتان ، أو ، فليكن رجل وامرأتان شهودان ويكن له خبر ، أو فليكن رجل وامرأتان ويكن لا خبر له ، أو فليشهد رجل وامرأتان بالبناء للفاعل من الثلاثى ، أو فليشهد رجل وامرأتان بالبناء للمفعول من الرباعى ، أو فليستشهد رجل وامرأتان بالبناء له ، واللام للأمر فى ذلك كله ، أو فرجل وامرأتان يشهدون كذلك ، أو يستشهدون { مِمَّن تَرْضُونَ } أيها المؤمنون ، أو أيها الحكام { مِنَ الشُّهَدَآءِ } دينا وعدالة ، ولو كانوا مخالفين فيما يقطع فيه العذر ، مما لا يجوز الاختلاف فيه ، إذا كانوا ورعين وليس خلافهم يتضمن شركا ، كالمجسمة والرافضة القائلين بأن عليا نبى ، ولا يجوز شهادة النساء فى الحدود والقصاص عندنا وعند الحنفية ، وأجاز الشافعى فى الأموال مع الرجال ، لا فى غيرها كعقد النكاح ، وقال مالك ، لا تجوز فى الحدود والقصاص والولاء والإحصان ، وجازت الواحدة العدلة فيما لا يباشر الرجل ، وقيل ، عدلتان ، وقيل ثلاث ، كالولادة والبكارة والاستهلال ، واقتصر على ذكر الرضى هنا مع أنه فى الرجلين أيضا لقلقة اتصاف النساء به غالبا ، إذ الغالب عليهن عدم العدالة وقلة الديانة والجهل ، وممن ترضون نعت لرجل وامرأتان ، ويجوز أن يقدر ، وهؤلاء الشهود ممن ترضون ، الرجلان والرجل والمرأتان ، وهو حسن ، لأنه عم الشرط فى الكل ، ولك أن تقدر لقوله ، فاستشهدوا مثل هذا ، أى فاستشهدوا شهيدين من رجالكم ممن ترضون ، وليس تعليقه باستشهدوا مغنيا عن مراعاته فى قوله ، فرجل وامرأتان ، وكذا جعله نعتا لشهيدين ، ولكن فيه الفضل ، ولكن إذا جعل نعتا لهن أو علق باستشهدوا عُلم اشتراط الرضى للرجل والمرأتين من باب أولى { أَن تَضِلَّ } أى تعددت المرأة لاحتمال أن تضل ، أو حكمنا بذلك إرادة أن تضل { إِحْدَٰهُمَا } الشهادة أَو ما زاغت عنه منها ، أَو إحداهما هى الذاكرة { الأُخْرَى } أَى الضالة عنها ، ودخلت لام التعليل على تضل ، لأن الضلال سبب التذكير وملزومه ، ومن شأن العرب إذا كان للعلة علة أَن يقدموا علة العلة ويعطفوا العلة عليها ، فتحصل العلتان بعبارة واحدة ، فإن النسيان لا يكون سببا لاعتبار العدد فى شهادة امرأَتين لكنه سبب للسبب فنزل منزلته ، وجعل ذلك الضلال سببا له مجازاً ، فإن التذكير إنما يكون بسبب الضلال ، وهو النسيان ، وكأنه قيل : أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت ، وذلك بناء على أن سبب السبب ليس سبباً حقيقيا ، ومن ذلك أعددت السلام أن يجىء عدو فأدفعه ، فإن مجىء العدو ليس سبباً لإعداد السلاح ، بل لدفع الأعداء المسبب عن مجيئهم ، وأعددت الخشبة أن يميل الجدار فأدعمه بها ، فالأدعام علة فى إعداد بها إذا مال ، والميل علة الإدعام ، ولم تقصد بإعداد الخشبة ميل الحائط ، بل المعنى لأدعم بها إذا مال ، والمعول على المعنى دون اللفظ ، وذكر ذلك فىالنساء لسرعة النسيان إليهن ، لكثرة الرطوبة فى أمزجتهن ، ويجوز أن تقدر اللام قبل أن تضل ، للاستحقاق لا للتعليل { وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَآءُ } عن الإجابة { إِذَا مَا دُعُواْ } لتحمل الشهادة ، أو لأدائها ، وهو أولى ، لأن تسميتهم شهداء حقيقة حينئذ بخلاف الأول ، فإن تسميتهم شهدا مجاز لعلاقة المشارفة والسببية ، لأن دعاءهم لتحملها سبب لكونهم شهداء بها . روى أنها نزلت حين كان الرجل يطوف فى القول الكثير يدعوهم إلى تحمل الشهادة فلا يجد ، فهذا يناسب أن المراد من يتحملها لا من يؤديها ، وتحمل الشهادة وأداؤها فرض كفاية على الرجال والنساء ، فإن وجد غير المدعو لم تلزمه إن قبل غيره ، وإلا ، أو لم يوجد سواء كانت فرض عين عليه ، وكذا غيره ، وقد يقال المدعو لأدائها تسميته شاهدا مجاز للمشارفة ، والأوْل ، إنما يكون حقيقة إذا أداها ، فيكون المدعو لتحملها شاهدا بتوسط وقوع تحمله لها المؤدى إلى أدائها { وَلاَ تَسْئَمُواْ } تملوا لمؤنة الذهاب إلى الكتب وأجرته ، وكثرة المداينة ، وقد قيل : كنى بالسأم عن الكسل ، لأنه من صفة المنافق ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " لا يقل المؤمن كسلت " ، قيل : وإنما يقول ، ثقلت { أَن تَكْتُبُوهُ } الدين أو الحق ، أو ما دعيتم إليه ، أو ما شهدتم عليه ، أو المكتوب ، لأنه مذكور ضمنا ، والماصدق واحد ، والخطاب لأصحاب الحقوق ومن عليه الحق والشهود ، وسماهم كتابا لأنهم أسباب الكتب ، والمصدر مفعول به لتسأموا بمعنى تملوا ، أو على تقدير الجارّ له على معنى لا تكسلوا ، أى لا تكسلوا عن أن تكتبوه { صَغِيراً أَوْ كَبِيراً } ذلك الدين ، أو كتباً قليل الألفاظ ، أو كثيرها ، وقدم الصغير لأنه مما يتهاون به ، فقدم التحذير عن تركه بلا كتب وفيه الترقى من الأدنى إلا الأعلى ، وهو حال من الهاء ، ومن العجيب جعله خبراً لكان تقدر بلا داع { إِلَى أَجَلِهِِ } مستقر فى الذمة إلى حلول وقته ، فهو حال لا متعلق بتكتب ، لأن إيقاع الكتابة غير متكرر إلى الأجل { ذَٰلِكُمْ } أى الكتب المذكور فى قوله أن تكتبوه ، وهذا أولى من أن تجعل الإشارة إلى الإشهاد ، ورجح أن الإشارة إلى جميع ما ذكر ، والخطاب للمؤمنين أو الحكام { أَقْسِطْ عِنْدَ اللهِ } أى ذلكم العدل ، فأقسط خارج عن التفضيل إلى معنى الصفة المشبهة ، إذ لا قسط فى ترك الكتب ، أو هو على بابه لكن فى الإشهاد بلا كتب نوع توثق ، والكتب أفضل منه ، أو الكتب فى حسنه أبلغ من الترك فى سوئه ، وهذه الأوجه أيضا فى قوله { وَأَقْوَمُ } صحت الواو ولم تقلب ألفا فيقال : وأقام بفتح الهمزة وضم الميم لأنها صحت فى مثل أفعل التفضيل ، وهو فعل التعجب ، نحو ما أقومه ، وكذا تصح الباء فيه لأنه تصح فى فعل التعجب { لِلشَّهَٰدَةِ } أشد إعانة على إقامتها ، لأنه يذكر ما ينسى ، وهما اسما تفضيل من أقسط وأقام الرباعى سماعا عند الجمهور ، وقاسه سيبويه والكوفيون من الرباعى بزيادة همزة ، بل لنا أن نقول جاء قسط بمعنى عدل ، وقاسط بمعنى عادل ، وقسط بمعنى العدل ، ولا يختص بالجسور ، كما صح قام منهما من الثلاثى ، أى أشد قياماً للشهادة ، تقول ، فلان قويم ، بمعى ذا استقامة ، أو من قسط بضم السين بمعنى صار ذا قسط ، أى عدل { وَأَدْنَى } أقرب { أَلاّ تَرْتَابُواْ } إلى أن لا ترتابوا ، أى ألا تشكوا فى جنس الدين وعدده وأجله وشهوده وما عقدتم عليه من الأحوال ، أو أدنى من ألا ترتابوا ، وليست بمن التفضيلية أو أدنى لأن ترتابوا ، وذلك كما تقول ، قربت من زيد وقربت لزيد ، أو فى ألا ترتابوا ، أى قريب فى شأن انتفاء الارتياب { إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَٰرَةً } تصرف فى المال بالعقد لقصد الربح { حَاضِرَةً تُدِيرُنَهَا } تعاطونها { بَيْنَكُمْ } يدا بيد ، والإدارة تتصور فى المال ، فإسناد الحضور والإدارة إلى التجارة مجاز عقلى ، ولا مانع من جعل التجارة بمعنى اسم مفعول ، أى متجر به ، بفتح الجيم ، وحضور المال غير إدارته ، فتدير تأسيس لا تأكيد ، والاستثناء منقطع ، أى لكن التجارة الحاضرة لا يشترط الكتب والإشهاد فيها ، أو متصل أى اكتبوها كل حال ، إلا حال كون التجارة حاضرة ، كذا يقولون بالتفريغ فى الإثبات ، وليس المشهور ، ولكن المعنى صحيح { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا } لا ذنب عليكم فى انتفاء كَتْبِكموها ، لأنه قد أخذ كل واحد حقه فلا جحود ولا نسيان ، واليد دليل الملك فلا يلزم الكتب ، وإن كتب فحسن ، لأن الآية رخصت ألا يكتب رفعا للمشقة . ولم توجب ألا يكتب ، إذ ربما عرفه الناس للآخر ، إذا كان مما له علامة فيدعى عليه السرعة أو نحوها ، فيصار إلى البينة واليمين ، وذكر الكتابة ذكر للإشهاد ولأنها مع الإشهاد ، فكأنه قيل ، ألا تكتبوها ولا تشهدوا عليها { وَأَشْهِدُواْ } على المتجر به المعبر عنه بتجارة ، أو على التصرف فيه بالبيع { إِذَا تَبَايَعْتُمْ } يدا بيد ، وهذا عند الجمهور ندب لثواب الآخرة ، أو أمر إرشاد لنفع الدنيا فما مر نفى للوجوب ، وهذا استحباب ، ويجوز أن يراد هنا مطلق البيع يدا بيد ، أو عاجلا أو آجلا ، وقيل الإشهاد واجب فى مطلق البيع ، غير منسوخ ، وقيل وجوبا منسوخا { وَلاَ يُضَآرَّ } مجزوم بسكون مقدر منع من ظهوره حركة التخلص من التقاء الساكنين ، وهى الفتحة للتخفيف { كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ } أى لا يضران غيرهما ، فالراء المدغمة عن كسر كما فكها عمر وكسرها ، وذلك بزيادة أو نقص أو تحريف أو تأخير الأجل أو تقديمه أو بالامتناع عن الكتابة أو الشهادة ، أو أدائها ، أو طلب أجرة عظيمة ، أو لا يضرهما غيرهما ، فهى عن فتح كما فكها ابن عباس وفتحها ، وذلك بتكليفهما ما لا يليق فى الكتابة أو الشهادة ، ومنع أجرتهما أو تقليل عن عنائهما ، أو يعجلان عن مهم لما نزل ، ولا يأب كاتب . الخ ، كان أحدهم يجىء إلى الكاتب فيقول ، اكتب لى ، فيقول ، إنى مشعول ، أو لى حاجة فانطلق إلى غيريى فيلزمه ، فيقول ، إنك أمرت أن تكتب ، فيضره بالمكث والإلحاح وقد وجد غيره ، فنزل ، ولا يضاو ، ومعنى حمل بعضهم العبارة على المعنيين ، أن الله أنزلها محتملة ، وهو حسن ، وإنما يستحقها الشاهد إذا كان لا يجد قوته ، أو قوت عياله إن تفرغ لتحملها أو أدائها . أو يجد ذلك لكن يخرج الأميال أو يراد إعادتها حيث تجوز الإعادة { وَإِن تَفْعَلُواْ } ما نهيتم عنه مطلقا أو الضرار أو الخطاب للطالبين ، أو للكاتب والشاهد لعمومهما بالتنكير بعد النهى ، ولتعدد الوقائع ، أو المجموع ، وهو أولى { فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ } فإن الفعل لذلك خروج عن الطاعة لا حق بكم ، أو متعلق بكم ، أو منكم أى صادر منكم أو فسق فيكم حتى أنتم ظرف له { وَاتَّقُواْ اللهَ } فى أمره ونهيه عن الضراء وغيره ، { وَيُعَلِّمُكُمْ الله } مصالح أموركم بإنزال الآيات ، عطف إخبار على إنشاء ، أو الجملة حال ، ويقدر ، وقد يعلمكم الله بقد التحقيقية ، أو وأنتم يعلمكم الله ، ولا تثبت عندى واو الاستئناف ، إذ لا معنى لها ، ولا يصح أن تكون حرف هجاء { وَاللهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ } ذكر لفظ الجلالة ثلاث مرات ، الأول ، حث على التقوى لتربية المهابة ، وللتنبيه على استقلال الجمل الثلاث كل على حدة ، والثانية وعد بإنزال الآيات زيادة على ما فى السورة ، وهو من أجل النعمن والثالثة تعظيم شأنه وتهديد لمن خالفه ووعد لمن أطاعه ، وأود الله المحافظة على المال لينفق منه فى سبيل الله ، ولئلا يفعل الحرامَ كالربا ، وليتفرغ إلى الطاعة ، ويستغنى عن الناس بتسعة ، بقوله عز وعلا فاكتبوه ، وليكتب بينكم كاتب بالعدل ، ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب ، وليملل وليتق الله ربه ، ولا يبخس منه شيئا ، ولا تسأموا . … الخ ، ذلكم أقسط عند الله … الخ ، وزاد خسمة فذلك أربعة عشر ، الرهن ، وليتق الله ربه ، ولا تكتموا الشهادة ، ومن يكتمها … الخ والله بما تعملون عليم .