Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 285-286)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ } قرآنا أو وحيا غيره فى هذه السورة أو غيرها { وَالمُؤْمِنُونَ } عطف على الرسول ، فيكون المراد بقوله { كُلٌّ } كل من المؤمنين والرسول ، فيدخل الرسول فى الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل ، ويدل لذلك قراءة على ، وءامن المؤمنون ، ولكن شهر أن آمن الرسول آيتان ، ولزم على ذلك أنه ثلاث ، ويجاب بأن الآيات توقيفية ، ويقوى أيضا بأن عطفه على الرسول أعظم له ، إذ تبعوه ، ذكر فى صدر السورة الإيمان على طريق الخطاب بالكاف ، أولئك على هدى من ربهم ، وهنا بطريق الغيبة لأن حق الشهادة الباقية على مرور الدهور فى حياة المشهود له وبعد حياته ألا تكون بالخطاب ، ولو جعلنا المؤمنون مبتدأ لم يدخل الرسول فى ذلك الإيمان المذكور فى قوله كل { ءَامَنَ بِاللهِ } أنه لا شريك له ، وأنه منزه عن صفات الخلق { وَمَلَٰئِكَتِهِ } بأنهم موجودون ، لا يعصون الله ، وأنهم وسائط بين الله وخلقه بالكتب وسائر الوحى ، كما ذكرهم ، بين ذكر الله والكتب والرسل ، كما قال { وَكُتُبِهِ } ولم يذكر اليوم الآخر لذكره فى قوله ، لكن البر ، والثوانى يختصر فيها ، وأيضا هو مذكور فى قوله ، وإليك المصير { وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ } قائلين لا نفرق { بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } فى الإيمان كما آمنت اليهود ببعض ، وكفرت ببعض ، وكذا النصارى ، كقوله ، نؤمن ببعض ونكفر ببعض ، وأما فى الفضل فجائز ، تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ، وصح إضافة بين إلى أحد بلا عطف على أحد مع أنها لا تضاف إلا لمتعدد ، لأن معناه جماعة هنا ، فإنه يستعمل لواحد فصاعدا ، أو المذكر والمؤنث ، أى لا نفرق بين جماعة من رسله ، كقوله تعالى ، فما منكم من أحد عنه حاجزين ، أى من جماعة ، وقوله : لستن كأحد من النساء . أى كجماعة ، وإنما لم أقل بعموم أحد لأنه نكرة فى سياق النفى ، لأنه لم يسمع الجمع فى سائر النكرات فى سياقه ، فإنه لم يسمع لا نفرق بين رجل ، ولا ما جاء رجل راكبون ، وأيضا لم يتسلط النفى على أحد بالذات ، بل بتوسط الإضافة مع أنه لم يتسلط أيضا على المضاف بالذات ، بل على متعلقه ، وعدم التفريق بين الرسل عدم تفريق بين الكتب أيضا فكفى عن ذكره ، والعكس يصح أيضا ، إلا أنه لم يعكس لأن الرسل أهل للكتب من حيث إنهم الجاءون بها والمدعون لها ، ولا يجوز أن يقدر بين أحد وأحد { وَقَالُواْ سَمِعْنَا } ما قلت ، سماع تدبر ، ترتب عليه القبول { وَأَطَعْنَا } امتثلنا ، ويقال ، الطاعة أخص من السمع ، لأنها القبول عن طوع ، وينظر فيه بأن الطوع قد يكون إذعانا للقهر لا باختيار { غُفْرَانَكَ } أى اغفر لنا غفرانا ، فناب غفرانا عن اغفر ، وأضيف لضمير اغفر ، أو نسألك غفرانك { رَبَّنَا } يتعلق بغفرانك { وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } المرجع بالبعث للجزاء ، وهذا إقرار بالبعث ، أغنى من أن يقول هناك ورسله واليوم الآخر ، وأخره إلى هنا ليذكره عقب ما عليه الجزاء من السمع والطاعة ، وعقب الغفران الذى يطهر يوم الجزاء والعلم عند الله ، ولما نزل : { وإن تبدوا ما فى أنفسكم . … } الخ شكا الؤمنون المؤاخذة بالوسوسة وشق عليهم المحاسبة فنزل قوله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } ونزل قبها ، آمن الرسول . إلى … المصير ، وهو آية ليدفعوا الوسوسة بمضمونها والعمل بها . أى إلا ما تسعه قدرته بالغة غايتها ، أو دون غايتها ، بمعنى أن المكلف به تارة يبلغ غاية الطاقة وتارة دونها ، وهو الأكثر ، فإنا نقدر على أكثر من خمس الصلوات ، ومن شهر رمضان ومن الحج ؛ ومن قدر الزكاة ، وهكذا كقوله : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } [ البقرة : 185 ] رحمة منه تعالى ولا تطيق النفس رفع الهاجس ولا الخاطر بعده ، ولا حديث النفس بعد الخاطر ، ولا الهم الشىء بعد حديثها ، وإن تبدوا ما فى أنفسكم يشملهن لفظه ، ولو أن المراد فيه العزم بعد الهم ، فأخبرهم الله بأن المحاسبة على العزم ، لأنه هو الذى للنفس طاقة على تركه ، والأربعة قبله ضرورية ، وذلك دليل على أن لا تكليف بالمحال ، وهو ولو كان غير واقع لكنه جائز ، وقيل : واقع ، وفائدته القبول ، والتهيؤ ، ثم يظهر أنه لا يكلف به بعد أن تهيأ ، وقيل : كما جاء فى قصة نبى ، فإن أمر بأكل أول ما يظهر له جبل فعزم على أكله ؛ فلما قرب منه ازداد صغراً حت وصله ، فوجده لقمة عسل ، وإما أن يقع ويبقى فلا ، ولا خلاف فى جواز التكليف بالممتنع لغيره ، كتعلق علم الله بخلافه كتكليف من علم الله أنه لا يؤمن بالإيمان ، وذلك أولى من أن يقال : " المعنى لا يكلف الله نفسها إلا غاية طاقتها " ثم نسخ بقوله : { يريد الله بكم اليسر } [ البقرة : 185 ] على أنه نزل بعد هذا وتلى قبله ، ولا دليل على ثبوت هذا ، وأولى من أن يقال قوله : ما فى أنفسكم على عمومه ، ثم نسخ بقوله تعالى " لا يكلف الله نفساً " … الخ ، فلا يكلف الله إلى آخره بيان لما فى أنفسكم ولا نسخ . روى لما نزل ، وإن تبدوا … الخ جاءوا ، فقالوا : كلفنا الصلاة والصوم والزكاة والجهاد وأطعنا ، ولا طاقة لنا بما فى النفس وجثوا على ركبهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أتقولون كأهل الكتاب سمعنا وعصينا " ، وقولوا : سمعنا وأطعنا فنزل ، آمن الرسول ، قلت : ولعل معنى النسخ فى ذلك بيان أن ذلك غير مراد بالتكليف ، ثم والله رأيته لبعض المحققين ممن تقدم ، والتكليف إلزام ما فيه الكلفة أى المشقة ، والوسع ما تسعه قدرة الإنسان أو ما يسهل عليه من المقدور وهو ما دون مدى طاقته { لَهَا مَا كَسَبَتْ } من خير تثاب عليه ، وما كسب لها ميتة أو حية فى هذه الأمة { وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } من الشر ، تعاقب عليه ، وهكذا اللام للخير ، وعلى للضر عند الإطلاق ، ويعكس لدليل ، كقوله تعالى : ولهم اللعنة ، فهى للاستحقاق ، وعليهم صلوات من ربهم ورحمة ، أو يستعملان كذلك عند التقارب كالآية ، وكقوله تعالى : { من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها } [ الجاثية : 15 ] والاكتساب افتعال ، ومن معانيه المبالغة ، فإن النفس تنجبذ إلى الشر اللائق بها أكثر مما تنجبذ إلى الخير لثله عليها ، أو أصل الشر أن يكون صعبا للعقاب عليه ولخسته بالنهى عنه ، فكأنه لا يرتكب إلا بعلاج ، وليس عليها وزر غيرها ، إلا ما يلحقها بسنها سيئة { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ } هذا إلى آخر السورة من جملة ما يحكى بقوله تعالى : وقالوا ، وقوله تعالى : " لا يكلف الله " إلى : ما اكتسبت معترض ، لا كما قيل : إن قوله تعالى : لا يكلف الخ . من مقولهم أيضا ، وما ذكرته من دخول قوله تعالى " ربنا لا تؤاخذنا " فى جملة مقولهم أولى من تقدير ، يقولون ربنا لا تؤاخذنا ، وأولى من قول الحسن : قولوا ربنا لا تؤاخذنا … الخ ، والمعنى : لا تؤاخذنا بما يورث النسيان والخطأ من قلة المبالاة وترك التحفظ وغيرهما ، مما يدخل تحت وسعنا وقدرتنا ، وأما نفس النسيان والخطأ فمر فوعان كما فى الحديث ، أعنى رفع العقاب عليهما ، فذلك مجاز بطريق ذكر المسبب فى قوله { إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا } وهو النسيان والخطأ وإرادة السبب ، وهو قلة المبالاة وما ذكر معها ، ومثل ذلك أن ترى نجسا فى ثوبك أو بدنك قبل وقت الصلاة فتتركه ، فتنى فلا يحسن ذلك ، إذ لولا التأخير لم يقع ذلك ، وقيل : المراد بالنسيان الشرك ، وقيل الخطأ المعصية ، ويجوز إبقاء الكلام على ظاهره ، بأن يكون الأصل المؤاخذة على النسيان والخطأ كالسم يهلك من لم يتعمده كما تعمده ، فتجاوز الله عنهما ، دعوا فأجاب الله لهم من لدن آدم ، فكرروا الدعاء ، أو أمرهم الله أن يدعوا تذكيراً للنعمة واعترافا . والمؤاخذة عليها غير ممتنعة عقلا ، مع أنا لا نعتبر التحسين والتقبيح العقليين فى التكليف ، ويضعف أن يقال هذا الدعاء أول الإسلام ، إذ لا دليل عليه ، ويضعف أن يقال المراد الدعاء بدوام عدم المؤاخذة على النسيان ، والْخطأ ، حتى مات صلى الله عليه وسلم ، ولم تزل عليه المؤاخذة بهما ، فانقطع الدعاء بدوام عدمها ، أو تدام تعبداً ، والمفاعلة فى تؤاخذنا ليست على بابها ، بل كالمسافرة ، أو على بابها ، بأن يعتبر أن المعصية كالمحاربة لله { رَبَّنَا } تأكيد للأول ، أو ربنا استجب لنا { وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا } عطف على تؤاخذنا ، أو على استجب المقدر ، والإصر الأمر الثقيل يأصر حامله ، أى يحبسه فى مكة لثقله ، والذين من قبلنا بنو إسرائيل ، كانت عليهم تكاليف شاقة ، كالتكليف بقرض موضع النجس غير العورة فى بعض وفى بعض الأزمة من أجسادهم وثيابهم ، وقتل النفس فى التوبة فى عبادة العجل ، وفى غيرهم ، فى بعض الأشخاص ، يكتب الله على باب أحدهم توبتك من ذنب كذا أن تقتل نفسك ، وخمسين صلاة فى اليوم والليلة ، وكربع المال زكاة ، وقال بعض محشى الكشاف يقطعون الموضع النجس من ثيابهم ومن الجلود التى يلبسونها ، كالخف والقرق لا من أجسادهم ، لأنه يؤدى إلى نجس آخر ، هو الدم ، وليس المراد فى الآية ما أصابهم من مسخ وقذف كما قيل ، لأنه لا تكليف فيه ، والكلام فى التكليف { رَبَّنَا } تأكيد أو يقدر ، ربنا ارحمنا { وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } من التكليف ، فهو تأكيد ، أو البلاء والعقوبات فلا تأكيد ، ويستدل بهذا على جواز التكليف بما لا يطاق لكنه غير واقع كما دل عليه ، لا يكلف الهل نفساً إلا وسعها ، ومر كلام فيه ، والمعتزلة لم يقولوا بجوازه فضلا عن وقوعه { وَاعْفُ عَنّا } أى امح ذنوبنا ولا تؤاخذنا { وَاغْفِرْ لَنَا } عيوبنا ، أى استرها ، فلا تفتضح بها ، أو بذنوبنا دنيا ولا أخرى ، فبعد عدم المؤاخذة يمكن الافتضاح ، وبإعطاء كتبنا فى أيماننا ، وبالجنة ، وقيل اعف عن أفعالنا ، واغفر أقوالنا وارحمنا بثقل الميزان { أَنتَ مَوْلَٰنَا } سيدنا ونحن عبيدك ، ومتولى أمورنا دنيا وأخرى { فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَٰفِرِينَ } أى لأن من حق السيد أن ينصر عبيده ورعيته ، ولذلك كان بفاء السببية ، والنصر على كل كافر ، محارب أو غير محارب ، لأن من شأنهم حب المضرة لأهل الإسلام والذل ، ولا بعد فى شموله كفرة الجن ، لأنهم يضرون الأبدن ويحبون المضرة والذل للمسلمين كما يحبونها لغير المسلمين ، روى مسلم ، " لما نزلت هذه الآية ، أى لا يكلف الله نفساً إلى آخر السورة وقرأها صلى الله عليه وسلم قيل له عقب كل كلمة ، قد فعلت … " اهـ ، وكذا رواه ابن جرير الطبرى لكن مرسلا ، وهن سبع ، فبعد غفرانك قد غفرت لكم ، وبعد ، لاتؤاخذنا الخ لا أؤاخذكم ، وهكذا ، كما جاء عن ابن عباس بالتصريح بمعنى فعلت . وروى مسلم عن أبى مسعود الأنصارى عنه صلى الله عليه وسلم : " من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة فى ليلة كفتاه عن قيام الليل " ، وكذا عن ابن عمر ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أنزل الله آيتين من كنوز الجنة ، ختم بهما سورة البقرة ، من قرأها بعد العشاء مرتين أجزأتاه عن قيام الليل ، آمن الرسول إلى آخر السورة " وعن حذيفة عنه صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق بألفى عام ، فأنزل منه هذه الآيات الثلاث التى ختم بهن سورة البقرة ، من قرأهن فى نفسه لم يقرب الشيطان بيته ثلاث ليال " لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم