Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 54-54)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ } من عبد العجل من الرجال والنساء ، فإن لفظ قوم يستعمل عامّاً للنساء مع الرجال ، تبعاً على المشهور ، ولو كان لا يستعمل فيهن وحدهن لأنهم القائمون بهن ، الرجال قوامون على النساء ، وقيل يجوز إطلاق القوم عليهن حقيقة أو مع الرجال كذلك { يَٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ } إلَهاً { فَتُوبُوا } من عبادة العجل ، وتسميته إلَها ، والدعاء إليه ، والرضى بتصويره ، مع أنه لا يقدر على فعل شىء ، فضلا عن أن يكون خالقاً { إِلَى بَارِئِكُمْ } خالقكم برءاء من التفاوت ، كيد فى عياة القصر والرقة ، وأخرى طويلة غليظة أو يد سوداء ، ووجه أبيض ، وهو أخص من الخلق ومخرجكم من العدم والخلق النقل من حال الأحرى والتقدير { فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } ليس هذا من التوبة ، تفسير إلها بل هى فى قوله توبوا ، وهذا عقاب تصح به توبتهم ، وتقبل كمن فعل ذنباً مما بينه وبين الله فاستقبحه ، وندم ، وعزم على عدم العود ، وأمر بكفارة ، فالتحقيق أن الكفارة ليست من حد التوبة ولو كانت قد تؤخذ فى تعريفها بخلاف رد المظلمة فمن حدها . ومعنى اقتلوا أنفسكم ، ليقتل بعضكم بعضاً أنفسكم ، أو نزلهم منزلة شىء واحد ، وذلك أنهم لم يؤمر كل واحد أن يقتل نفسه بل أمر من لم يعبد العجل ، وهم اثنا عشر ألفا أن يقتل من عبده ، والقاتل والمقتول كنفس واحدة ، نسبا وديناً ، والخطاب لمن يعبده فى اقتلوا ، أو اقتلوا يا عابدى العجل ، بعضكم بعضاً ، أو أسلموا أنفسكم للقتل ، فالخطاب للعابدين ، قالوا : نصبر للقتل طاعة الله ليقبل تربتنا ، وعلى أن القاتلين من لم يعبد العجل ، فالعابدون جلسوا محبتين ، وقال هلم موسى من حل حبوته أو مد طرفه إلى قاتله ، أو اتقاه بيد أو رجل فهو ملعون مردود التوبة ، فأخرجت الخناجر والسيوف ، وأقبلوا عليهم للقتل فكان الرجل يرى أباه وابنه وأخاه وقريبه وصديقه وجاره فيرق له ولا يمكنه أن يقتله ، فقالوا يا موسى : كيف نفعل ، فأرسل الله عليهم سحابة سوداء تغشى الأرض كالدخان لئلا يعرف القاتل المقتول ، فشرعوا يقتلون من الغداة إلى العشى ، حتى قتلوا سبعين ألفا ، واشتد الكرب ، فبكى موسى وهارون تضرعاً إلى الله ، فانكشفت السحابة وسقطت الشفار من أيديهم ، ونزلت التوبة ، فأوحى الله إلى موسى ، أما يرضيكم أن أدخل القاتل والمقتول الجنة ، فكان من قتل منهم شهيداً ، ومن بقى منهم مغفوراً له خطيئته من غير قتل ، وذلك حكمة من الله عز وجل ، وله أن يفعل ما يشاء ، أبدلهم عن الحياة الدنيا حياة سرمدية بهيجة ، وقيل التقل إذلال النفوس بالطاعة وترك المعصية { ذَٰلِكُمْ } أى القتل { خَيْرٌ } منفعة أو اسم تفضيل خارج عنه ، وإن لم يخرج فباعتبار لذة المعصية فى النفوس ، أو من باب العسل أحلى من الخل { لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ } الخطاب للذين لم يعبدوا العجل ، والذين عبدوه ، أذعن العابدون للقتل ، وامتثل غير العابدين قتل العابدين ، مع أنهم من نسبهم وقرابتهم وأصدقائهم وأصهارهم ، وجيرانهم ، وكرر لفظ بارىء ولم يقل خير لكم عنده . ليشعر بأن من هو بارىء حقيق بأن يمتثل له أمره ونهيه { فَتَابَ } الله ، ومقتضى الظاهر ، فتبت { عَلَيْكُمْ } قبل توبتكم ، من قتل ، ومن لم يقتل لإذعانه للقتل { إِنَّهُ هُوَ } مقتضى الظاهر إننى أنا { التَّوَّابُ } على كل من تاب من خلقه { الرَّحِيمُ } المنعم على من تاب أو أنه هو الذى عهدتم يا بنى إسرائيل قبل ذلك توبته عليكم ورحمته لكم .