Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 65-66)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ } عرفتم ، والمعرفة إدراك نفس الشىء ، جسما كان أو عرضا ، والعلم إدراكه على صفة كذا ، ولا يقل الله عارف أو عرف ، أو يعرف بالبناء للفاعل ، فقيل ، لأن المعرفة تقتضى تقدم الجهل ، وقيل لعدم التوفيق ، وقد يستعمل ، قيل بالجواز ، ولم يتقدم جهل تعالى الله { الَّذِينَ اعْتَدَوْا } جاوزوا الحد ، وقدر بعضهم مضافا ، أى : ولقد علمتم اعتداء الذين اعتدوا { مِنْكُمْ } بصيد السمك { فِي السَّبْتِ } وقد بعضهم مضافا ، أى فى حكم السبت وهو يوم ، أو مصدر أو الخطاب فى منكم وعلمتم لمن فى زمانه صلى الله عليه وسلم من بنى إسرائيل ، وهم عارفون بقوم مسخوا فى زمان داود ، ولا يشترط العلم بالكنه فى لفظ المعرفة ، وقوم داود هم سبعون ألفا ، فى أرض أيلة ، بفتح الهمزة وإسكان الياء ، قرية على الساحل بين المدينة والطور ، صنف أمسك ونهى ، وصنف أمسك ولم ينه ، وصنف اصطاد ، وهم اثنا عشر ألفا ، شرعوا حياضاً ينزل الحوت فيها ، ولا يقدر ، على الخروج . ويصطادون ما فيها يوم الأحد ، فعلوا ذلك زماناً ، فقالوا ، قد أحل السبت ، فكانوا يصطادون فيه جهراً ، ويبيعون فى الأسواق ، وقد نهى الله عن الاصطياد فى اليوم الذى بعد يوم الجمعة ، أمروا بالتجرد للعبادة فى يوم ، فاختار موسى الجمعة ، وقيل ، أمروا بذلك ، وخالفوه للسبت ، لأنه يوم تم فيه الخلق ، فألزمهم الله إياه ، والسبت فى الأصل السبوت ، وهو الراحة ، أو من السبت وهو القطع ، قطع الله فيه الخلق وتم ، وأيضاً أمر الله اليهود بقطع الأشغال فيه ، والتفرغ للعبادة ، ولا يبعد تسميته بالسبت فى زمان موسى عليه السلام لذلك ، ولو كان تبديل أسماء الأسبوع بما هى عليه الآن واقعاً من العرب بعد عيسى عليه السلام { فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةٍ خَٰسِئِينَ } أذلاء خاضعين ، ونجا الناهون ، والساكتون على الأصح ، لأن الساكتين أنكروا بقلوبهم فقط ، لوجود من أدى فرض النهى ، وأما الممسوخون خنازير فأصحاب المائدة ، وقيل ، مسخت شبانهم قردة ، وشيوخهم خنازير ، إلا أنه لم يذكر هنا الخنازير ، فهو يتعاوون كالقردة بأذناب كأذنابها ، ويعرفون قرابتهم ، ويحتكون إليهم ، عاشوا ثلاثة أيام ، وقيل سبعة ، وقيل ثمانية وماتوا ولم يأكلوا ولم يشربوا فى الأيام الثلاثة ، وقد كان قبلهم القردة والخنازير ، والممسوخ لانسل له ، كما روى عنه صلى الله عليه وسلم ، ولأمر للتسخير ، إذ لا طاقة لهم أن يتحولوا قردة ، ولا يؤمر بما لا يطاق ، ولكنه مجاز عن تكوينهم قردة أو تمثيل بأمر من يطاع فوراً ، فهو أمر إيجاد لا أمر إيجاب ، كقوله تعالى { كن فيكون } [ يس : 82 ] وجمع السلامة لكونهم عقلاء قبل المسخ ، بل وبعده ، فإنهم يعرفون قرابتهم ، ويحتكون إليهم ، فيقولون لهم : ألم ننهكم فيجيبون برءوسهم ، بلى ، وتدمع عيونهم بكاء ، وإنما بدلت الصورة لا العقل إلى ما قيل ، الجمع بذلك تشبيه بالعقلاء ، وهم بعد المسخ مكلفون عند مجاهد ، وقيل لا . { فَجَعَلْنَٰهَا } أى المسخة المعلومة ، أو للعقوبة أو اللقربة ، أو كينونتهم قردة { نَكَـٰلاً } ردعا ومنعاً عن أن يصطاد مثلهم يوم السبت الحوت ، وعن أن يخالف أمر الله مطلقاً ولو بغير الصيد ، أو نكالاً اسم للجام الحديد أو للقيد شبه العقوبة به فى المنع { لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } فى زمانها من الناس ، وذكرهم بما إشارة للأنواع من الناس ، أو ما عبارة عن القرى الحاضرة لها ، والمراد أهلها ، وكذا فى قوله { وَمَا خَلْفَهَا } من الناس إلى يوم القيامة ، والآية مقوية لتفسير خلفهم فى الآيات غير هذه بما بعد ، لأن هذه لا يصلح فيها من مضى ، إذ لا تكون المسخة نكالا لمن مات قبلها { وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } منهم أو من غيرهم ، وقيل : من هذه الأمة عن أن يقصروا ولغيرهم ، وخصهم لأنهم المنتفعون ، أو لأن المراد بالموعظة حصول أثرها ، كقوله تعالى { إنما تنذر من اتبع الذكر } [ يس : 11 ] أى يحصل أثر إنذارك ، قلت ، قوله : فجعلناها نكالا … إلخ رد لقول مجاهد ، أنهم لم يمسخوا صورة ولكن قلوباً ، ومثلوا بقردة إذ تحويل قلوبهم لا يظهر لكل أحد حتى يكون رادعاً وموعظة ، ولو ظهر لم يتبين فبحه لجمهور الناس ، بخلاف مسخ صورهم فإنه يظهر قبحها للموحد والمشرك والمطيع والعاصى .