Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 87-87)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَٰبَ } المعهود التوراة ، أو الجنس ، فيشمل الصحف المنزلة عليها قبلها { وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ } التشديد للمبالغة ، والباء للتعدية ، والمفعول محذوف ، أى فقرناه ، بتخفيف الفاء ، بالرسل ، أى تبعناه بالرسل أى اتبعناه الرسل ، وهذا أولى من جعل التشديد للتعدية إلى آخر ، والباء صلة ، أى قفيناه الرسل ، لأن كثرة مجيئه فى القرآن تبعد هذا ، والرسل يوشع وشمويل وشمعون ، وداود وسليمان ، وشعيا ، وأرميا ، وعزير ، وحزقيل ، وإلياس ، واليسع ، يرنس وزكريا ، ويحيى ، وغيرهم ، ويقال : عدد الأنبياء بين موسى وعيسى عليهم السلام سبعون ألفا ، وقيل أربعة آلاف ، وكلهم على شريعة موسى عليه السلام ، وبينهما ألف سنة وتسعمائة سنة وخمس وعشرون سنة ، ولا حجة لهذه الأعداد ، والعلم عند الله ، ومعنى اتباع الرسل من بعده الإتيان بعده برسول وبآخر بعده ، وباثنين فى زمان وبثلاثة فى آخر ، وما أشبه ذلك من انفراد رسول بزمان ، ومن تعدده فى زمان ، كما مر أنهم قتلوا سبعين نبيّاً فى يوم واحد ، وروى أنه لم يطق موسى أن يحمل التوراة فأعانه الله على حملها بملائكة عدد حروفها ، فلم يقدروا ، فخففها الله بالنقص فحملها ، ويبعد ما قيل : إن المراد بإيتاء التواره إفهامه معانيها له { وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ } لفظ عيسى سريانى أو عبرانى ، قولان ، كما هو مراد القاموس بأو على عادته ، وليس ترديداً ، أو هو معرب من إيسوع بهمزة بين بين ، أو مكسورة ، ومعناه ، المبارك أو السيد ، وقيل أليشون بالشين المعجمة ، أبدلت سينا ، ومريم بالسريانة الخادم ، سميت لأنها أريد بجنين هوهى أن يكون خادماً لبيت المقدس لو كان ذكراً ، أو معنى مريم العابدة ، والعبادة خدمة لله عز وجل ، وفى لغة العرب : مريم المرأة تحب التكلم مع الرجال وخالطتهم ، وعليه فمعنى مريم المرأة أو عليه فمعنى مريم المرأة التى تحب ذلك ، كقولهم للأسود : كافوراً ، وقيل تتحدث معهم ولا تفجر ، وقيل : من شأن من تخدمها الرجال والنساء أن تتحدث معهم ، فسميت بذلك { الْبَيِّنَٰتِ } المعجزات ، كإحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص والإخبار بالغيوب ، وليس المراد الإنجيل كما قيل ، لأن اليهود كفروا به ، قائما يقمعون بتلك المعجزات ، والآية فى قمعهم وذكر عيوبهم ، إذ لم يستقيموا مع المعجزات ، لا بالإنجيل لأنه ليس معجزا ، وخص عيسى مع أنه من الرسل بعد موسى لأنه جاء بالإنجيل ناسخاً لبعض التوراة ، فلم يكن كن قبله من أتباع موسى { وَأَيَّدْنَٰهُ } قويناه { بِرُوحِ الْقُدُسِ } جبريل ، يسير معه حيث سار ، مقارنا له من حين ولد إلى أن رفعه الله إلى السماء ، ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وسمى جبريل روحا تشبيها بروح الإنسان مثلا فى أن كلا جسم لطيف نورانى ، وأن كلا مادة للحياة ، فما يجيء به جبريل من الوحى لحياة القلوب ، كالروح لحياة الأبدان ، وأضيف للطهر لطهارة عن مخالفة الله عز وجل ، قيل خص ، أى عيسى ، بذلك اللفظ لأنه من ولادته كحاله بعد الرسالة وقيل من بطن أمه ، ولا تقل ، ذلك من إضافة المنعوت إلى النعت ، وأن الأصل الروح المقدسة ، أو ذات القدس ، من إضافة الشىء إلى حال من أحواله ليخص به ، أو ليعرف ، أو يمدح ، أو لنحو ذلك ، أو روح القدس روح من ملك الله ، أو روح عيسى أضيفت للقدس لعظم شأنه ، أو لأنه منزه عن مس الشيطان ، فتنزيهه لروحه ، أو أضيفت إليه لكرامته على الله ، أو لأنه لم يكن فى رحم حيض ، وقيل حاضت حيضتين ، وحملته ذات عشر سنين ، أو ثلاثة عشرة أو روح القدس الإنجيل ، كما قال الله فى شأن القرآن { أوحينا إليك روحا من أمرنا } [ الشورى : 52 ] أو اسم الله الأعظم ، كما أن القدوس اسمه ، وقيل : القدس اسمه . والاسم الأعظم غيره ، وقيل : إنه اسمه الأعظم الذى كان يحيى به الموتى ، وقيل لأنه قصده سبعون ألف يهودى لقتله ، فطيره الله عنهم { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ } أفعلتم ما فعلتم ، أو أكفرتم ، فكلما جاءكم رسول { بِمَا لاَ تَهُوَى } تحب { أَنْفُسُكُمْ } من الحق { اسْتَكْبَرْتُمْ } أى تكبرتم كل وقت مجىء رسول بما لا يوافق هواكم عن اتباعه { فَفَرِيقاً } منهم { كَذَّبْتُمْ } كعيسى ، وقدم التكذيب لأنه عام منهم لمن لم يقتلوه ولمن قتلوه ، ولأنه سبب للقتل { وَفَرِيقاً } منهم { تَقْتُلُونَ } تحقيقاً كيحيى وزكريا ، وفى قتل زكريا خلاف ، أو حكما كما قصدوا قتل عيسى فخابوا ، والمراد قتلتم ، ولكن المضارع تنزيل لما مضى من القتل منزلة الحاضر المشاهد ، أو الموجودين الآن منزلة من مضى وحضر ، لأن مشاهدة الشىء أقوى ، وخوطبوا بالقتل والتكذيب لرضاهم عن آبائهم الفاعلين لذلك ، ولأنهم يحاولون قتل النبى صلى الله عليه وسلم بإلقاء الصخرة ، وبسمّ الشاة ، قال صلى الله عليه وسلم : " ما زالت أكلة خيبر تعاديني أو تعاودني ، فالآن قطعت أبهري " ، فمات بقتلهم ، والجملتان عطفتا على استكبرتم لا على أيدنا كما أجازه بعض ، وقدم فريقا فى الموضعين على طريق الاهتمام ، والتشويق إلى ما بعد ، وكذا نقول . بالتشويق فى سائر القرآن ، إذا صح المقام له ، وقلت على طريق ، لأن الله عز وجل منزه عن الاهتمام ، وبدأ بالتكذيب لأنه أول ما يفعلونه ، ولأنه المشترك بين المكذب والمقتول .