Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 123-124)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قال } كأنه قيل هل بقيا فى الجنة إذ تابا فيها فقال قال : { اهْبِطا } انزلا يا آدم وحواء { مِنْها } من الجنَّة الى الدنيا { جميعاً } لا يبقى واحد منكما { بعْضُكم لبعضٍ عدوّ } حال مقدرة ، والجمع باعتبار ما يتولد منهما ، والتعادى فى الحقيقة بين أولادهما ، وذلك عكس خطاب اليهود بما فعل آباؤهم ، أو الخطاب فى اهبطا لآدم وإبليس ، وأما حواء فتبع لزوجها ، والخطاب فى اهبطوا لآدم وإبليس وذريتهما ، وهو المتبادر من قوله : { عدوّ لك ولزوجك } [ طه : 117 ] كأنه قيل كذلك تكون العداوة بين أولاده وأولادك ، وهذا أنسب بأن تفسر العدواة بالتعادى بين أولاد آدم ، لكن لا مانع من أن يراد ذلك أو بين أولاد كل فيما بينهما ، وأولاده وأولاد الآخر إخباراً بأن الدنيا دار التواء ديناً ودُنيا ، لا كالجنة التى كنت فيها ، وقيل الكاف لآدم وإبليس والحية إذ دخل إبليس فى فمها مستخفياً عن الملائكة للوسوسة ، وهو بعيد إذ لا خطاب للحية بإتيان الهدى إليها ، واتباعه والإعراض عنه المذكورين بعد ، والحمل على المجموع خلاف الأصل ، ولم يجر للحية ذكر ، وعلى كل حال دخل إبليس الجنة بعد ما خرج منها ، فصح أن يقال له اهبط منها . { فإمَّا } إن الشرطية وما المزيدة للتأكيدة { يأتينَّكم منِّى هُدًى } يوحيى أرسله إليكم ، أو كتاب وذلك يعم ، بخلاف ما لو قلنا هدى بنبى إذ لا يبعث الى آدم نبى ، بل هو نبى ، وإنما يصح ذلك لو خص الخطاب بالذرية { فَمَن اتبَّع هُداى } مقتضى الظاهر ، فمن اتبعه ، وأظهر وأضاف الى الله تشريفاً وتأكيداً الإيجاب الاتباع { فَلا يضلُّ } عن الدين أو عن الصواب أو الرشاد ، لأن معه الهدى منَّا ، وهو الدين والصواب والرشاد { ولا يَشْقى } فى الآخرة ، ولا يصح أن يفسر الهدى بالقرآن خاصة ، وأما قول ابن عباس رضى الله عنهما قارئاً للآية : أجار الله تابع القرآن من أن يضل فى الدنيا ، أو يشفى فى الآخرة ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " من اتبع كتاب الله هداه الله من الضلالة فى الدنيا ووقاه سوء الحساب فى الآخرة " فلأن القرآن من جملة الهدى لا لكونه المراد بالهدى ، ألا ترى أن الخطاب للمكلفين مطلقاً لا لهذه الأمة خاصة ، وأما قوله : { ومن أعْرَض عَنْ ذكْرى } أى لم يتبعه ، فالذكر فيه عام أيضاً لا يخص القرآن ، فإنه كما يطلق على القرآن قد أطلق فيه على غيره ، وعلى العموم ، وكذا لا تخص الآيات فى قوله : { أتتك آياتنا } [ طه : 126 ] بآيات القرآن ، بل على العموم وعلى الدلائل ، كما أنه فسر بعضهم ذكرى بهداى لأنه سبب ذكره وعبادته عز وجل ، وقيل : لا يضل طريق الجنة فى الآخرة ، وهو فى مقابلة { ونحشره يوم القيامة أعمى } ولا يتعب فى معيشة الدنيا ، وهو مقابل قوله عز وجلّ : { فإن له معيشة ضنْكاً } وعليه فقدم حال الآخرة ، لأنها محط رغبة المهتدين ، وما مر أولى لأنه تفسير النبى صلى الله عليه وسلم ، وابن عباس رضى الله عنهما ، وأجيزا فى الآخرة ، وأجيزا فى الدنيا ، لأن الشقاء بما فيها من الانحراف . { فإن له مَعيشَةً } حياة { ضنْكاً } شديدة الضيق ، وأصله مصدر ، ولذلك يوصف به المفرد المذكر وغيره ، والكافر فى الدنيا فى شدة الضيق ، ولو كثر ماله لضيق قلبه بالحر والشح ، وطلب الزيادة ، وخوف النقص ، وسلب القناعة حتى يشبع ، وإن كان له قناعة بكثيراً أو قليل : فقلبه متقطع بالشهوات ، ومعيشة الكافر أيضاً مطلقاً ، ضنك أى سبب للشدة يوم القيامة ، كما يعذب بماله أيضاً إذ لم يخرج حقوقه . وعن ابن مسعود وأبى سعيد : المعنى عذاب الكافر فى قبره ، وعن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم : " المؤمن فى قبره فى روضة خضراء يرحب له سبعين ذراعاً فى ضوء كضوء القمر ليلة البدر ، هل تدرون فيم نزلت { فإن له معيشة ضنكاً } قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال عذاب الكافر فى قبره يسلط عليه تسع وتسعون حية ، لكل واحدة سبعة رءوس تلسعه ، وتنفخ الى يوم ينفخ فى الصور ، وما قبل قيام الساعة " وبعد الموت من الدنيا فى قول ، وقيل المعيشة الضنك بعد البعث الشوك والزقوم والغسلين . { ونْحشُره يَوم القيامة أعْمَى } تارة ، وأزرق أخرى ، أو أزرق زرقة مسببة عن موت ضوء العين ، أو فساد الجسد ، أو بعض أزرق وبعض أعمى ، كما مر ، وقال الله عز وجل : { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً } [ الإسراء : 97 ] وقد قال الله عز وجل : { ورأى المجرمون النار } [ الكهف : 53 ] ويقرءون كتبهم ، ويرون أهوال القيامة ، وذلك بالبصر ، وقال : { أسمع بهم وأبصر } [ مريم : 38 ] ويتكلمون فيما بينهم ، ولمالك خازن النار ولغيره ، ويحابون ويسمعون الجواب ، فكل منهم يتكلم ويخرس ، ويبصر ويعمى ، ويسمع ويصم ، وذلك فى مواطن .