Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 85-86)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قال } الله عز وجل { فإنَّا قَدْ فتنَّا قَومْك } الفاء سببية أى أنت فعلت ذلك ، وفتنا بسبب فعلك قومك ، أوقعناهم في فتنة ، وهى ميلهم الى الشهوات ووقوع الاختلاف ، أو اختبرناهم بفعل السامرى ، وليست للتعقيب ، فان بين الفتن وذلك عشرين يوماً ، وقيل ستة وثلاثين ، فالماضى لتحقق الوقوع ، أو للقرب ، أو لعزم السامرى عقب ذهاب موسى وشروعه في الأسباب ، أو للترتيب الذكرى { مِنْ بعْدكَ } بعد تقدمك عليهم مفارقاً لهم { وأضَّلَهُمْ السَّامرى } الى عبادة غير الله عز وجلّ ، إذا دعاهم الى عبادة العجل ، قيل : غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة ، فقال لهم : قد تمت الأربعون عد الليالى أياماً ، ولم نر موسى ، وليس إخلافه عنكم إلا لما معكم من حلى القبط ، وهو حرام عليكم ، فجمعوه فجعله عجلا ، فالمراد بالقوم من خلفهم مع هارون ، وهم قيل ستمائة ألف ، نجا من عبادة العجل منهم اثنا عشر ألفاً ، فالمراد بقومك هنا غير المراد بهم في قوله : { وما أعجلك عن قومك } [ طه : 83 ] ولذا لم يقل فإنا قد فتناهم من بعدك ، وقيل المراد ، وأو على الأصل في تكرير المعرفة أنها عين الأولى ، ولا يبعد أن المتخلفين قريباً من الطور ، إلا أن النقباء أقرب منهم إليه ، بل ذلك متبادر ، ولا شك أن النقباء لم يعبدوا العجل ، ولجعل لمعرفة عين الأولى وجه آخر ، هو المراد بالقوم في الموضعين الجنس ، إلا أنه أريد بالأول النقباء ، وبالثانى المتخلفون ، ومثل ذلك فى القرآن وارد . والسَّامرى من عظماء نبى إسرائيل منسوب الى قبيلة عظيمة تسمى سامرة بالشام الى الآن ، إذا أراد أحدهم المصافحة لوى الثوب على يده ، لئلا تصيبه الحمى ، يسمون السامريين ، قيل : هو ابن عم موسى ، وقيل : ابن خالته ، وقيل علج من كرمان نقل الى مصر ، وقيل : كان من أهل باجرما قرية بمصر ، أو بالموصل ، وقيل : كان من اقبط جاراً لموسى ، يظهر له الإيمان ، وقيل : من عباد البقر ، أظهر الإيمان لبنى إسرائيل ، واسمه على المشهور موسى بن ظفر ، وقيل منجى أدخلته أمه في غار مخافة الذبح ، وأطبقت عليه ، فكان جبريل يغذوه بلبن في أصبع ، وعسل فى أخرى وسمن فى أخرى قال بعض : @ إذا المرء لم يخلق سعيداً تحيرت قلوب مربيه وخاب المؤمل فموسى الذى رباه جبريل كافر وموسى الذى رباه فرعون مرسل @@ { فرَجَع موسى الى قومّه } وصلهم وقابلهم بعد تمام الأربعين ذى القعدة ، وعشر من ذى الحجة ، وأخذ التوراة لا عقب الإخبار بأنا قد فتنا قومك ، الفاء للسببية أو للترتيب الذكرى أو العرفى ، وهو أنه فى كل شىء يحسبه ، كما قال ابن هشام مثل تزوج فولد له وشايعت الحجاج ودعوت لهم بالسلامة ، فرجعوا سالمين ، ولا يتوهم لمن الولادة متصلة بالتزوج ، ولا الرجوع متصل بالدعاء { غَضْبان } الغضب فى البشر ثوران دم القلب ، لإرادة الانتقام ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتقوا الغضب فإنه جمرة توقد فى قلب ابن آدم ألم تر الى انتفاخ أوداجه وحمرة عينية " { أسفاً } حازناً أو نادماً على ما فرط منه ، من مفارقتهم حتى وقعت فيهم عبادة العجل أو متلهفاً على ما فاته ، متحيراً فى أمر قومه ، يخشى أن لا يمكنه تداركه ، وفى هذا زيادة من خارج على لفظ أسفاً . { قال } لهم بعد هذا الرجوع ، والمفسر بالوصول وإن فسرنا الرجوع بالذهاب إليهم ، فالمراد قال بعد رجوعه ووصوله ألم : { يا قَوم ألم يعدُكُم ربُّكم وعْداً حَسَناً } أنكر انتفاء الوعد بحيث لا سبيل لهم الى نفيه وعدهم إنزال التوراة هدًى ونوراً ، أو لوصول الى جانب الطور الأيمن ، والفتح فى الأرض ، والمغفرة للتائب ونحو ذلك أو الجنة ، كما قال الحسن أو أن يسمعوا كلام الله أو كل ذلك ، والأنسب المتبادر الأول . ووعداً بمعنى موعود مفعول به ، أو باق معنى المصدرية مفعول مطلق ، ويقدر المفعول على هذا : أى وعدكم وعداً حسناً أن ينزل عليكم التوراة . { أفطال عَليْكُم العَهْد } الفاء عاطفة على ألّم يعدكم ، لأنه بمعنى قد وعدكم ، والهمزة مما بعد الفاء لتمام صدارتها ، والأولى دخولها على محذوف عطف عليه بالفاء ، مثل أوعدكم بفتح الواو ، أو أعهد لكم ، فطال عليكم زمان الإنجاز ، أو زمان المفارقة للاتيان بالموعود ، وأطلق العهد على الزمان أو يقدر مضاف أى زمن المعهود ، أى زمان ما عهد لكم ، ويقدر بعد لفظ فنسيتم ، أو يقدر فظننتم بطلان العهد ، وآل للعهد في أذهانهم . { أم أردْتُم أن يحلَّ علَيْكُم غَضبْ من ربِّكُم } نعت لغضب ، أو متعلق بيحل ، ويجوز أن تكون أم بمعنى بل ، وتنكير غضب للتعظيم ، لا يشك شاك أنهم لا يحبون الغضب ، فمعنى الإرادة فعل ما يكون مقتضياً للغضب ، ومسبباً له وملزوماً له { فأخْلفْتُم موْعِدى } وعدكم إياى بالثبات على الإسلام الى أن أرجع من الميقات ، وقيل : أو باللحاق الى الطور ، وهو مصدر مضاف للمفعول ، ويبعد أن يكون مضافاً للفاعل أن معنى أخلفتم موعدى وجدتم الخلف فى وعدى لكم بعد الأربعين ، كقولك : أحمدت زيداً بمعنى وجدت فيه الحمد ، أو تركتم وعدى لكم ، وفعلتم ما لا تستحقون الإتيان بالموعود به ، كمن وعد بخير على فعل ، فلم يفعله ، وهذان الوجهان لا يناسبان ما قبل ولا ما بعد .