Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 61-61)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ليس على الأعْمى } بعينيه معاً ، ويلتحق به ضعيف البصر والأعور اذا كان عوره مؤذياً له { حَرجٌ } ضيقٌ شرعى بأن يحكم بالذنب على هؤلاء ، وأصله مجتمع الشىء كالأغصان الملتفة { ولا على الأعرج حرج } فى اليأَو على الرجل أو الفخذ ، { ولا على المريض } بأى مرض معطل عن الغزو ، أو يزداد به أو يطول به أو يستقذر به { حرجٌ } فى أن لا يغزوا ، وفى أن يأكلوا مع الناس ، ولو كانت فيهم رائحة تكره لمرض أو صنان أو وسخ فى العين أو الأنف يبدوا ويأكلوا أكثر ، أو يأخذ الأعرج لعرجه زيادة موضع ، وفى أن يأكلوا من مال من جرهم اليه من قصدوه ، إذ كانوا يأتوه رجاء للأكل ، فلا يجد ما يطعمهم فيأتى بهم الى أبيه أو أمه أو نحوهما عمن يرجون معه ، فيتحرجون وفى أن يأكلوا ممن خرج غازياً ، وتركهم على طعامه أو ماله ، فنزلت . وإن كان الاصحاء يتحرجون عن الأكل مع هؤلاء أى لا يستوفون الأكل كالأصحاء ، فعلى بمعنى فى أى ليس فى مواكلة الأعمى أو للتعليل لا لمواكلة الأعمى او على ظاهر ، أى لا حرج على مواكلة الأعمى كما يقلل : لا عقاب على فعل كذا ، أى لا يبنى عقاب على ذلك ، أو متعلق الحرج هو قوله : { أن تأكلوا } من قوله : { ولا على أنْفُسكم } أيها الأصحاء حرج { أن تأكلوا } ايها الطوائف الثلاث والأصحاء ، وهو ضعيف ، لأن عموم الخطاب فى تأكلوا وما بعده للطوائف الثلاث تأباه غيبتهم فى قوله : { ليس على الأعمى } والصحيح أن الكلام تم فى حرج ، وذكر كلاماً آخر بقوله : { ولا على أنفسكم أن تأكلوا } . { من بيُوتِكُم } أنتم ومن معَكُم ، وذكر الأنفس إثارة الى معنى عليكم ، وعلى من فى مثل مالكم ، وفيه استعمال اللفظ فى حقيقته ومجازه ، فأولى منه لسلامته من ذلك أن يكون ذكره اشارة الى أن الأكل المذكور ، مع أنه لا حرج فيه لا يخل بقدر من له شأن ، كما كثر ذكر النفس فى ذى الشأن مثل : { كتب ربكم على نفسه الرحمة } [ الأنعام : 54 ] وقوله تعالى : " حرمت الظلم على نفسى " . { أو بُيُوت آبائكم أو بيوت أمَّهاتكم ، أو بُيُوت إخَّوانكم أو بُيُوت أخَواتكم أو بُيُوت أعمامكم أو بُيُوت عمَّاتِكم أو بيُوت أخوالكُم أو بُيُوت خالاتكم } كان هؤلاء من أب وأم ، أو أحدهما أو من الرضاع { أو ما ملكتُم مَفَاتحهُ } كناية عن الكون تحت اليد من بستان أو نعم ، بوكالة أو حفظ ، يأكل ويؤكل ، ولا يحمل ولا يدخر ، قاله ابن عباس ، وكذا سائر الطعام وغيره ، كما قال السدى ، والأولاد دخلوا لأن بيوتهم بيوت لآبائهم ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن أطيب ما يأكل المرء من كسبه وأن ولده من كسبه " وقال : " أنت ومالك لأبيك " وقيل : من بيوتكم من مال أولادكم وأزواجكم الذين فى بيوتكم ، وقيل : ما ملكتم مفاتحه عبيدكم عبر عنهم بما تشبيها بالجماد ، أو بالحيوانات والمفاتح جمع مفتح بدون ألف وقيل : مفتاح بالألف ، حذفت فى الجمع ياء . { أو صديقكم } أى أو صديق يؤكل واحد منكم ، ممن له صديق ، وقيل : يقع على الجماعة كما يقع على المفرد والاثنين ، لأنه بوزن مصدر السير والصوت ، وعلى كل حال لم يقل أصدقائكم اشارة الى قلة الصديق حتى قيل : @ صاد الصديق وكاف الكيمياء معا لا يوجدان فدع عن نفسك الطمعا @@ والى ان الاثنينية مرتفعة كأنهما واحد فى الأكل وهو أرضى بالتبسط من ذوى القرابة ، وهو من يصدق فى مودتك وتصدق فى مودته ، أو ولو لم تصدق أنت ، وقد استغاث الناريون بالصديق لا بالولد ، أو بالوالد فما لنا من شافعين ، ولا صديق حميم ، وقد جعله الله عز وجل مع النفس والأخ والأب ، قال أفلاطون : لا أحب أخى الشقيق إلا إذا كان صديقى ، وصديقى أحب الى من أخى . والآية باقية على اطمئنان النفس من صاحب المال ، كما فعلت الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم ، يدخل دار صديقه باستئذان فيسأل جاريته عن كيسه فتعطيه فيأخذ ما شاء ، فإذا جاء وأخبرته أعتقها سروراً ، ودخل أصحاب الحسن داره باستئذان ، وأكلوا أطيب طعامه ، فدخل فاستنار وجهه فرحا فقال : هكذا وجدناهم يفعلون ، يعنى الصحابة ، فلا نسخ لحديث : " لا يحل مال امرئ مسلم إلاَّ بطيب نفس " لأنا قد اشترطنا للآية الاطمئنان ، ويدرأ الحد عمن أكل من مال هؤلاء عندى ، لأنه يدخل جهراً بلا إذن ولا يبالى ، وإن كان فيه ساكن استأذن ، وليس ذلك سرقة وكأنه قيل : هل نفى الحرج فى الأكل من بيوت هؤلاء إذا كان مع أهل تلك البيوت أم مطلقا فنزل : { ليس عليكُم جناحٌ أن تأكُلُوا جَميعاً } مجتمعين { أو أشْتاتاً } جمع شتيت شذوذاُ ، أو جمع شت وهو الأصح مصدر بمعنى الوصف ، لا مبالغة إذ لا يوجد فوق الانفراد شىء يسمى شتيتاً يبالغ اليه ، وقيل الآية مستأنفة فى تشديدهم على انفسهم ان لا يأكلوا منفردين ، كان بنو ليث بن عمرو بن كنانة يمكث أحدهم يوماً ، او أكثر لا يأكل حتى يجد ضيفاً يأكل معه ، وقد وجد الطعام بين يديه من الغد ، والى الرواح ، وأكثر إبله جعل باللبن فلا يشرب حتى يمسى ، ولم يجد من يشرب معه فيشرب ، وكان الخليل عليه السلام لا يأكل حتى يمشى ميلا فى طلب من يأكل معه اتخذه الله خليلاً لذلك فى قول . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " شر الناس من أكل وحده ، وضرب عبده ومنع رفده " ففى ذم البخل ، وكان قوم من الأنصار إذا نزل بهم ضيف لم يأكلوا إلا معه ، ويدخل الغنى على الفقير يأكل فيدعوه للأكل ، فيقول لا أزاحمك فى طعامك وأنا غنى ، وإذا حضر الأعمى الأكل عزلوا له سهمه لئلا يأكلوا أكثر منه ، أو الجود دونه ، وكانوا يأكلون فرادى أيضاً خوفاً أن يأكلوا أكثر من صاحبه ، أو أن يحصل من احدهم ما ينفر الآخر مثل الزكام والحكة ، فنزلت الآية نهيا عن ذلك . { فإذا دخلتم بيوتاً } أردتم دخولها ، والمراد قيل البيوت المذكورة بدليل الفاء ، ويقاس عليها غيرها ، وصرح النبى صلى الله عليه وسلم بغيرها ، ووجه التنكير أن المعتاد دخول ثلاثة منها أو أكثر لأكلها أو اعتبر كل بيت يدخله { فسلِّمُوا على أنْفُسكم } أى على أهلها ، جعل أهل البيت كنفس الداخل لشدة الاتصال فى الحب للدين الحق ، حتى إنه أبيح الأكل من مال أهلها ، كأنه مال الداخل ، ويبعد ما قيل : إنه قال : { على أنفسكم } لأنك إذا سلمت رد عليك السلام بسلامك ، فكأنك سلمت على نفسك أو البيوت المساجد ، أو بيوت الداخلين ، أو بيوت الكفار ، أو كل الثلاثة ، فالأنفس على ظاهره ، فقد ورد أن داخل المسجد يقول : السلام علينا من ربنا ، وعلى عباد الله الصالحين ، وأنه إذا دخل بيتاً لا أحد فيه يقول : السلام علينا من ربنا ، وأنه إذا دخل بيت الكافر قال : السلام علينا من ربنا ، وشهر السلام على من اتبع الهدى ، وقد يقال هذا المشهور يعمل به فى غير البيوت ، والمأخوذ به أن لا يسلم على أهل الذمة . قال أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقوكم فى الطريق فاضطروهم إلى أضيقها " قال على : لا تسلموا على اليهود والنصارى والمجوس ، وفى الحديث : " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فلا تزيدوا على قولكم وعليكم " قال بعض قومنا : إذا مررت بقوم فيهم مؤمنون وكفار فقل : السلام عليكم ، تريد المؤمنين ، أو قل السلام على من اتبع الهدى ، وإذا أردت كتابة الى مشرك فاكتب : السلام على من اتبع الهدى ، وزعموا عن أبى أمامة الباهلى أنه لا يمر على كتابى إلا سلم عليه ، وأنه قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بافشاء السلام على كل مؤمن ومعاهد . وعن ابن مسعود : انه صحب دهاقين من المشركين فى السفر ، فلما دخلوا الكوفة افترق معهم فسلم عليهم ، فقيل له ، فقال : إن لهم حق الصحبة والسلام السلامة ، يدعى بها وإن أريد اسم الله سبحانه فليعن أن الله علكيم رقيب . { تحيَّة } مفعول مطلق لسلموا ، كقمت وقوفاً ، وأصله الدعاء بالحياة ، واستعمل لكل خير { مِنْ عِنْد الله } نعت تحية أو متعلق به ، والأول أولى { مباركة } يكثر خيرها وأجرها بعشر حسنات ، ومع الرحمة بعشرين ، ومع البركة بثلاثين { طيِّبةً } حسنة يطيب بها نفس السامع وزاده بعض فى التحية ، وأول التحيات مأخود من الآية كما قال ابن عباس { كذلك يُبين اللهُ لَكُم الآيات لعلَّكُم تعْقلُونَ } ما فيها من الشرائع والأحكام ، وتعلمون بها ، وفى الأثر إذا دخلت على أهل بيتك فسلم عليهم ، وإن لم يكن فى البيت أحد فقل : السلام علينا من ربنا وعلى عباد الله الصالحين ، لأن الله تعالى قال : { فإذا دخلتم بيوتاً فسلِّموا على أنفُسكم تحيةً من عند الله } والآية تقتضى الأمرين جميعاً ، التسليم على الأهل إن كان فيه أحد ، وعلى نفسه إن لم يكن فيه أحد ، وعن قتادة إذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإنه يؤمر بذلك ، وإن كان فيه أحد فأهلك أحق بسلامك ، قال ابراهيم النخعى : إذا دخلت بيتك وسلمت قال الشيطان : لا مقيل لى ، وإذا سمى على طعامه قال : لا مقيل ولا مطعم ، وإذا سمى على شرابه قال : لا مقيل ولا مطعم ولا مشرب .