Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 111-112)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَن يَضُرُّوكُمْ إلاَّ أَذَى } الأذى الضر اليسير ، لن يضروكم أيها المسلمون إلا مضرة أذى بطعن فيكم ، وفى بعض الأنبياء والتثليث والنبوة لعيسى وعزير ، والتحريف والتخويف ، وسب من أسلم منهم كما جعله رؤساؤهم ككعب وأبى رافعٍ وأبى ياسر وكنانة وابن صوريا ، لعنهم الله عز وجل ، أما مضرة قتل وسبى وغنم وضرب ونحو ذلك فلا إلا شاذَّا ، أو الاستثناء منقطع { وَإن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلَّكُمُ الأَدْبَارَ } يصيروكم تالين أقفيتهم وظهورهم ومقاعدهم وبواطن سوقهم لفرارهم قدامكم { ثُمًَّ لاَ يُنصَرُونَ } بدفع بأسكم عنهم ، أو تغليهم عليكم ، بل يبقون على الذل والهوان ، فالترتيب زمانى باعتباره بين المعطوف عليه وأخر أجزاء المعطوف ويجوز أن يكون ترتيب إخبار ، وأن يكون ترتيب ربتة ، أى وأعظم من ذلك بقاءهم عَلَى الذل أبداً ، فلا ينشئون قتالا ، وإن أنشأوه كانت الدائرة عليهم ثم يكونون ، لا يمكن لهم إنشاؤه ، لاستحكام الذل عليهم ، وهكذا حال قريظة والنضير وبنى قينقاع وخيبر وغيرهم ، حاربوا المسلمين ولم يثبتوا ولم يقاتلوا شيئاً ، والعطف على جملة الشرط ، والجزاء لا على الجزاء بدليل ثبوت النون ، وذلك إخبار بالغيب على طبق الواقع ، كما قال الله جل وعلا : { ضُرِبَتْ } ألزمت ، كقبة بناء محكمة { عَلَيْهِمُ الذِّلَةُ } ضعف القلب فلا يقدرون على نصر أنفسهم ، فهم يقتلون ويؤسرون وتغنم أموالهم ، وتسبى ذراريهم وتؤخذ أرضهم وغيرها ، وتؤخذ عنهم الجزية دون ذلك ، إن أذعنوا لها ولا ملك معتبر ، ولا رئيس معتبر لكفرهم وتمسكهم بالدين المنسوخ وببدعهم ، شبه خزيهم بقبة بجامع الإحاطة ورمز إليها يلازمها ، وهو الضرب ، وهو تخييل فذلك استعارة مكنية تخييلية ، أو شبه الإحاطة بالضرب على الاستعارة الأصلية ، واشتق منه على التبعية ضُرِب { أَبْنَ مَا ثُقِفُوا } وجدوا { إلاّ بِحَبْلٍ مّنَ اللهِ } أى فى جميع الأحوال إلا حال تلبسهم بعهد الله ، وهو أيضاً حبل من الناس ، كما قال { وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ } وهما حبل واحد ، كان من الله بخلقه ، ومن الناس يجريه على أيديهم ، وذلك أن يقضى الله أن يكونوا تحت إمام أو رئيس مسلم بالجزية ، أو يحسب ما يظهر له مما هو صلاح للإسلام ، أو تحت كافر يرد عنهم الظلم ، أو حبل الله الجزية ، وحبل الناس ما يرضون به منهم ، أو حبل الله الإسلام وحبل الناس العهد والذمة إن لم يسلموا ، ولم يقل ، أو حبل ، لأن المراد أنه يكون النوعان تارة هذا وتارة ذاك ، وأعنى عن جواب أين ما قبلها ، ولا تقل محذوف دل عليه ما قبله ، إذ لا دليل على أن المراد ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا ضربت عليهم الذلة بالتكرير وأنه حذف الثانى للأَول { وَبَآءُوا } رجعوا ، وهو كناية عن استحقاقهم بما ذكر بعده من الغضب كما قال { بِغَضَبٍ } إرادة الانتقام ، أو نفس الانتقام { مِنّ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المَسْكَنَةُ } مثل ضربت عليهم الذلة ، ألزموا صورتها كلهم ، أغنياؤهم وفقراؤهم ، لئلا يطالبوا بمال ، أو ليطلبوا بقليل لا كثيرا ، والمراد أنه يكون أكثرهم فقراء ومساكين { ذَلِكَ } ما ذكر من ضرب الذلة والمسكنة والبوء بغضب { بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِأيآتِ اللهِ } يكفرون ببعض التوراة وبالإنجيل والقرآن { وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَآءَ بِغَيْرٍ حَقٍّ } تأكيد ، لأن قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير حق ، أو بغير حق فى علمهم أيضا ، وإذا ذُمَت اليهود مثلا بما لم يفعلوا فلرضاهم بفعل أوائلهم ، ولأنهم لو وجدوا لفعلوا ، ألا ترى أنهم تعاطوا قتل النبى صلى الله عليه وسلم بالصخرة وبالسم وغير ذلك ، أو ذم ذلك الجنس العاصى ، بأن فيهم فعل كذا وفعل كذا ، ولو تفرقت تلك الأفعال فيهم ، ولا يدخل مسلمهم فى { ذَلِكَ } أى ما ذكر من قتلهم الأنبياء بغير حق ، وكفرهم بآيات الله ، أو ضرب الذلة والمسكنة والبوء بالغضب ، فيكون عللهنَّ بالكفر والقتل وبالعصيان والإعتداء ، والأول أولى { بِمَا عَصَوْا } أى عصوا الله ، والصغيرة تجر إلى الكبيرة ، والكبيرة إلى الشرك ، يضعف بالصغيرة فيفسق ، فيزيد ضعفاً فالفسق فيشرك ، ومثل ذلك أن يترك السنة فيؤديه إلى ترك الفرض ، فيؤديه تركه إلى احتقار الشريعة فيشرك { وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } أى ذلك بعصيانهم وكونهم يعتدون ، يتجاوزون الحدود فيتناولون الحرام ، ولهم فى الحلال غنى ، ولا حرام إلا بإزائه حلال مغن عنه .