Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 121-121)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ إذْ غَدَوْتَ } اذكر لنفسك وأصحابك ، لأجل ماترتب على غدوك ، أو اذكر الحادث إذ غدوت { مِْن أَهْلِكَ } أهل المدينة ، الأوس والخزرج ، أمره بالذكر ليعلم أصحابه عاقبة الصبر وسوء المخالفة إذ خالفوك فاشتغلوا بطلب الغنائم ، وقد أمرتهم ألا يبرحوا فى ثغر أُحد ، وظنوا الأمر كأمر بدر ، وإنما نصروا يوم بدر وغنموا ببركة صبرهم وطاعتهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم بخلاف يوم أُحد فخالفوه أمره ، فكان القتل والأسر فيهم ، فهذا تقرير لقوله : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً } [ آل عمران : 120 ] ، فإن لم يصبروا وخالفوا أمرك نصر عليهم العدو ، وتقرير لقوله : { لا تتخذوا بطانة من دونكم } [ آل عمران : 118 ] ، فإن عبد الله بن أُبىّ بن سلول انخذل بثلاثمائة عمداً لخذلان المسلمين ، والمراد بالغدو مطلق الذهاب ، استعمالا للمقيد فى المطلق ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بعد أن صلى الجمعة لا أول النهار ، وسلول أم عبد الله ابن أُبى لأجد له ، فهو مكتوب ابن سلول بالألف وتنوين أُبىّ ، ويجوز أن يكون الغدو على ظاهره ، وأصله من بات معه خارجا ، فإنه خرج من بيت عائشة على رجليه بعد صلاة الجمعة ، وقد أقام المشركون الأربعاء والخميس ، وبات ليلة السبت سابع شوال أو خامس عشر ، سنة ثلاث عند بعض ، فى شعب أخذ ، على أقل من فرسخ من المدينة ، ولما أصبح غدا ينزل أصحابه فى منازل القتال ، كما قال { تُبوِّىءُ المُؤمِنِينَ } تنزلهم { مَقاعِدَ لِلقَتَالِ } مراكز له ، شبهها بمواضع القعود مبالغة فى ملازمتها ، وعدم التخلف عنها . خرج صلى الله عليه وسلم بألف ، وقيل : بتسعمائة وخمسين رجلا ، والمشركون ثلاثة آلاف ، وفيهم مائتا فرس ، وجعل ظهره وعسكره إلى أحد فى عدوة الوادى ، وسوى صفوفهم ، وأجلس جيشاً رماة خمسين رجلا ، وأمّر عليهم عبد الله بن جبير ، وكان معلماً بثياب بيض ، بسفح الجبل ، وقال : انضحوا عنا بالنبل ، لا يأتونا من ورائنا ، ولا تبرحوا ، ولو رأيتم الطير تخطفنا ، أو رأيتمونا غانمين ، وإذا عاينوكم وولوا الأدبار فلا تتبعوهم ، ولما بلغ عبد الله ابن أُبىّ موضعاً يسمى الشوط رجع بثلاثمائة ، وتبعهم أبو جابر السلمى ، يقول : أنشدكم الله فى نبيكم وأنفسكم ، وبقى المسلمون سبعمائة أو ستمائة وخمسين ، وهزموا المشركين ، ولما ترك الجيش الرماة مركزهم وأكبوا على الغنيمة خرج عليهم خالد مع كمينه ، واجتمع إليه من تفرق من المشركين ، فهرب المسلمون ، ولم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سبعة من الأنصار ورجلان من قريش فى رواية ، أو اثنا عشر أو ثلاثون ، وبسطت قصة أُحد فى شرح النونية : تيمم نجدا فى تلهفة الجانى وقصد الكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشجوا رأسه ، وكسروا رباعيته ، وثبت معه طلحة ، ووقاه بيده فشلت إصبعيه ، وجرح فى أربعة وعشرين موضعاً ، وغشى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاحتمله طلحة ورجع به ، وكلما أدركه مشرك وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتل حتى أوصله موضعاً فيه جملة من الصحابة ، ولم يفر أبو بكر ولا عمر ولا على ونحوهم ، ولكن كانوا فى موضع غير موضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصيح أن محمداً قتل ، وكان فى جملة من معه رجل من الأنصار ، يكنى أبا سفيان ، فنادى ، هذا رسول الله ، فرجع إليه المهاجرون والأنصار ، وقد قتل منهم سبعون وأسر سبعون ، وكثر الجراح ، فقال صلى الله عليه وسلم : " رحم الله رجلا ذب عن إخوانه " ، وشد على المشركين بمن معه حتى كفهم عن القتلى والجرحى ، وأعانهم الله حتى هزموا المشركين عن القتلى والجرحى ، وسبب أنخذال عبد الله بن أبى بثلاثمائة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار وأصحابه وعبد الله بن أبى ، ولم يدعه قبل ذلك ، فقال هو وأكثر الأنصار ، أقم يا رسول الله فى المدينة ، ولا تخرج إليهم ، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو إلا أصاب منا ، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه ، فكيف وأنت فينا فدعهم ، فإن أقاموا أقاموا بشر محبس ، أى لا ماء ولا طعام ، وإن دخلوا قاتلهم الرجال ورماهم النساء والصبيان من فوقهم بالحجارة ، وإن رجعوا رجعوا خائبين ، وأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرأى ، وقال بعض أصحابه وشبان ممن لم يحضر بدراً وتمنى الحرب واستشهد يوم أحد ، أخرج بنا إلى أعدائنا الأكالب ، لئلا يروا أنا خفناهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد رأيت فى منامى بقرة مذبوحة حولى ، فأولتها خيراً ، ورأيت فى ذباب سيفى ثلما فأولته هزيمة ، ورأيت كأني أدخلت يدى فى درع حصينة فأولتها المدينة فإن رأيتم أن نقيم فيها أقمنا فإن دخلوا اقتلناهم " ، ويقال : ذبح البقر قتل ناس من أصحابه ، والذبابه فى سيفه قتل رجل من أهله ، فلم يزالوا حتى دخل منزله ، ولبس لأمة الحرب صلى الله عليه وسلم وتقلد سيفه وأخذ رمحه ، وألقى القوس على ظهره ، فخرج إليهم تام السلاح ، فقالوا : بئس ما صنعنا ، نشير عليك والوحى ينزل عليك ، واعتذروا ، فقالوا : أقم إن شئت يا رسول الله ، فقال : ما ينبغى لنبى ليس لأمة الحرب أن يرجع حتى يقاتل ، وشق خروجه على عبد الله بن أبى ، وقال : أطاع الولدان وعصانى ، وقال لأصحابه : إنما يظفر بعدوكم بكم ، وقد عد أصحابه أن أعداءهم إذا عاينوهم انهزموا ، فإذا رأيتم أعداءهم فانهزموا يتبعوكم فيصير الأمر خلاف ما قاله ، ففعلوا ، ولم يؤثر ذلك ، بل غلب المسلمون أعداءهم حتى ترك الرماة موضعهم نزع الرعب من قلوب المشركين ، فكروا راجعين ، وخرج الكمين { وَاللهُ سَميعٌ } للأقوال { عَلِيمٌ } بالنيات والأفعال والأوصاف .