Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 143-144)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ } تتمنون لقاء الموت ، أى الحرب ، سماها موتاً لأنها سبب ، أى الموت بالشهادة والخطاب للذين لم يشهدوا بدراً وتمنوا أن يشهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حرباً لينالوا ما نال شهداء بدر ، وألحوا فى الخروج إلى أحد مع كراهة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما مر ، وليس فى ذلك إعانة أهل الشرك ، لأن القصد نيل الثواب لا غلبتهم ، مع أن موت بعض قليل ليس غلبة ، وقد تمنى عبد الله بن رواحة أن يموت شهيداً ، أو لم ينهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأيضاً كل من تمنى أن يموت شهيداً يحب أن ينصر الله عز وجل دينه ويحفظ أهله { مِنْ قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ } تشاهدوا شدته { فَقَدْ رَأَيْتُموهُ } أى شاهدتم الموت فى أصحابكم ، أو شاهدتم الحرب بسيوفها ورماحها من عدوكم وجبنتم وانهزمتم مع أنكم السبب فى تهييجها ، ولم تصدقوا فى دعواكم ، ولا سيما مجرد تمنى للشهادة ، فإنه لا يجوز لأن فيها غلبة الكفرة ، بل يسأل الإنسان الظفر على العدو والنجاة لنفع الإسلام بعد ، فإن قتل فشهادة رزقها ، يصبر لها ، فالآية توبيخ لهم عَلَى مَا ذكر ، وعَلَى الإلحاح ، ومقتضى الظاهر فقد لقيتموه ، لكن ذكر الرؤية تلويحاً بأنهم كمن رآه وها به ولم يدخله ، أو للمبالغة فى أنهم شاهدوه { وَأنتُمْ تَنظُرُونَ } حال مؤكدة لرأيتموه ، مبينة أن الرؤية بصرية ، كقولك رأيته وليس فى عينى علة ، أو الرؤية علمية ، والنظر بصرى ، أو تنظرون محمداً صلى الله عليه وسلم ، أو تتأملون كيف الحرب ، فالجملة حال مؤسسة ، ولما نودى فى هزيمة أحد ، أن محمداً قد قتل فشل كثير من المسلمين وهربوا ، كما مر وقال المنافقون ، بعض لبعض : إن قتل محمد فارجعوا إلى دينكم فرجع بعض ، وفى ذلك نزل قوله تعالى { وَمَا مُحَمَّدٌ إلاّ رَسُولٌ } لا يتجاوز الرسالة إلى الألوهية ، فتترك العبادة لموته ، ولا إلى الحياة أبداً بل يموت كما مات الرسل بقتل أو بغيره ، كما قال { قَدْ خَلَتْ } مضت بالموت { مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ } وذلك قصر إفراد ، وله وجه آخر ، هو كأنهم اعتقدوا له الرسالة والبعد عن الموت ، فقصر عَلَى الرسالة ، فيكون قد خلت مستأنفاً ، ولا يلزم من وقوع الجملة بعد النكرة أن تكون نعتاً لها ، وأيضاً يجوز أن تكون نعتاً لرسول مؤكداً ؛ لأن عدم انتفاء الموت معلوم من حصره على الرسالة ، أو قصر قلب إذ توهموا أنه لا يجب البقاء على دينه بعد موته ، وهذا القصر منصب على النعت ، وهو قد خلت ، أما المنافقون فقالوا ، لو كان رسولا لم يمت ألبتة ، أو لم يمت بالقتل ، وكلاهما توهم بعيد وأما ضعفاء المسلمين فضعفت قلوبهم بموته وكأنهم استبعدوا موته فى الوقعة ، ولما قيل بموته فت فى عضدهم ، والآية فيهم لا فى المنافقين لقوله : " فإن مات . . إلى … ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا " لأن المنافقين فى ضلال ، بقوا عَلَى النفاق ، أو أظهروا الشرك ، اللهم إلا أن يقال جازاهم على ظاهر أمرهم ، وإلا فهم فى ضلال ، انقلبوا عَلَى عقبهم أو لم ينقلبوا ، لا كما فى قوله تعالى { أَفَإن مَّاتَ } بلا قتل { أَوْ قُتِلَ } كسائر الناس ، والرسل وغيرهم { انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } رجعتم إلى الكفر بعد إذ خلفتموه وراءً ، توهموا أنه نبى لا يموت ، وأنه إن مات لم يجب البقاء على دينه ، والتقدير : أتضعفون ، أو أتؤمنون به فى حياته ، وأفإن مات ، والأولى أن معنى الانقلاب نقص الدين بزواله كله إلى الشرك ، كما وقع من بعض ، أو بضعفه ، أو بإظهار المنافقين الشرك أو بفعل ما يشبه الكفر من الانكشاف عنه صلى الله عليه وسلم والفشل ، ويجوز أن يكون المراد النهى عن الردة لمن لم تقع منه ، كمن رأى من أحد قرب فعل شىء ، فقال له : أتفعل كذا ، وقيل : هى فى أهل الردة ، وقيل فيهم وفى إظهار المنافقين الشرك ، وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، علمنا أن الإيمان يزداد فهل ينقص ، فمثلا الآية { وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ } بالردة { فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً } بكفره ، بل ضر نفسه بعذاب النار الدائم لما هزم المسلمون يوم أحد ، قال بعض الضعفاء من المؤمنين ليت ابن أبى أخذلنا أماناً من أبى سفيان ، وقال المنافقون : لو كان نبيَّا لم يقتل ارجعوا إلى إخوانكم ودينكم { وَسَيَجْزِى اللهُ الشَّاكِرِينَ } له على نعمة الإسلام ، وقيل الشاكرون الثابتون على الإسلام ، لأن الثبات عليه ناشىء عن تيقن حقيقته ، وذلك شكر ، قال على : الصِّدِّيق أمير الشاكرين ، والمراد فى الآية الشاكرون إلى قيام الساعة ، وقيل المهاجرون والأنصار كأنس بن النضر عم أنس بن مالك لأنه قال : يا قوم إن كان محمد قتل فإن رب محمد حى لا يموت ، وما تصنعون بالحياة بعده ، فقاتلوا على ما قاتل عليه اللهم إنى أعتذر إليك مما يقول هؤلاء ، يعنى ضعفاء المسلمين ، وأبرأ مما قال هؤلاء ، يعنى المنافقين ، وشد بسيفه فقاتل حتى قتل ، ونزلت الآية فيه ، قال كعب بن مالك : كنت أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين بعينيه تزهران من تحت المغفر فناديت بأعلى صوت ، يا معشر المسلمين ، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأشار إلىَّ أن أسكت ، فانحاز إليه ثلاثون وحموه ، وتفرق الباقون ، وقد ضربه عتبة بن أبى وقاص وابن قمثة ، فصرخ صارخ ، قتل محمد ، ولا يدرى الصارخ ، ولعله الشيطان أو إبليس ، وأدركه أبى بن خلف الجمحى ، وقال : لا نجوتُ إن نجوتَ ، فقال أصحابه الثلاثون : يا رسول الله ، ألا يعطف عليه واحد منا ، قال : دعوه ، فدنا ، فتناول صلى الله عليه وسلم الحرية من يد بعضهم ، وهو الحارث بن الصمة ، فطعنه فى عنقه وخدشه فهو يخور كالثور ، ويقول : قتلنى محمد ، فقال له أصحابه : لا بأس ، فقال : لو كانت هذه الطعنة فى ربيعة ومضر لأهلكتهم ، وقد قال لى : أقتلك ، فلو بصق على لقتلنى ، وبقى يوما ومات بسرف ، وكان يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم لى رمكة أعلقها كل يوم فر قادرة أقتلك عليها ويقول صلى الله عليه وسلم : بل أنا أقتلك إن شاء الله تعالى .