Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 159-159)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ } ما صلة للتأكيد ، وكذا فيما تقضهم ، وعما قليل ، وجند ما هنالك ، وعما خطاياهم ، ومما خطيئاتهم ، أو بمعنى شىء ، أو خصلة ، فتبدل منها رحمة ، أَبهم ثم بين ، وقدم للحصر على متعلقه وهو قوله { لِنْتَ لَهُمْ } سهلت ، بتحمل آذاهم ، ومخالفتهم إياك يوم أحد إذ تركوا المركز الذى تركه أدى إلى قتل مسلمين كثيرين ، وأفراح العدو بالقتل والأسر ولم تعنفهم ولم تحقد عليهم بذلك مع عظم موقعه فى الدين ، ومع مقتضى جبلة البشر من الحقد والعقاب وسكنوا إليك لذلك ، وهو ضد أخلاق الفظ الغليظ ، كما قال الله جل وعلا { وَلَوْ كُنْتَ فَظَّا } سيىء الخلق { غَلِيظَ القَلْبِ } قاسيه ، فظظت وأغلظت عليهم ، وقيل : فظ القول غليظ القلب فى الفعل ، وقيل : الفظ فى القول والفعل ظاهر ، أو غلظ القلب سوء الباطن ، وجاء الخبر ، إِن أبعد القلوب عن الله القلوب القاسية { لاَنفَضُّوا } تفرقوا { مِنْ حَوْلِكَ } والله سبحانه وتعالى يأمر باللين للسلامة معه من الظلم ، ولجلب الناس إلى دين الله ولإبقائهم عليه ، ولو لم يلن ، وإذا أفضى الله تعالى : جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ، وقال : { فَشرِّد بهم مَن خَلْفهم } [ الأنفال : 57 ] ، وقال : { ولا تأخذكم بهما رأفة } [ النور : 2 ] ، وقال : { أشداء على الكفار } [ الفتح : 29 ] { فَاعْفُ عَنْهُمْ } فعلوه من ترك المركز ومن انهزامهم وإلحاحهم قبل ذلك الخروج إلى أحد وغير ذلك مما هو من حقوقك { وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ } فيما لك وفيما لله { وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ } الحرب وغيرها من أمور الدنيا والدين ، إلا أن المشاورة فيه إنما هى فى طريق إمضائه بأى وجه ، وأما إمضاؤه فواجب لا مشاورة فيه ، وحكمة المشاورة الاستعانة برأيهم وترك رأيه إلى رأيهم ، إذا ظهر له الصلاح فى الترك ، وظهور نصح من ينصحه ، ومعرفة مقادير عقولهم وأفهامهم ، وتطييب نفوسهم وجلبهم وإذهاب أَضغانهم ، وأنه يشق على سادات العرب ألا يشاوروا ، وأن تقتدى الأمة به فى الشورى فيظفروا بالرأى الصالح قال صلى الله عليه وسلم لأبى بكر وعمر : " لو اجتمعتما فى مشورة لم أخالفكما " ، رواه أحمد عن عبد الرحمن بن غنيم ، وأخرج الطبرى عن قتادة ؛ أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه فى الأمور ، وهو يأتيه الوحى من السماء لأنه أطيب لنفوس القوم ، وليكون سنة بعده ، ولا يشاورهم فيا أوحى إليه إلا على بيان طريق إنفاذه ، وروى ابن عدى والبهقى أنه قال صلى الله عليه وسلم لما نزلت الآية ، " أما إن الله ورسوله لغنيان عن الشورى ، ولكن جعلها الله تعالى رحمة لأمتى " ، وفى البخارى قرأ ابن عباس ، وشاورهم فى بعض الأمر ، وليست الآية أن يشاورهم مطلقا أو كلهم ، بل من يتأهل لها بالتدبير ، روى الحاكم والبيهقى عن ابن عباس أنها نزلت فى أبى بكر وعمر ، أى ويحكم لمثلهما بحكمها ، وأل فى الأمر للحقيقة لا للاستغراق ولا للعهد { فَإذَا عَزَمْتَ } ثبت على العزم ، بأن كان الأمر دينيَّا لا يحتاج إلى تفكر يؤدى إلى إمضائه ، أو جزم الله طريقه ، أو دنيويا وعينه أو غير ذلك ، وقد عزمت فيه بعد الشورى على رأيك أو رأيهم { فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ } اعتقد أن النافع الضار هو الله ، ولا تأثير لغيره من أحد أو رأى ، والتوكل لا ينافى الكسب والمشاورة ، فإن الإنسان يراعى الأسباب ولا يعول عليها ، بل قضاء الله عز وجل ، وليس التوكل إهمال النفس عن الأسباب فيما يحتاج إلى الأسباب ، وذلك نص الآية ، إذ جمعت بين المشاورة وهى استخراج الرأى كاستخراج العسل ، وبين التوكل ، وأقوى التوكل ألا تطلب لنفسك ناصراً غير الله ، ولا لرزقك خازناً غيره ، ولا لعملك مشاهداً غيره ، وإذا لم يحتد أمر إلى كسب فالتوكل فيه مجرد عن الكسب ، أو كان مما لا يضر فيه ترك الكسب جاز ترك الكسب فيه { إنَّ اللهَ يُحِبُّ } منصر وينفع ويهدى { المُتَوَكِّلِينَ } عليه جل وعلا .