Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 18-19)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ } بيّن لخلقه بالدلائل من مخلوقاته والآيات المنزلة ، أنه لا يستحق العبادة سواه ، أو شهد لخلقه بذلك ، قال صلى الله عليه وسلم : " يجاء بصاحب هذه الآية شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، إن الدين عند الله الإسلام ، فيقول الله : إن لعبدى هذا عندى عهداً وأنا أحق من وفى بالعهد ، أدخلوا عبدى الجنة " ، والناس يتوهمون أن آخر الآية العزيز الحكيم ، وليس كذلك بل آخرها الإسلام ، كما نص عليه هذا الحديث ، فالإسلام آخرها نظير الألباب والوهاب والميعاد والنار والعقاب والمهاد والأبصار والمآب والأسحار والحساب والعباد ، ولما نزلت خرت الأصنام حول الكعبة ثلاثمائة وستون سجداً لله ، قال حبران جاءا من الشام : ما أشبه هذه المدينة بمدينة آخر الأنبياء ، ولما دخلا عليه صلى الله عليه وسلم عرفاه ، فقالا : أنت محمد ؟ فقال : نعم ، قالا : أنت أحمد ؟ قال : نعم ، قالا : إن أخبرتنا عن أعظم شهادة فى كتاب الله آمنا بك ، فنزلت الآية ، فأسلما . وعنه صلى الله عليه وسلم : من قرأها عند نومه فقال ، أشهد بما شهد الله ، وأستودع الله هذه الشهادة يقول الله يوم القيامة : إن لعبدى … إلى آخر ما مر ، وقيل : نزلت فى نصارى نجران ، إذ حاجوا فى عيسى عليه السلام ، وقيل فى اليهود والنصارى إذ تركوا اسم الإسلام ، وتسموا باليهود والنصارى ، وقالت اليهود : ديننا أفضل من دينك { وَالمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ } من العرب وأهل الكتاب كعبد الله ابن سلام ، ومن غيرهم ، لا خصوص الأنبياء أو المهاجرين والأنصار ، أو علماء مؤمنى أهل الكتاب كما قيل ، وشهادة الله التبيين بنصب الأدلة ، أو إنزال الكلام فى ذلك ، وشهادة الملائكة وأهل العلم التبيين بالكلام أو بالاحتجاج ، فشهادة الله وغيره بيان ، فلا جمع بين الحقيقة والمجاز ، ننفيه أو نؤوله بعموم المجاز ، أو بتقدير فعل ، أي وشهد الملائكة وأولو العلم ، كما إذا اقتصرنا على ظاهر أن شهادة الله بيان ، وشهادة الملائكة والعلماء إقرار ، أو شهادة العلماء احتجاج ، وقدم الملائكة ، لأن فيهم الوسائط لإفادة العلم لذويه ، أو لأن علمهم كله ضرورى ، أما غيرهم فعلمه منه الضرورى والكسبى { قَآئِماً } حال من لفظ الجلالة أو لفظ هو ، والأول كقولك : جاء زيد راكباً وعمر وبكر { بِالْقِسْطِ } الباء للتعدية ، أى مقيما القسط ، أى العدل فى قسمة الأرزاق والآجال ، { نحن قسمنا بينهم معيشتهم } [ الزخرف : 32 ] ، وفى تعيين الشرائع والمحرم والواجب والمندوب إليه ، والمكروه والمباح ، وآخر للدلالة على قرب منزلة الملائكة وأولى العلم { لآَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } تأكيد ، أو الأول شهادة ، وهذا حكم بها ، أو الأول وصف ، والثانى تعليم ، أى اشهدوا كما شهدت ، كذا قيل ، وفيه ، أنه يغنى عنه قوله : والملائكة وأولو العلم { العَزِيزُ } راجع لقوله لا إله إلا هو ، لأن العزة تلائم الوحدانية { الْحَكِيمُ } راجع لقوله ، قائماً بالقسط ، لأن الحكمة تلائم القيام بالقسط ، قالت اليهود : لا دين كاليهودية ، والنصارى : لا دين كالنصرانية ، فنزل : { إنًّ الدِّينَ } المرضى { عِندَ اللهِ } أو الكائن عند الله ، أو أن المشروع عند الله ، فعند متعلق بمحذوف كون عام نعت حذفا واجبا ، أو بنعت محذوف جوازاً كونا خاصا ، وليس ذلك خطأ من قائله ، لأنه جرى على قول لمن تقدمه ، ذكره الدمامينى ، أو متعلق بالدين لتأويله بمشروع ، والتعليق باعتبار التأويل كثير ، نحو زيد أسد فى الحرب ، وذلك كله أولى من أن يعلق بنسبة الكلام ، أي أن الدين محكوم له عند الله بأنه الإسلام ، لأن هذا معنى وعبارة أخرى لا إعراب ، ولا يجوز أن يكون حالا من اسم إن ، لأنه ليس لأن حدث مسلط عليه ، ليكون الحال قيداً له ، أو تأكيداً له { إلإِسْلاَمُ } الشرع المبعوث به الرسل المبني على التوحيد ، فالجملة مؤكدة ، لأن الشهادة بالوحدانية والعدل والعزة والحكمة أسس الدين وقاعدة الإسلام ، والإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، والعمل لما جاء به من فعل أو ترك ، قال على : إن المؤمن يعرف إيمانه في عمله ، وعليكم بالإسلام ، ولا ينبغى أن يختلف فيه ، ألا نرى إلى قوله : { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } [ آل عمران : 102 ] { وَمَا اخَتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } فى دين الإسلام ، إذ قال قوم إنه باطل ، وقوم إنه حق ، وقوم بأنه مخصوص بالعرب ، وفى التوحيد إذ قال بعض اليهود عزيز بن بالله ، وقال النسطورية من النصارى : إن الله ثالث ثلاثة ، واليعقوبية بالاتحاد أن الله هو المسيح ، والملكاثية إذ قالوا بالأقانيم الثلاثة ، الوجود والعلم والحياة ، وسموها الأب والابن وروح القدس ، وأن أقنوم العلم انتقل إلى جسد عيسى ، فجوزوا الانتقال ، فكتبت وقرئت متغايرات مستقلة ، وفى وصفهم بإيتاء الكتاب تقبيح لهم ، حيث اختلفوا مع إيتاء التوراة والإنجيل والزبور وغير ذلك . روى أن موسى عليه السلام استخلف سبعين حبراً على التوراة حين احتضر ، واستخلف عليهم يوشع ، واستاموا إلى القرن الرابع فاختلفوا فى الدين ، ووقع عليهم الكفر والقتال حرصاً على السلطنة وزخارف الدنيا ، وسلط عليهم جبابرتهم فنزلت الآية فى شأنهم ، وقيل الكتاب الجنس ، والذين اليهود والنصارى { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ } التوحيد والحق المطلق وعرفوه أو مجىء العلم دخوله قلوبهم ، بفهمه بعد نزوله وتمكنه فيها { بَغْيا } خروجاً عن الطاعة بالحسد وطلب الرياسة ، وهو يؤدى إلى أنكار الحق { بَيْنَهُمْ } واقعاً بينهم ، دائراً فاشيا ، زاد الله عز وجل تقبيحهم بأن اختلافهم بعد مجيء الكتاب ، وأنه بعد مجىء العلم ، وبأنه بالبغى ، ولا حصر فى ذلك إلا من خارج ، وما هو إلا كقولك ، ما ضربت إلا ابنى تأديبا ، واعتبار الحصر فيه مثل اعتباره فى قوله : كما صرب إلا زيد عمراً بمعنى ما ضرب أحد أحداً إلا زيد عمراً { وَمَن يَكْفُرْ بِأيَآتِ اللهِ } النازلة الناطقة بالوحدانية ، وبأن الدين عند الله الإسلام من التوراة والإنجيل والقرآن ، أو الآيات الناطقة وغيرها { فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ } أى يجازه بكفره وما ترتب عليه ، لأن حسابه سريع ، لا بطء فيه ، لا يحتاج إلى فكر إذ علمه قديم محيط لا يخرج عنه شيء أو يأت حسابه قريباً ، لأن الله سريع الحساب .