Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 36-36)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا } أى وضعت ما فى بطنها ، ولفظ ما مذكر ، وأنثه لأن هذا من كلام الله ، وهو عالم بأن ما فى بطنها أنثى ، فراعى جانب المعنى ، وليس نفى بعض لهذا الوجه صحيحاً ، ويجوز أن يكون التأنيث باعتبار ما بعد ولادتها ، ويناسب التأنيث وضوحه فى الجواب ، كما يؤنث المبتدأ لتأنيث الخبر ولو كان ضمير المذكر ، وحاصل ذلك كله أنه أنث باعتبار الواقع { قَالَتْ رَبِّ } يا رب { إنِّى وَضَعْتُهَا } أى وضعته ، أى وضعت ما فى بطنى ، وأنت لما ذكرت ولاعبتار الحال ، وهو كالخبر ، وهو قوله { أُنثَى } لقاعدة ، أن كل ضمير وقع بين اسمين ، مذكر ومؤنث مدلولهما واحد ، يجوز تذكيره وتأنيثه ، لا باعتبار كون المتكلم عالما بالأنوثة ، فضلا عن أن يلزم كون أنثى حالا عنه لغوا ، أو التأنيث فى الموضعين باعتبار أن ما فى بطنها نفس ، أو حبلة ، وأن النفس أو الحبلة ولو مؤنثين يطلقان على الذكر والأنثى ، فبين الأنوثة بقوله أنثى ، و هو حال من ها ، ويجوز أن يكون بدلا منهما { وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } بأنوثة ما وضعت ، ولكن ذكرت إنى وضعتها أنثى تحسرا على عدم الذكر الذى قصدت لخدمة بيت المقدس ، واستجلابا للقبول بخضوع فلذا جوزيت بالقبول ، وأن هذا الأنثى كالذكر ، والكلام المنحصر فى الفائدة أو لازمها إنما هو الخبر ، وهذا إنشاء ، والإنشاء لا يكون معناه الفائدة ولا لازمها { وَلَيْسَ الَّذكَرُ كَالأُنثَى } هذا من كلام الله ، لا من كلامها ، معترض فى كلامها ، أى ليس الذكر المعهود الذى طلبت كالأنثى المعهودة التى أعطيت ، بل الأنثى التى أعطيت أفضل لمزايا يضعها الله تعالى فيها ، وإن كانت لا تصلح لخدمة البيت ، ويجوز أن يكون من باب القلب ، أى ليس مطلق الأنثى أو هذه الأنثى الموضوعة كمطلق الذكر المطلوب إذ لا تصلح لخدمة البيت ، فقلب ليفيد نكتة ، هى إيهام التعبير الأول من أن بعض أفراد النساء لكمالها أفضل ، أو جعل بالنسبة إليها مشبها ، ويجوز أن يكون من كلامها على القلب تضرعا منها ، فقلبه الله عنها لنكتة ، أو على معنى أن مراد الله أفضل من مرادى تعظما لعطيته تعالى ، ويجوز أن يكون بلا قلب من كلام الله أو كلامها على أنه لا يشبه الذكر بالأنثى ، لأنه أفضل ، وليسا سواء { وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ } تقربا إلى الله عز وجل لعصمتها ، وأن تكون من العابدات ، فإن مريم فى لغتهم العابدة الخادمة لله عز وجل ولو لم تصلح لخدمة البيت ، لأنها ولو خدمت ، لكن يقطعها الحيض ، وذلك بقاء على نية الخير وقصده بما فى بطنها ولا يخفى أن التسمية باسم العبادة لله إذا كان لحب الله ، وعبادته تقربٌ ناشىء عن القلب ، وقيل ، مريم معرب مارية ، بمعنى جارية فى لغتهم ، والتسمية قبل السابع جائزة كما فى الآية { وَإِنِّى أُعِيذُهَا } أمنعها { بِكَ } يا رب { وَذُرِّيَّتَهَا } وقدمت بك لمزيد اعتنائها بمريم { مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } أى المرجوم ، أى المطرود ، وذلك استعارة على الصحيح ، وقيل الرجم بمعنى الطرد حقيقة ، ولا يدل لذلك كلام القاموس ، لأنه يذكر المجاز فى معانى الكلمات ، مثل أن يقول ، الأسد السبع والشجاع ، واستجاب الله سبحانه دعاءها ، كما قال البخاري ومسلم عن أبي هريرة : كل ابن آدم يطعنه الشيطان فى جنبيه بإصبعيه حين يولد غير ابن مريم فإنه ذهب ليطعن فطعن فى الحجاب ، أى المشيمة ، وقيل ، حجاب من الملائكة مما يلى الأرض ، وقد يبس عن ظاهرها لدوران الملائكة عليه ، وذلك منها يتضمن الدعاء بحياتها حتى تلد .