Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 52-52)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلَمَّا أَحَسَّ } حصلت له ببعض حواسه المعرفة بكفرهم ، أو تحتقاه كالمحسوس المشاهد كذبوه وأرادوا قتله ، قيل : اشتد غضبهم عليه حين مر بامرأة تبكى عند قبر فيه ابنتها ، فقال لها : ما لك ؟ قالت : فى هذا القبر بنتى لا ولد لى سواها ، فصلى ركعتين ، فدعا ، فنادى ، يا فلانة ، فتحرك القبر ، ودعا فانشق ، ودعا فخرجت ، وقالت : اصبرى يا أماه ، ما دعاك إلى أن أموت مرتين يا روح الله ، ادع الله أن يوهِّن على الموت ، فدعا ، فاستوى عليها القبر ، وهذا من كلام الله وقيل من كلام الملائكة ، وفى الآية استعارة ما وضع لإدراك بإحدى الخمس ، وهو الإحساس للعلم ، استعارة أصلية واشتق على الاستعارة التبعية ، أحس بمعنى علم ، ولا يخفى أن ما أحس بإحداهن قد علم ولا بد فاطلق الملزوم وأراد اللازم ، فيكون بهذا الاعتبار مجاراً مرسلا ، والمعنى على كل حال ، فلما علم { عِيسَى مِنْهُمُ } من بنى إسرائيل ، اليهود { الْكٌفْرَ } به حتى أرادوا قتله ، إذ عرفوا فى التوراة أنه المسيح المبشر به فيها ، وأنه ينسخ بعض دينهم ، وأظهر دعوته فاشتد عليهم وشرعوا فى إيذائه بقذف أمه كما قذفوها إذ ولدته ، فكانوا يقولون ابن الزانية ، حاشاهما { قَالَ مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللهِ } من الذين يضيفون أنفسهم إلى الله فى نصرى ، ينصروننى كما ينصرنى الله ، أو ذاهبا إلى مربتة من إقامة دين الله ، أو موضع اتجرد فيه لعبادة الله ، أو ضامَّا نفسى إلى أولياء الله فى نصرة دينه ، ومحاربة عدوه ، أو ملتجئاً إلى الله معتصماً به ، أو من أنصارى مع الله ، أو فى دين الله ، أو لله ، وإلى متعلق بأنصارى فى جميع الوجوه إلا إذا قدرنا داها ، أو ملتجأ فبمحذوف جوازاً لأنه كون خاص ، والمفرد نصير كشريف وأشراف { قَالَ الْحَوارِيُّونَ } المفرد حوارى ، وهو خالصة الرجل ، من الحور ، وهو البياض الخالص ، والألف زائدة فى النسب ، سموا لأنهم ملوك يلبسون البياض ، أو قوم يبيضون الثياب للناس بالغسل ، أو بشىء اثنا عشر رجلا ، استنصر بهم على من عاداه من اليهود ، أو لصفاء قلوبهم ، أو لما فيهم من نور العبادة { نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ } أنصار أهل الله ، أو أنصار دين الله ، روى أنه مر بجماعة فيهم شمعون ويعقوب ويوحنا يصطادون السمك ويلبسون الثياب البيض ، فقال اتبعونى نصطد الناس للجنة ، قالوا : من أنت ؟ قال عيسى بن مريم عبد الله وسوله ، فطلبوا المعجزة ، وكان شمعون قد ألقى شبكته لك الليلة فما صاد شيئا ، فأمره عيسى بإلقائها فامتلأت حتى كادت تتمزق ، واستعانوا بأهل سفينة أخرى نملأوها فآمنوا ، وروى أن ملكا صنع طعاما للناس ، وكان عيسى على قصعة يأكل ولا تنقص يأكل الناس ، فقال له : من أنت ؟ قال : عيسى بن مريم ، فترك ملكه وتبعه مع أقاربه ، وقيل تبيض الثياب للناس بعد صحبتهم عيسى إذ جاعوا أو عطشوا أخرج لكل واحد رغيفين ، أو الماء بضرب الأرض بيده ، وقالوا : مَن أفضل منا ؟ قال : من يأكل من كسبه ، فكانوا يغسلون الثياب بأجرة ، وقيل : سلمته أمه لصباغ ، فأراد الخروج لهم وعلم له على ثياب بألوان يصبغها بعلامتها ، فجعلها فى لون واحد ، وقال : كونى بإذن الله كما أريد ، ولما رجع أخبره أنه جعلها فى لون واحد ، فقال : أفسدت علىَّ ثيابى ، قال : فانظرها ، فإذا هى على أحسن ألوان ، علامتها أحمر وأخضر وأصفر ، وهكذا ، فأمن هو والحاضرون ، وعلى كل قوله هم اثنا عشر ، ولا مانع من أن يكون بعض صياداً وبعض مبيضا ، وبعض صباغا ، سموا مبيضين لصفاء قلوبهم أو لنور العبادة ، وفى صحيح البخارى ومسلم عنه صلى الله عليه وسلم ، " لكل نبى حوارى حواريى الزبير " ، أى خالصى ، وقيل : هم تسعة وعشرون ، ولعل الاثنا عشر أكابرهم أو الأسبقون ، ونقول بجميع ما مر من الأقوال ، فيجمعهم بياض القلوب القصاثرين وغير القصاثرين للملوك وغير الملوك ، ولم يطلب النصر للقتال ، بل النصر بالتصديق وإعانته ، ورد من يقتله ولو بقتله ، فإنه يجب على الإنسان الدفع عن نفسه { ءَامَنَّا بِاللهِ } إخباراً لا إنشاء ، لتقديم إيمانهم على قولهم هذا ، إلا أنه لا مانع من تعدد الإنشاء ، ويجوز أن يكون إنشاء أولا { وَاشْهَدْ } لنا يوم القيامة يوم تشهد الرسل لأممهم وعلى أممهم ، فإن غرضنا السعادة الأخروية ، واشهد لنا فى الدنيا والآخرة ، وهذا أعظم فائدة وتأكيدا للمخلص ، قالوا ذلك بلا عطف فى وقت واحد ، أو متعدد وذكره الله بالعطف ، وليس فيه عطف إنشاء على إخبار ، لأن المعنى قالوا آمنا ، وقالوا أشهد ، ويجوز أن يكون ذلك من كلامهم ، والعطف لأن أشهد بمعنى إنشاء إيمان ، وآمنا وإنشاء أول ، كقولك بعت { بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } هذا تكرير لما فى المائدة فسقطت نونه تخفيفا عن أصله ، والمعنى مذعنون للعمل بمقتضى الإيمان .