Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 92-93)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لَن تَنَالُوا البِرَّ } الإحسان الكامل الذى هو عبادة منكم { حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } أو لن تنالوا بر الله ، أى إحسانه إليكم الكامل حتى الخ ، أو لن تنالوا ثواب البر ، أى ثواب الطاعة حتى الخ ، وبه قال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد ، ولن تكونوا أبراراً حتى … الخ ، والمراد الإنفاق الواجب وغير الواجب ، والإنفاق من المال إطعاماً وإشراباً وإسكاناً ، وإعارة ، وإعتاقاً ، ووقفاً من الجاه ، ينفع به الأقارب والضعفاء ، وغيرهم ، ومن البدن فى العبادات ، وخدمة العلماء ، والأولياء ، والناس فى كل ما يرجع إلى البدن ، ومن تفويت البدن كالقتال في سبيل الله حتى يقتل ، وذلك من عموم المجاز ، وهو استعمال الكلمة في المعنى الموجود فى الحقيقة والمجاز كالصرف هنا ، لما نزلت ، " قال أبو طلحة : يا رسول الله أحب أموالى إلىَّ بَيْرجاء فضعها حيث أراك الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : بخ بخ ، ذلك مال رابح أو رائح ، وإنى أرى أن تجعلها فى الأقربين " ، أى أقرباء طلحة ، فقسمها أبو طلحة فى أقربائه وبنى عمه ، وفى رواية لمسلم وأبى داود : فجعلها لحسان بن ثابت وأُبى ابن كعب ، وذكر الربيع بن حبيب والبخارى ومسلم والترمذى والنسائى وغيرهم الحديث ، ويرجى بفتح الباء وكسرها وفتح الراء وضمها وكسرها ، والمد والقصر بستان فى المدينة ، أو موضع فيها منه البستان ، أو موضع قرب المسجد ، أو أرض وهو فيعلى ، أو فيعلاء من البراح ، وهى المنكشفة ، أو بير مضاف لقبيلة اسمها حاء ويخ بإسكان الخاء وكسرها ، منون أو غير منون ، وبالضم مخففاً ومشدداً مدح ورضاء بالشىء وتعجب ، من أسماء الأصوات ، ورايح بالموحدة ذو ريح ، والمراد الثواب المضاعف ، وبالهمزة والمراد رائح بصاحبه إلى الجنة كما فى رواية ، وجاء زيد بن حارثة بفرس يحبها ، فقال ، هذه فى سبيل الله فحمل عليها صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد ، فقال زيد ، يا رسول الله ، إنما أردت أن أتصدق بها ، فقال صلى الله عليه وسلم إن الله قد قبلها منك ، رواه ابن المنذر ، وابن جرير مرسلا ، ويستفاد من الحديثين والآية ، أن إنفاق أحب الأموال على الأقارب أو أقرب الأقارب أفضل ، وكان ابن عمر ينفق السكر ، فقيل ، لو اشتريت طعاماً وأنفقته ، فقال ، نعم ، لكن قال الله : حتى تنفقوا مما تحبون ، وأنا أحب السكر وحضرته الآية فلم يجد إلا جارية رومية ، تسمى لؤلؤة ، وكانت أحب ماله إليه فأعتقها ، وعن الحسن ، كل ما أنفق المسلم من ماله لوجه الله تعالى فداخل فى الآية ، والمراد من مطلق ما تحبون ، والمال كله محبوب ، والمشهور ما تقدم بمعنى ما تحبون أكثر من غيره وقيل ، المراد الزكاة مما لا يسترذل ، ومن أنفق من غير ما يحب نال ثوابا غير كامل ، ومن لم ينفق غير الواجب فاته ثواب الإنفاق ، أو ناله من عمل آخر ، والفقير الذى لم يجد ما ينفق ينال الثواب من غير أعماله ، وقد يكون أفضل من الإنفاق ، وقد يكون الثواب الكامل بنية من لم يجد ، ومن اللعب جعل ما مصدرية والمصدر بمعنى مفعول ، أى من حبكم ، أى محبوبكم فإنه يغنى عن ذلك جعلها اسماً واقعاً على المحبوب ، أى الذى تحبونه ، أو شىء تحبونه { وَمَا تُنفِقُوا مِن شَىْءٍ } زيادة فى العموم ، أى مطلق ما يسمى شيئاً ، ولا دلالة لشىء على خبث أوطيب إلا من حيث العموم فليجعل مع مِن نعتاً لما ، لا تمييزاً { فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ } يجازى عليه ، ولو رذلا ، مما هو رذل ، واجبا ، أو رذلا من طيب نفلا ، قليلا أو كثيراً ، ولا يدل قوله عليم على الحث على إخفاء الصدقة ، بل على الحث على مطلق الصدقة ظاهرة أو خفية قالت اليهود له صلى الله عليه وسلم : تزعم أنك على دين إبراهيم وتأكل لحم الإبل وألبانها ، وهو لا يأكلها وأنها محرمة على آدم ومن بعده إلى وقتنا هذا أو بعده فنزل قوله تعالى : { كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاَّ لِبَنِى إِسْرَاءِيلَ } يعقوب ، أى كل المطعومات أى ما يؤكل أو يشرب ، فشمل لبن الإبل ، كقوله تعالى : { فمن لم يطعمه } ، والأحكام لا تطلق على الذوات ، فالمراد تناول الطعام ، وزعم بعض أنه يوصف العين بالحل ، ونسبة لائمة الأصول ، ويجوز إبقاء الطعام على معنى المصدرية ، أى كل أكل وشرب كان حلا لبنى إسرائيل { إلاَ مَا حَرَّمَ إسْرَاءِيلُ عَلَى نَفْسِهِ } أى المأكول والمشروب ، أو الأكل والشرب الذى حرمه إسرائيل على نفسه { مِنْ قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ } وهو ، قيل لحوم الأنعام أو زيادتا الكبد والكليتان وشحم غير الظهر ، والمشهور ، وهو الصحيح ، أنه لحم الإبل وألبانها لحصول عرق النَّسا له بها ، فوعد ، إن شفى ، لم يأكلها ولم يشربها ، فلم يحرمها عليهم ، بل ذلك نذر منه ، وقيل : حرمها على نفسه خاصة ، فحرمها الله عليهم فى التوراة اتباعا لبنيه له ، ، وكانت أحب طعام وشراب إليه ، فتركها نذراً تقرباً إلى الله ، وزادوا فى الحرمة أشياء لم تحرم عليهم جهالة وتشرعا ، وزاد الله عليهم حرمة أشياء لبغيهم ، قال الله تعالى : { فبظلم من الذين هادوا } ، { وعلى الذين هادوا حرمنا } ، الآيتين ، وذلك رد عليهم إذ قالوا ، إن المحرم فى التوراة محرم عَلَى من قبلهم ، لا ، بل حرم عليهم خاصة ، حكمة لبغيهم ، وقيل : حرمها على نفسه خاصة على أن الاستثناء منقطع ، أى ، ولكن ما حرم إسرائيل على نفسه خاصة ، وهو حرام عليه خاصة ، والصحيح ما مر من تحريمها عليهم أيضا ، والاستثناء متصل وذكر الكلبى أنه لم يحرم سبحانه تعالى عليهم فى التوراة ، وإنما حرم عليهم بعدها بظلمهم ، وقال السدى : لم يحرم عليهم فى التوراة إلا ما حرموه قبلها ، تبعا لأبيهم ، وقيل : نذر ألا يأكلها هو ولا بنوه ، وقيل : التحريم الامتناع للتدواى من عرف النَّسا بإشارة الأطباء له عليه السلام ، والنساء بالفتح والقصر عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذ يمر بالعرقوب حتى يبلغ القدم كلما طال زمانه زاد حتى يبلغ الركبة والكعب ، وربما امتد إلى الأصابع بحسب كثرة مادته وقلتها ، ويهزل معه القدم والفخذ ، ويحدث منه العرج ، وذكرت مداواته فى تحفه الحب ، ومنها ، قطع إليه كبش عربى ولا كبير ولا صغير ، يشرب كل يوم على الريق فطير ثلث قطعة مصلية ، قال أنس : وصفته لأكثر من مائة شفاهم الله تبارك وتعالى ، ومن متعلق بكان أو بحلا ، لجواز الاستثناء قبل ذكر ظرف ، أما قبله نحو ما قام إلا زيد اليوم ، وما جاء أحد إلا زيد على فرس بتعليق على بحاء ، ويجوز تعليقه بحرم بياناً لتقديم التحريم على نزوله التوراة مستملة على محرمات أخر { قُلْ فَأْتُوا بِالتّوْرَاةِ فَاتْلُوهَآ } حتى يتبين للسامعين ولكم صحة دعواهم ، أن كذا وكذا محرم ، فلا تجدون دعواكم فيها ، أو اتلوا محل دعواكم منها لا يوجد { إن كُنتُمْ صَادِقِينَ } فلم يأتوا بها ويقرأوها لعدم صدقهم فيما أخبروا عنها ، فإنما حرم إسرائيل لحم الإبل ولبنها نذراً ، وليس فى تحريمه ذلك دلالة على اجتهاد الأنبياء ، لأنه حرمه نذرا ، بمعنى أنه منع نفسه منها نذراً أو تطبباً بإشارة الطبيب ، وأما دعوى أن إسرائيل حرم ما حرم لأن الله أمره بتحريمها فمحتمل أيضاً ، فلا يدل على الاجتهاد ولو كان بعيداً ، إذ لم يقل إلا ما حرم الله على إسرائيل ، واحتج للاجتهاد بأنه طاعة ، ولا طاعة إلا وللأنبياء فيها نصيب ، بل أقوى في ذلك لمزيد فهمهم وصفاتهم ، قلنا كم عبادة تكون لنبى دون آخر ، ولأمة دون أخرى ، بل خصت هذه الأمة بالاجتهاد ، واحتجوا بقوله تعالى : { فاعتبروا يا أولى الأبصار } [ الحشر : 2 ] ، وقوله تعالى : { لعلمه الذين يستنبطونه منهم } [ النساء : 83 ] ، قلت : لا يلزم أن يكون الاستنباط والاعتبار اجتهادا ولا شاملين له ، ولأن المستنبطين أنبياء ، أو استنبطوا من الأنبياء وبقوله تعالى : { عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم } [ التوبة : 43 ] ، وتأتى الآية ، وزعم بعض ، أن التوراة نزلت منجمة فى ثمانى عشرة سنة ، كلما ارتكبوا كبيرة حرم عليهم نوع من الطيبات ، وهو ضعيف ، وكأنهم أجمعوا على نزولها مرة .