Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 26-27)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وأنَزل الذين ظاهروهم } اعانوا الاحزاب { مِن أهْل الكتاب } المراد بنو قريظة عند الجمهور وهو الصحيح ، وقيل : بنو النضير { مِنْ صَياصِيهِم } حصونهم استعار لها الصياصى الموضوع لكل ما يمتنع به ، كالقرون للثور والظبى ، وشوكة الديك فى رجله لجامع الامتناع { وقَذَف } ألقى { في قُلُوبهم الرُّعْب } الخوف الشديد حتى اسلموا انفسهم بلا امتناع ولا مخالفة للقتل ، واموالهم للسلب ، واهلهم واولادهم للاسر كما قال : { فريقاً تقْتُلون } وهم الرجال { وتأسرون فريقاً } النساء والصبيان ، وانزالهم من الصياصى عبارة عن اذلالهم على طريق الاستعارة التبعية ، وقذف الرعب سبب له ، واخره لان السرور بانزالهم اكثر ، فالاخبار به اهم للمؤمنين ، كما ان القتل للرجال اهم ، فقدم على عامله وعلى الاسر ، ولانهم مساق التفصيل ، وقدم الاسر على فريقا ، لانه اهم ، ولو قدم فريقا لتوهم قبل ذكر تأسرون انه يقال فى القراءة بعد ذلك تهزمون وللفاصلة ، وليتصل القتل والاسر بلا فضل . روى ان جبريل عليه السلام ، جاء صبح يوم الانهزام او ظهره ، رسول الله صلى الله عليه وسلم عند زينب ، وقد غسلت نصف رأسه معتجراً بعمامة استبرق ، على بغلة فوقها قطيفة ديباج ، وقال : هل وضعت السلاح يا رسول الله ؟ قال : نعم ، فقال : عفا الله عنك ، ما وضعت الملائكة وما رجعت الى الآن من طلب القوم ، وان الله يأمرك بالمسير الى قريظة ، وإنى ازلزل حصونهم ، فأذن لا تصلوا العصر الا فى قريظة ، واستخلف ابن ام مكتوب على المدينة ، واعطى عليا الراية ، وأسرع الناس اليه : ولما دنا من الحصن سمع فحشاً عليه صلى الله عليه وسلم فرجع اليه فقال : يا رسول الله ما عليك ان تدنوا من هؤلاء الاخابث ، فقال : لعلك سمعت اذى ؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال لو رأونى لم يقولوا ، فدنا فقال : يا إخوان القردة هل اخزاكم الله وانتقم منكم ؟ قالوا : يا ابا القاسم ما كنت فاحشا ويروى ما كنت جهولا . وقد مر بنفر من أصحابه فقال : هل مر بكم احد ؟ قالوا : يا رسول الله دحية الكلبى على بغلة بيضاء ، عليها قطيفة ديباج ، فقال : ذلك جبريل يزلزل بقريظة ويرعبهم ، ونزل على بئر يقال لها : انا ، بناحية اموالهم ، ولحقه رجال بعد العشاء ، ولم يصلوا العصر لقوله : صلوا العصر فى قريظة ، وقد اشتغلوا جهدهم بأمر السير للحرب ، فصلوها ولم يعاتبهم ، وحاصرهم خمسا وعشرين ليلة ، وقيل احدى وعشرين ، وقيل خمسة عشر ، واشتد خوفهم وفيهم حى بن أخطب ، وفاء لعهده لكعب بن أسد ، وأيقنوا ان لا ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال كعب : تابعوا الرجل : فوالله لقد تبين لكم انه نبى مرسل فى كتابكم لتأمنوا ، فقالوا : لا نفارق التوراة ، فقال : اقتلوا أبناءكم ونساءكم فنخرج اليه غير خائفين عليهم أن متنا ، وان ظفرنا اتخذنا نساء واولاداً ، فقالوا لا خير فى العيش بعد هؤلاء ، فقاتلوه الليلة غافلا فلا يظن انا لا نقاتل ليلة السبت ، فقالوا : لا نحدث فى السبت فيصيبنا ما اصاب من احدث فيه ، فقال : لا حزم فيكم ضيعتم الحزم . فبعثوا اليه صلى الله عليه وسلم ان ارسل الينا ابا لبابة بن عبدالمنذر ، اخا بنى عمرو بن عوف ، حلفاء الاوس نسشره ، فلما جاءهم بكت اليه النساء والصبيان ، فرق لهم وقال له الرجال : أننزل على حكم محمد فأشار بيده الى حلقه انه الذبح ، فرجع الى المدينة لا اليه صلى الله عليه وسلم لخيانته ، فربط نفسه بجذع فى المسجد ، وكانت سواريه جذوع النخل ، حتى نزلت توبته رضى الله عنه ، فاستنزلهم صلى الله عليه وسلم ، فقال الاوس : يا رسول الله هم موالينا فهبهم لنا كما وهبت للخزرج مواليهم بنى قينقاع ؟ فقال : الا ترضون بحكم رجل منكم ؟ قالوا : بلى ، قال : فذاك سعد بن معاذ ، وكان فى خيمة فى المسجد تداويه امراة من أسلم ، يقال لها : فيدة محتبسة فى مداواة الجرحى وخدمتهم ، من جرح اصابه يوم الخندق فى اكحله ، من قريشى يقال له : ابن العرقة ، ودعا الله : لا تمتنى حتى تقر عينى من قريظة ، وقريظة اختاروا حكمه . فحمله قومه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار موطئ له بأدم ، وكان جسيماً جميلاً ، وهم يقولون : أحسن الى مواليك ، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمك لتحسن إليهم ، واكثروا فقال لا تأخذنى فى الله لومة لائم ، فذهب بعض من سمعه من قومه الى بنى الأشهل ينعى اليهم قريظة ، ولما وصل سعد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قوموا الى سيدكم ، فقال المهاجرون : يريد الانصار ، وقال الانصار : عم المؤمنين ، فقام الانصار وقالوا : يا ابا عمرو حكمك صلى الله عليه وسلم لتحسن اليهم ، فقال : عليكم عهد الله انكم رضيتم بحكمى ؟ قالوا : نعم ، والتفت الى ناحية فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو معرض به صلى الله عليه وسلم ، فقال : نعم ، قال : تقتل الرجال ، وتقسم الاموال ، وتسبى الذرارى والنساء ، فقال صلى الله عليه وسلم : " والله لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع ارقعة " واعطى المهاجرين ديارهم ، فقالت الانصار : ماذا ؟ فقال : لكم ديار ولا ديار لهم فقال صلى الله عليه وسلم : " نعم لكم منازلكم " . وامر بحفر خنادق فى المدينة يقتلهم فيها ارسالا ، وهم ستمائة او سبعمائة او ما بين ثمانمائة وتسعمائة ، وفيهم وكعب رئيسا القوم ، فقالوا له : الى من يذهب بهم ، فقال : أفى كل مواطن لاتعقلون ، يذهب بهم الى الموت ، الا ترون انهم لا يرجعون ، ولما فرغ منهم أتى بحيى فى حلة تفاحية ، قد شقت عليه فى كل ناحية قدر أنملة ، لئلا يسلبها ، مجموعة يداه الى عنقه بحبل ، ولما نظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اما والله ما لمت نفسى فى عداوتك ، ولكن من خذل الله يخذل ، وقال : أيها الناس لا بأس قضاء الله وقدره ، وملحمة على بنى اسرائيل ، ثم جلس وضربت عنقه ، وكان عظيم الكبر ، وظل عما قيل : @ تواضع تكن كالبدر يسمو لناظر على صفحات الماء وهو رفيع ولا تك كالدخان يعلو بنفسه على طبقات الجو وهو وضيع @@ وعما قيل : @ أما ترى البحر تعلو فوقه جيف وتستقر بأقصى قعره الدرر @@ واستوهب ثابت بن قيس بن الشماس ، الزبير بن باطى القرظى ، لانه منّ عليه يوم بعاث فى الجاهلية ، فوهبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره فقال : انا شيخ كبير ما اصنع بالحياة ، ولا أهل ولا ولد ، فرجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره فاستوهب اهله وولده ، فوهبهما ، فأخبره فقال : هم اهل بيت الحجاز لا مال لهم ، فاستوهب ماله فوهبه صلى الله عليه وسلم له ، فأخبره فقال يا ثابت ما فعل الذى وجهه مرآة صينية يتمرأ فيها عذارى الحى كعب بن أسد ؟ قال قتل ، قال : فما فعل مقدمتنا اذا شددنا ، وحاميتنا اذا قررنا عزال بن شموال ؟ قال : قتل ، قال فما فعل المجلسان ، يعنى بنى كعب بن قريظة ، وبنى عمرو بن قريظة ؟ قال : قتلوا ، قال فإنى أسالك يا ثابت يبدى ، اى منتى عندك الا احلقنى بالقوم ، فوالله ما بالعيش بعد هؤلاء من خير ، فما انا بصابر حتى ألقى الاحبة ، فقدمه ثابت فضرب عنقه ، ولما بلغ ابا بكر قوله : ألقى الاحبة قال : يلقاهم والله فى جهنم ، خالدين مخلدين ، وإنما قتل وهو شيخ ، لانه ليس بالشيخ الفانى ، بل فيه صلاح لحضور القتال قيل : @ طلب المحال من الضلال فإن ترد ان لا تطاع فمر بما لا يمكن @@ فخرج من الدنيا بلا مال ولا خير الى النار ، بل بلا كفن لسوء اختياره ، وقد قيل : @ إنِّى خرجه من الدنيا وليس معى من كل ما ملكت كفى سوى كفنى @@ وقيل : @ ومن سره ان لا يرى ما يسوءه فلا يتخذ شيئا يسوء به فقدا @@ واستوهبت سلمى بنت قيس خالة رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن شمول القرظى ، وقالت : انه قال سيصلى ويأكل لحم العجل ، فوهبه لها قيل : @ ازرع جميلا ولو فى غير موضعه ما خاب قطر جميل أينما زرعا @@ وقتل من انبت من الذكور ، ولم يقتل امراة الا لبانة زوج الحكم القرظى ، اذ طرحت فى هذه الغزوة الرحا على خلاد بن سويد فقتلته واقفا تحت حائط من حيطان قريظة ، قال صلى الله عليه وسلم : " له اجر شهيدين " قال عروة بن الزبير ، عن عائشة : والله ان هذه الامرأة لعندى تحدث معى وتضحك ظهرا وبطنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالها بالسيوف ، اذ هتف باسمها ، اين فلانة ؟ قالت : انا والله ، قلت لها : ويلك مالك ؟ قالت : أقتل ، قلت : ولم ؟ قالت : لحدث احدثته ، فانطلق بها فضرب عنقها ، كانت عائشة رضى الله عنها تقول : والله ما انسى عجبا يمنها طيب نفسها ، وكثرة ضحكها ، وقد عرفت انها تقتل ، زين لها الشيطان مدخلا سهلا متعسر المخرج ، قيل : @ وأحزم الناس من لو مات من عطش لا يقرب الورد حتى يعرف الصدرا @@ وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم اموالهم ونساءهم وأولادهم للفارس سهم ، ولفرسه سهمان ، وللراجل سهم ، والخيل فى هذه الغزوة ست وثلاثون فرسا ، وهو أول فئ وقع فيه السهمان ، واخرج منه الخمس ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الانصارى ، اخا بنى عبد الاشهل بسبايا من سبايا القوم ، والسبايا كلها سبعمائة وخمسون الى نجد ، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا ، واختار صلى الله عليه وسلم ريحانة بنت عمرو ، فكانت فى ملكه حتى مات ، وعرض عليها ان يتزوجها ويضرب عليها الحجاب ، فقالت : يا رسول الله بل تتركنى فى ملكك ، فهو اخف عليك وعلىّ : وحين سباها أبت الا اليهودية ، فعزلها ووجد فى نفسه لذلك ، فبينما هو مع اصحابه ، اذ سمع وقع نعلين خلفه ، فقال : ان هذا لنعلا ابن شعبة ، جاء يبشرنى بإسلام ريحانة ، فجاءه فقال يا رسول الله قد اسلمت ريحانة ، فسره اسلامها ، والغزوتان آخر ذى القعدة لا كما قيل كل فى سنة ، ولما انقضى شأن قريظة انفجر جرح سعد فمات شهيدا : @ وما اهتز عرض الله من اجل هالك سمعنا به الا لسعد بن ابى عمرو @@ { وأوْرثَكُم أرْضَهم } ارض الحرث والنخل والشجر ، وقدمت لكثرة المنفعة ، وأسند التمليك الى الله وكان بلفظ الايراث ، ولم يقل ملكتم او ورثتم ، او اعطيتكم ، لان فعل الله اقوى ، والارث اثبت لا يقبل فسخا ولا رجوعا بشرط ، ولا إقالة ، ويثبت بلا قبول له ، ومع رد { وديارهم وأمْوالهُم } اى الدنانير والدراهم ، والحيوان وسائر العروض { وأرْضاً لم تطئوها } لم تكونوا عليها باقدامكم خيبر عند مقاتل ، فتحت بعد قريظة ومكة عند قتادة ، والروم وفارس عند الحسن ، وقيل : اليمن وما يفتح الى يوم القيامة عند عكرمة وعروة ، والعطف على ارضهم ولم تطئوها نعت ارضا وأورثكم ، بمعنى قضى لكم فيصلح لما مضى وما يأتى ، والخطاب للحاضرين والآتين ، او يقدر ويورث امتك بعدك ارضا تطئوها ، وزعم بعض ان ارضا النساء مجازا ، والوطء الجماع ، او وطء الارض عبارة عنه ، قيل : @ بذا قضت الأيام ما بين أهلها مصائب قوم عند قوم فوائد @@ { وكان الله على كلِّ شئ قَديراً } بلا علاج ولا كلفة ، ومن قدرته انه يجعل الزمان الواحد طويلا فى شأن احد ، قصيرا فى شأن احد كزمان القيامة ، قصيرا فى زمان المؤمن ، طويلا فى زمان الكافر ، وكما روى ان شيخا ادخل تلميذه فى خلوة اول النهار ، فأقام عند امه واهله سبعة أيام ، لانه اشتاق اليهم ، وخرج وقت عصر ذلك اليوم ، ولم يسلم عليه احد سلام راجع من السفر ، ولم يقل له احد ما هذه الغيبة .