Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 4-4)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ما جَعَل } خلق { اللهُ لرجلٍ مِن قلبَيْن في جَوفه } قيل لانه لا يخلو اما ان يفعل بهذا القلب كل ما يفعل الاخر : فأحدهما لا حاجة اليه ، واما ان يفعل به ما لا يفعل بالاخر ، فيكون راضيا كارها ، جاهلا عالما ، بخلاف اليدين مثلا فانه يحتاج اليهما معا فى العمل الواحد من الاعمال ، وذكر القلب يغنى عن ذكر الجوف ، لكن ذكر لتأكيد التصوير كانه مشاهد كقوله تعالى : { ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } [ الحج : 46 ] ومن صلة فى المفعول به ، واذا لم يكن للرجال قلبان فأولى ان لا يكونا للمرأة والصبى قبل كبره . نزلت فى انه صلى الله عليه وسلم سها فى صلاته ، وقال كلمة بلا عمد فقال من يصلى معه من المنافقين له : قلبان : قلب قلب معكم ، وقلب مع اصحابه ، الا ترون الى كلامه فى الصلاة ، روى مثله احمد والترمذى والطبرى عن ابن عباس ، او نزلت فى ابى معمر الفهرى ، يقول اهل مكة : له قلبان لقوة حفظه ، وهو جميل بن أسد ، او ابن أسيد بالتصغير ، وسماه ابن دريد عبدالله بن وهب ، وزعم بعض ان ذا القلبين جميل ابن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحى ، وقيل حارثة ابن حذافة ، وكان ابو معمر يقول : ان لى قلبين افهم باحدهما اكثر مما يفهم محمد صلى الله عليه وسلم ، ومر منهزما يوم بدر بأبى سفيان ، فساله فقال : ان الناس ما بين مقتول ومنهزم ، وقال : ما بال احدى نعليك فى رجلك والاخرى فى يدك ؟ فقال : ما ظنتها الا فى رجلى ، فأكذب الله قوله وقولهم فيه ، واسلم بعد . او نزلت فى جماعة يقولون : لى نفس تأمرنى ونفس تنهانى ، او نزلت فى هؤلاء كلهم ، وقيل : من حق التقوى الى امرت بها ان لا يكون فى قلبك تقوى غير الله تعالى لانه ليس للمرء قلبان يتقى بواحد ربا ، وبالاخر غيره ، وقيل : مثال بان لا يكون لرجل امان ، ولا يكون رجل واحد ابنا لرجلين ، كما لا يكون له قلبان ، فذلك نهى عن الظهار . { وما جَعَل } صير { أزواجكم اللائي تَظاهرون منهنَّ أمَّهاتِكم } الاصل تتظاهرون ، ابدلت التاء الثانية طاء ، وادغمت فى الظاء ، ومعنى تظاهر انت ظهر امى مثلا ، كأفف قال : أف ، ولبى قال : لبيك ، وكان الظهار طلاق الجاهلية ، والظهر فى كلامهم ذلك بحسب الاصل مجاز عن البطن ، لان الجماع من جهة البطن ، والعلاقة الجوار ، ولان الظهر عمود البطن ، او ذكروا الظهر لانه محل الركوب ، والمرأة تركب عند الجماع من جهة البطن ، والمعنى انت محرمة على لا أركبك ، كما لا أركب ظهر الام ، او لان جماع المرأة فى قلبها من ظهرها حرام عندهم ، وقيل : كنوا بالظهر عن البطن لانهم يستقبحون ذكر الفرج وما يقرب منه ، ولا سيما فى الام ، ويقال : ظاهرها وظاهر منها ، وقيل : من لتضمن معنى التباعد . { وما جَعَل } صير { ادعياءكم } الصبيان الذين تدعون انهم ابناءكم عمدا على معرفة من الناس ، انهم ليسوا ابناءكم ، وتحكمون لهم بأحكام الابن فى الارث ، والتزوج والتزويج ، والانفاق وتجلى زوج المدعى للمدعى والعكس ، وغير ذلك ، والمفرد دعى ، والقياس دعوى كجريح وجرحى ، ولكن أشبه فعيل بمعنى من فعل اللام ، فجمع جمعه كولى وأولياء ، وتقى وأتقياء ، واصله دعيو بكسر العين ، واسكان الياء ، قلبت الواو ياء ، وادغمت الياء فى الياء ، فعيل بمعنى مفعول . { أبناءَكم } كأبناكم ، وكانوا يتبنون فى الجاهلية وصدر الاسلام ، كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة تحقيقا زيد بن حارثة ، فيدعى زيد بن محمد ، والخطاب عامر بن ربيعة وابو حذيفة سالما مولاه ، ونزلت الآية عامة ، وقيل : نزلت فى زيد بن حارثة ، والحكم عام ، ونهاهم الله عز وجل عن التسمية ، وما يبنى عليها لا على ما يبنى عليها فقط . روى مسلم ، والبخارى ، والترمذى ، والنسائى باسنادهم متصلا الى ابن عمر ان زيد بن حارثة ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه الا زيد ابن محمد صلى الله عليه وسلم ، حتى نزل القرآن : { ادعوهم لآبائهم } [ الأحزاب : 5 ] الخ فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " انت زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبى " ومن قال لعبده : انت ابنى فقد اعتقه ، وكانت كتب الحديث غير موجودة فى مضاب ، ورأى مالكى عالم من اهل مكة مضابيا ينسخ شرح النيل فى مكة ، ولم يجد فيه الحديث كثيرا ، فأعطانى البخارى ومسلما ، والترمذى وابن ماجه ، والنسائى وابا داود ، وغير ذلك ، وأنا حاضر فى مكة ، فانتفعت بتلك الكتب ، كما انتفعت بصحيح الربيع بن حبيب ، فجمعت منها وفاء الضمانة ، وجامع الشمل ، فى حديث خير الرسل ، وما خالفونا فى الاصول ، والشئ بالشئ يذكر ، لما ذكرت ذلك المالكى تذكرت ان جابر بن زيد قيل له : ان مالك بن انس راى الهلال وحده فى جملة الناس فقال لعل على حاجبيه شيئا ، فامسحوا حاجبيه فمسحوهما وقالوا : انظر فنظر وقال لم اره . { ذَلكُم } ما ذكر من جعل الادعياء ابناء او هذا ، وجعل الازواج امهات ، او هذان وجعل قلبين فى جوف رجل واحد ، وهو اعم فائدة ، والوجه الثانى انسب بالاول ، لان فيه التسمية متبادرة نعم ، هى فى الثالث الا انها غير مذكورة ، ولا متبادرة بل يقال خارجا : فلان ذو قلبين والاول اظهر لقوله بعد ذلك : { ادعوهم لآبائهم } [ الأحزاب : 5 ] وقوله : { فإن لم تعلموا آبائهم } الأحزاب : 5 ] { قولُكم بأفْواهِكُم } لا حقيقة له ، فلا يبنى عليه حكم ارث ، وما ذكر بعده . اوصت خديجة رضى الله عنها حكيم بن حزام بن خويلد ان يشترى لها غلاما ظريفا عربيا : فاشترى لها زيدا من عكاظ ، وقال : ان لم يعجبك فهو لى ، فأعجبها فتزوجها صلى الله عليه وسلم ، فاستوهبها فوهبته على ان لها الولاء ان اعتقه ، فابى فوهبته بلا شرط ، فشب عنده صلى الله عليه وسلم فرآه عمه فى ابل مر بها الى الشام لأبى طالب فى ارض قومه ، فسأله مستقصيا فقال : انا مملوك لمحمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ، عربى من كلب من بنى عبد ود وانا ، ابن حارثة بن شراحيل ، اصبت فى اخوالى طيئ ، واسم امى سعدى ، فقال لحارثة : هذا ابنك ؟ فقال له : كيف مولاك ؟ قال : يقدمنى على عياله وولده ، فركب ابوه وعمه واخوه اليه صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد انتم اهل حرم الله وبيته وجيرانه ، تكفون العانى ، وتطعمون الاسير ، هذا ابنى عندك ، وانت ابن سيد قومه ، نفديه منك بما احببت فقال صلى الله عليه وسلم : " خير من ذلك ان يختاركم فتأخذوه بلا فداء ان اختاركم ، يا زيد من هؤلاء ؟ فقال : هذا ابي وهذا عمي ، وهذا اخي ولا اختار احداً عليك انت مقام ابي وعمي ، فقالا : اتختار العبودية ؟ قال : نعم ، فقال صلى الله عليه وسلم لحرصهما : اشهدكما انه حر يرثني وأرثه وانه ابني " فطابا نفسا ، وقيل سمع به فى مكة فجاءوا لذلك . { والله يقول الحق } الثابت فى نفس الامر ، فدعوا قولكم اليه { وهُو يَهْدي السَّبيل } الحق يهيئه لمن شاء .