Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 53-55)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يا أيُّها الَّذين آمنُوا لا تَدخُلوا بيُوت النبي إلا أن يُؤذن لكُم إلى طَعامٍ غَير ناظرينَ إناه } نزلت الآية فى شىء مخصوص يفعلونه ، فنهاهم عنه ، وهو أنهم يدخلون بلا إذن بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الطبخ ، فينتظرون تمام طبخه ليأكلوا ، ويدخل من يدخل بإذن يأذن له ، وهو يظن أن لا يلبث فيلبث الى أن يتم الطبخ حتى يتم ، أو فى غير وقت الطبخ بإذن لحاجة ، فيخرج بعدها ، كان الطبخ أو لم يكن أو دخل بإذن وقعد بإذن بعد الأكل لحاجة أو أذن بعد تمامه ، فلا يحرم ذلك . وعن ابن عباس رضى الله عنهما : نزلت فى ناس من المسلمين ، يتحينون طعام النبى صلى الله عليه وسلم فيدخلون عليه قبل الإدراك ، ثم يأكلون ولا ينصرفون ، ويتأذى صلى الله عليه وسلم بذلك ، ويروى أنه أطعم صلى الله عليه وسلم على زينب بنت جحش تمراً وشاة . قال أنس : هاجر النبى صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر ، ومات وأنا بن عشرين ، وأمرنى أن أعود الناس ففعلت حتى لا أجد من أدعو ، وبقى ثلاثة رجال يتحدثون بعد الأكل ، فخرج النبى صلى الله عليه وسلم ليخرجوا وخرجت معه ، حتى أتى باب عائشة ورجعت معه ، الى باب زينب ولم يخرجوا ، ثم رجع الى باب عائشة ورجعت معه ، رجع فوجدهم خرجوا ، فدخل ودخلت معه ، فأرخى الستر وهو يقول : " يا أيها الذين أمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم " الى " من الحق " ويقدر الحرف قبل أن ، أى إلا بأن يؤذن ، أو لأن يؤذن ، أو يقدر مضاف أى إلا وقت أن يؤذن ، فالمصدر المأول يقدر منصوباً على النيابة عن المضاف ، لا على الظرفية ، كجئت طلوع الشمس ، لأن نصب المصدر على الظرفية مشروط فيه أن يكون صريحا ، وأجازه بعض ولو غير صريح كالآية ، وعليه الزمخشرى ، وهو محجوج بالذوق ، وبعدم السماع ، وكونه إماماً فى العربية لا يدفع ذلك عنه ، ولو سمع جئت إن طعلت الشمس لقدر مضاف ، أو لام التوقيت ، أى وقت أن طلعت ، أو سمع أجىء إن تطلع لقدر وقت أن تطلع ، أو لأن تطلع ، واستثناء شيئين فصاعداً بأداة واحدة بلا عطف ولا إبدال غير جائز ، نحو : ما جاء أحد إلا زيد عمرو ، ولو سمع نحو : ما أعطيت أحداً إلا شيئاً زيد دانقا لقدر عامل ، أى أعطيته دانقاً . وأجاز بعض هذا المثال ونحوه فقط ، ولو سمع ما ضرب زيد إلا عمراً بلا موجب ، لقدر ضربه بلا موجب ، وليست الآية من استثناء متعدد فان الى طعام متعلق بيؤذن ، وغير حال من الكاف ، وإناه مفعول الناظر ، وليست مستثنيات ، وعدى يؤذن بالى لتضمنه معنى الدعاء ، ولا يعارض أن دعا يتعدى بنفسه وأذن تعدى باللام ، وإنا اسم زمان مفعول به فقيل : هو مقلوب آن وقيل : إناه غايته وتمامه . { ولكن إذا دُعيتُم } الى الطعام نهاهم أن يأتوا طعاما لم يدعوا لله ، ولا سيما إن كان الدخول بغير إذن ، ويحتمل العموم أى إذا دُعيتُم لطعام أو غيره { فادْخلوا } إن كان لطعام فالبثوا حتى تأكلوا ولو بانتظار إناه ، وإن لغيره فاذا تم ما دعيتم اليه فاخرجوا ولا تنتظروه ، إلا إن أمركم ، وإذا لم يتبين لكم سبب الدعاء فاقعدوا حتى يأذن لكم بالخروج { فإذا طعمتُم } أكلتم ، وأطعمته صيرته طاعما ، أى آكلا { فانْتشِرُوا } تفرقُوا عن البيت وأهله ، ولا تلبثوا ، وليس المراد أن يتفرق الطاعمون بعض عن بعض ، وان أذن لكم فى اللبث فلا بأس . { ولا مستأنسِين لحديثٍ } عطف على ناظرين فالمعنى غير منتظرين إناه ، وغير مستأنسين لحديث ، أى طالبين الأنس ، واللام للتعليل ، أو مستمعين ، واللام للتقوية ، والمراد حديث بعض لبعض ، أو حديث أهل البيت ، ومعنى قوله : أن لا زائدة فى مثل هذا أن الكلام يتم بدونها ، إذ ليست عاطفة ولا داخلة على الجملة ، لكن جىء بها للنص على عموم السلب ، ولا يصح العطف على غير إلا إن جعلت لا اسما معطوفا بالواو ، ومضافا لما بعده { إنَّ ذلكُم } أى ما ذكر من اللبث والاستئناس ، والنظر والدخول بلا إذن ، كل واحد من ذلكم واختار بعض أن الإشارة للبث { كان يؤذي } يضر { النَّبي } صلى الله عليه وسلم ، إذ يفاجئه أو يفاجىء أهله أو كليهما الداخل بلا إذن على حال لا تشاهد ، وإذ يضيق عليه المنزل ، وإذ يريد الخلوة لطعام أو كلام أو غيره ، فيمتنع لأجل الداخل ، وإذ قد يسمعون ما لا يجب أن يسمعوه ، أو يرون ما لا يجب أن يروه . { فيسْتَحيى منْكُم } أن يخرجكم أو يمنعكم عما يؤذيه { والله لا يسْتَحيى من الحق } وهو إخراجهم ، أو منعهم عما يؤذى ، والأكل أو الشرب بلا مناولة للداخل ، فإنه لا حق له فيهما ، وهو صلى الله عليه وسلم يناولهم ، ولو لم تطب نفسه لقلة أو غيرها ، والتعبير بعدم استحيائه تعالى للمساكلة ، والمعنى أن الله عز وجل لم يترك الحق ، وأمركم بالخروج ، وترك الدخول بوجه غير جائز ، والاستحياء فى الجملة سبب للترك ، وملزوم له . { وإذا سألتُموهنَّ } طلبتم نساء النبى صلى الله عليه وسلم ورضى عنهن ، المدلول عليهن بذكر البيوت وبالمقام { متاعا } شيئا يتمتع به ، ككوز وإبريق وقصعة ، والمراد إذا أردتم سؤالهن متاعا { فسألوهن من وراء حجابٍ } ستر بلا نظر لأشخاصهن ، ولو من فوق ثيابهن { ذلكُم } ما ذكر من السؤال من وراء حجاب ، أو مع الدخول بإذن ، وترك الاستئناس { أطْهَر لقُلوبكم وقُلوبهنَّ } عما يخطر للرجال فى أمر النساء ، ولهن فى أمرهم من الطبع والشيطان بواسطة الرؤية والسمع ، وقد وصفهم وإياهن الله بحصول الطهر عن ذلك ، ولكن أمر الكل بالازدياد فيه لأن أطهر اسم تفضيل ، والنظر سهم مسموم من سهام إبليس . قال عمر رضى الله عنه : يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر ، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ، فنزلت آية الحجاب ، رواه البخارى والطبرى ، عن أنس ، وروى الطبرى : أن أزواج النبى صلى الله عليه وسلم يخرجن لقضاء حاجة الإنسان ليلا قبل أن تتخذ الكنف فى البيوت ، وكان عمر رضى الله عنه يقول : يا رسول الله احجب نساءك ولا يفعل انتظاراً للوحى ، وخرجت سودة ليلا ، وكانت طويلة فناداها عمر بأعلى صوته : قد عرفناك يا سودة ، فنزلت آية الحجاب ، وقد أحسن رضى الله عنه فى ذلك ، ولو خجلت سودة لأن ذلك سعى فى صلاحها ، ولو كان ظلما لنهاه النبى صلى الله عليه وسلم . قال عمر : وافقت ربى فى ثلاث : قلت : يا رسول الله لو اتخذت من مقام ابراهيم مصلى فنزل : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } [ البقرة : 125 ] وقلت : يا رسول الله يدخل على نسائك البر الفاجر فلو أمرتهن بالحجاب ، فنزلت آية الحجاب ، واجتمعت نساء النبى صلى الله عليه وسلم فى الغيرة فقلت : { عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن } [ التحريم : 5 ] فنزلت كذلك ، وفى البخارى والنسائى ، عن عائشة رضى الله عنها أنها كانت تأكل معه صلى الله عليه وسلم ، وكان يأكل معهما بعض أصحابه ، فأصابت يد رجل يدها ، فكره النبى صلى الله عليه وسلم ذلك ، فنزلت آية الحجاب ، ولعل الرجل عمر ، لما روى مجاهد ، عن عائشة : أنها كانت تأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيسا فى قعب ، فمر عمر فأمره النبى صلى الله عليه وسلم أن يأكل معهما ، فأصابت أصبعه أصبعها ، فقال : يا رسول الله لو حجبت نساءك ، فنزلت آية الحجاب ، ولعل الآية نزلت لذلك كله . { وما كان لَكُم أن تُؤذوا رسُول الله } صلى الله عليه وسلم فى حياته بالدخول بلا إذن ، واللبث والاستئناس والنظر ، وذكره بالرسالة لمزيد قبح ذلك بِأن الرسالة ، ولا بعد موته كما قال : { ولا أنْ تنْكحُوا } تتزوجوا ولو بلا مس { أزْواجَه من بعده أبداً } أى من بعد موته ، فان الرجل تلحقه الغيرة بتزوج امرأته ولو بعد موته ، يكره فى حياته أن يكون ذلك بعد موته ، وربما كره أيضا بعد موته ، ولا سيما العرب ، لأنهم أشد غيرة ، حتى إن فتى منهم قتل جارية له يحبها خوف أن تقع فى يد غيره بعد موته ، وقيل : المراد من بعد تزوجه كان حيا أو ميتا ، فقيل : كل من كانت زوجا له لاتحل فى حياته أو بعد موته ، فارقها أو أمسكها ، مسها أو لم يمسها ، كالتى قالت : أعوذ بالله منك ، والعامرية التى اختارت نفسها ، والتى رأى بياضا بكشحها فقال لها الحقى بأهلك ، وعلى أن المراد من بعد موته قبيل تحرم أزواجه التسع ، أوهن الأزواج له إذ مات عنهن ، وأجيب بأن المراد مطلق من تسمى زوجاً له ، وإذا حرمن بعد موته فأولى فى حياته . وروى أن عمرهم برجم الأشعت إذ تزوج المستعيذة ، فأخبر أنها لم يدخل صلى الله عليه وسلم بها ، فتركه ، وتزوج عكرمة بن أبى جهل قتيلة بنت قيس أخت الأشعث ، فاهتم الصديق أن يحرق عليها بيتها ، إذ زوجها أخوها برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وارتد أخوها ، وحملها الى حضرموت ، فقال عمر : ليست من أزواجه التى دخل بهن ، ولا ضرب عليها حجابا ، فتركها ، وقيل : لأنها ارتدت ثم أسملت ، فلم تكن من أزواجه ، فتركها ولا يشك عاقل أن سراريه يحرمن على غيره كأزواجه . { إنَّ ذلكُم } ما تقدم من إيذائه ، ونكاح أزواجه من بعده ، وإشارة البعد لشدة قبح ذلك { كانَ عنْد الله عظيماً } لعظم شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا وميتا ، وزاد تأكيدا بقوله : { إن تُبْدوا } تظهروا بألسنتكم { شيئا } عن قَصْد نكاحهن أو تمنيه { أو تُخْفُوه } فى صدوركم ، الجواب محذوف تقديره يعاقبكم ، ونابت عنه علته فى قوله : { فإن } لأن { الله كان بكل شيء } أبدى أو أخفى { عليماً } غاية العلم ، وإن ضمن قوله تعالى : { إن الله كان بكل شيء عليماً } معنى أخبركم الله به ، جاز أن يكون جوابا لكن ضعيف المعنى والمعنى القوى ما ذكرت ، أما على معنى أخبركم أن الله إلخ فهو أشد ضعفا ، والأخبار أيضا مسبب عن العلم ، وتلويح بالعقاب . لما نزل الحجاب قال رجل : أننهى أن تكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب ، لئن مات صلى الله عليه وسلم لنتزوجن نساءه ، وروى لتزوجت عائشة أو أم سلمة ، وكلم رجل ابنة عمه منهن ، فنهاه صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنها ابنة عمى ، وما قلت منكرا ، ولا قالت ، فقال : " قد علمت ولا أحد أغير من الله ولا منى " ومضى وقال : عنفنى من كلام ابنة عمى لئن مات لأتزوجنها . وعن قتادة : أن طلحة بن عبيد الله قال : إن مات صلى الله عليه وسلم تزوجت عائشة ، وندم ندما عظيما ، وقيل القائل طلحة آخر ، وقال منافق بعد ما تزوج صلى الله عليه وسلم حفصة بعد خنيس بن حذافة ، وأم سلمة بعد أبى سلمة : ما بال محمد يتزوج نساءنا ، لئن مات لأجلنا السهام على نسائه ، فنزل لقول هؤلاء كلهم : { وما كان لكم أن تؤذوا } الآية فأعتق الذى قال عنفنى على كلام ابنة عمى إلخ رقبة ، وحمل على عشرة أبعرة فى سبيل الله ، وحج ماشيا لذلك ، ولما نزلت قال الآباء والأبناء ونحوهم : ما نفعل يا رسول الله ؟ فنزل قوله تعالى : { لا جُناحَ عليْهنَّ فى آبائهنَّ ولا أبنائهنَّ ولا إخُوانهنَّ ولا أبناء إخْوانهنَّ ولا أبناء أخَواتهنَّ } فى أن يكلموهن بلا حجاب ، وقال الزهرى : فى أن يبدين زينتهنَّ لهم ، وفى حكمهم كل ذى رحم محرم من نسب أو رحم ، والأخوال والأعمام ولم يذكرهما الله عز وجل لأنهم كالوالدين ، ولذكر أبناء الإخوة وأبناء الأخوات ، لأن علتهم على ما بينهن وبين العم والخال من العمومة والخؤولة ، فإنهن عمات لأبناء الإخوة ، وخالات لأبناء الأخوات ، ونقول : الآية تمثيل لا حصر ، وقد سمى الله تعالى اسماعيل أبا وهو عم فى قوله تعالى : { وإله أبائك إبراهيم وإسماعيل } [ البقرة : 133 ] . { ولا نِسائهنَّ } أى الموحدات فيحتجبن عن المشركات ولو كتابيات ، قال كثير ، وعن الموحدات الزوانى ، وعمن يصفهن للرجال بلا قصد تزوج لمن لا زوج لها { واتَّقين الله } فى كل ما تأتين ، وما تذرن ، ولاسماعين ما أمرتن به ، أو نهيتن عنه ، وأكد عليهن بالخطاب بعد الغيبة { إنَّ الله كان على كُل شيءٍ شَهيداً } حاضرا بعلمه ، ولا يجوز نظر الكف والوجه منهن ولو بلا زينة ، ويجوز بروز أشخاص مستترات لحاجة ، كالسفر للحج ، والطواف ، وكما يسمع الصحابة منهن باديات الأشخاص مستترات ، ولما ماتت زينب بنت جحش رضى الله عنها نادى عمر أن لا يحضر جنازتها إلا ذو محرم لها ، مراعاة للحجاب ، فدلته أسماء بنت عميس على قبة توضع على النعش ، كما رأت فى الحبشة ففعل ، فحضرها الناس مطلقا ، وصنعها لفاطمة رضى الله عنها ، وذلك مستحب ، وظاهر كلام عمر الوجوب ، ولا بأس به ، لأنه يقول به ما أمكن ، وإذا لم يمكن كالحج والطواف لم يقل به ، إلا أنه يشكل عليه ظهور أشخاصهن للسائلين من الصحابة والتابعين فقد يقال : لا تظهرن لهم .