Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 20-20)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وجاء مِن أَقْصَى المَدينَة } أنطاكية ، أى من أبعد موضع فيها { رجلٌ } عظيم عند الله قدرا ، لا اتصال له بالرسل ، قبل مجيئهم يتواطؤ لأجله معهم ، بل هداية من الله ولطف به ، وهو حبيب عند ابن عباس وكعب رضى الله عنهما ، وشهر بأنه حبيب النجار ، وقيل : رجل قصار ، وقيل : حراث وقيل : إسكاف ، وقيل : نحات للأصنام ، اى يعمل صورها بدون أن يعبدها ، والتصوير ولو للحيوان جائز فى تلك الأمم ، وإن كانت للعبادة فذلك قبل أن يؤمن ، ولعله جمع تلك الصفات كلها ، وروى أنه كان فى غار يعبد الله ، فنقول : هذا الغار فى أقصى المدينة ، وهذه العبادة بعد كفره ، إن سبق له كفر . وعنه صلى الله عليه وسلم : " سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا قط طرفة عين : على بن أبى طالب ، وصاحب يس ، ومؤمن آل فرعون " وصاحب يس هو هذا ، ولا يقال يشكل على ذكر على أنه كان طفلا ذا ثمانى سنين ، ودعاه النبى صلى الله عليه وسلم الى الإيمان ، فقال لأبى طالب : إن محمدا يدعونى ؟ قال فأجبه ، لأنا نقول لا كفر للطفل ، فهو مؤمن من قبل ، لكن ذكر لأبيه الدعوة ، أو هو ذاهل ، وقيل : كان أول الاسلام التكليف متعلقا بالتمييز ، والامام على حينئذ مميز . وروى أن هذا الرجل المذكور فى الآية كان مؤمنا بالنبى صلى الله عليه وسلم ، كتبع الأكبر ، وورقة قبل مبعثه ، كما يؤمن به كل من رآه فى التوراة أو الإنجيل أو غيرهما ، ويقال : كان مجذوما ، فمنزلة أقصى أبواب المدينة ، عبد الأصنام سبعين سنة ، فدعاه المرسلون فقال : هل من آية ؟ قالوا : يشفيك الله تعالى ، قال : دعوت الأصنام سبعين سنة ولم تشفن فكيف يشفينى ربكم فى غدوة أو روحة ؟ قالوا : عاجزة ، وربنا قادر ، فدعوا له فشفاه الله عز وجل ، فقام يكسب ويتصدق بنصف ما يكسب ، وينفق نصفا على نفسه وعياله . ولعل معنى كونهم لم يكفروا قط ، أنهم لم يكفروا بعد الدعوة ، ونقول : أما الذى رواه فى قرب المدينة يرعى ، فدعوه ، فقال : هل من آية ؟ فقالوا : نشفى المرضى ، ونبرىء الأكمه والأبرص ، فذهب بهم الى ابنه مريضا ومسحوا عليه ، وشفاه الله ، فهو غير هذا ، وان كان هو فمعنى إيمانه أنه أظهره ، وقدم من أقصى هنا مع فضل الرجل بالإيمان تفننا فى البلاغة ، ولأنه لو أخر لتوهم أنه متعلق يسعى فيفوت بيان أنه من أهل المدينة ، وتقديمه ظاهر فى أنه من اهلها ، ولو لم يكن نصا فيه ، ولبيان أن بعده لم يمنعه من الإيمان وكون رحمته تعالى تسع القريب والبعيد ، ولذا عبر بالمدينة بعد التعبير بالقرية ، إذ صارت بانضمام الأطراف مدينة ، ولبيان أن انذراهم بلغ أقصى المدينة لاجتهادهم فى التبليغ بالإظهار . { يَسْعَى } يسرع برجليه ، أو بشدة قصد من قلبه ، ولا يخفى أن الأول أولى لأنه حقيقة لا مجاز ، مع أنه متضمن للمعنى المجازى أيضا لأن السعى بالمشى فى أمر انما يكون عن سعى القلب فيه . { قال يا قوم اتَّبعُوا المُرْسَلين } ذكرهم بالرسالة حثا على الإيمان ، إذ لم يقل : اتبعوا هؤلاء الرجال ، أو هؤلاء الذين جاءوكم ، كما أنه خاطبهم بقوم مضافا لنفسه اشارة الى أنه يحب لهم الخير لا الشر ، كما يحبه لنفسه وهو منهم ، وشرهم شر له ، وأنه ناصح لهم كما ينصح الإنسان نفسه .