Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 3-4)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ألا لله الدِّينُ الخالِصُ } كلام مستأنف لا تأكيد لما قبل ، لأن ما قبل أمر بالعبادة لله ، وإخلاصها ، وهذا إخبار بأن ذلك حق لله ، والله أهل له ، ولا أهل له سواه ، وهو أقوى مما قبل ، لأنه برهان له ، فان المعنى اعبدنى باخلاص فانه لا أهل لذلك غيرى ، ولا سيما أنه أكد بالجملة الاسمية ، وألا والحصر ، وذلك كقولك : أعطنى كذا فانه حق لى عليك ، وهذه شهودى ، نعم اشتملت هذه الجملة على الأولى ، وأوجبتها ضمناً فان أريد بالتأكيد للأولى هذا فصيح ، وأفادت ان الله تعالى لا يقبل ما هو عبادة أريدها بها غيره ، ولا عبادة أريد بها هو وغيره ، قال يزيد الرقاشى : " قال رجل : يا رسول الله إنا نعطي أموالنا التماس الذكر ، فهل لنا من أجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا " قال : يا رسول الله إنا نعطي التماسا للأجر والذكر فهل لنا أجر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى لا يقبل إلا عمن أخلص له ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { ألا لله الدين الخالص } " . وفى ذلك رد على من قال : يقبل منه جانب التقرب الى الله تعالى ، وكذا الأحاديث القدسية : " أنا أغنى الشركاء عن الشركة " وأنا قد رددته كله ، والحديث يدل على أن الدين فى الموضعين العبادة ، إذ سئل عن العبادة بالمال فأجاب بالعبادة ، وقال قتادة : العبادة فيهما شهادة أن لا إله إلا الله ، وقال الحسن : الاسلام فاما أن يريد العبادة ، وإما أن يريد التوحيد لا إله إلا الله . وقرر الله تعالى التوحيد ، بأن المشركين أقروا بتحقيق الألوهية لله تعالى ، وأنه الملك النافع الضار إذ قالوا : انما نعبد الأصنام لتقربنا اليه ، وأفسدوا بهذا اقرارهم ، وبقولهم : الملائكة بنات الله ونحو هذا ، وذلك فى قوله تعالى : { والَّذينَ اتَّخذوا مِنْ دُونِه أولياء ما نَعْبُدهم إلاَّ ليقربونا الى الله زُلْفَى } ومعنى أولياء آلهة ، والخبر قول محذوف تقديره يقولون ، أو قالوا : ما نعبدهم ، وهاء نعبدهم عائدة الى الأولياء ، وزلفى اسم مصدر بمعنى تقريبا مفعول مطلق ، والآلهة المعبر عنها بأولياء ما يعبد من دون الله كالملائكة ، وعيسى والأصنام ، والقائلون الملائكة بنات الله : بنو عامر وبنو كنانة وبنو سلمة ، ويجوز أن تكون الجملة مفعولا به لحال محذوف من واو اتخذوا تقديره : قائلين : { ما نعبدهم } الخ أو يقدر قالوا بدل اشتمال من قوله : " اتخذوا " وخبر المبتدأ هو قوله : { إنَّ الله يحكُم بينَهُم فيما هُم فيه يخْتَلفُون } وفى الكلام حذف ، أى بينهم وبين المؤمنين ، والحكم بينهم إدخال العابدين لغير الله تعالى النار ، وإدخال المؤمنين الجنة ، أو يميز بين المؤمنين والكافرين بعلامة ، واختلافهم قول المؤمنين بالتوحيد ، وأنه الحق ، وقول الكفرة بالاشراك ، وأنه حق ، وقيل لا حذف فالضمائر للكفرة ، وما عبدوه ، والحكم بينهم إدخال الملائكة وعيسى الجنة ، وادخال عابديهم النار ، قيل : وإدخال الأصنام معهم النار تحسيرا لهم بها ، وتعذيبا بها ، ولا تتألم واختلافهم رجاء الكفرة الشفاعة ، وقول الملائكة وعيسى : إنكم على باطل ولا نشفع لكم ، ولعنهم باللسان أو الحال ، والله قادر أن ينطق الأصنام باللعن ويبعد أن يكون الذين للمعبودين ، وضميرهم هاء محذوفة ، والواو للعابدين { إن الله } إلخ و { ما نعبدهم } محكى بقول محذوف بدل أو حال كما مر أى يقولون أو قائلين . والمعنى المعبودون الذين اتخذوهم ، أى اتخذهم المشركون العابدون أولياء ، إن الله يحكم بينهم بادخال المعبودين الجنة الملائكة وعيسى ، والعابدين والأصنام النار مختلفين برجاء الشفاعة ، وتبرىء المعبودين منهم ، ووجه البعد أنه لم يجر للمعبودين ذكر ، وأن ذلك مخالفة للظاهر فى الضمير ، وحذف الضمير وعدم تقدم اختلاف الملائكة وعيسى معهم بالخصام ، حتى يحكم بينهم ، وإنما ذلك للمؤمنين معهم فى النار . { إنَّ الله لا يَهْدي } الى ما ينجى من العذاب الى الجنة ، وهو الايمان والعمل { مَنْ هُو كاذِبٌ كفارٌ } راسخ بالذات فى الكفر مستعد له كما قال : { أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } [ طه : 50 ] و { كل يعمل على شاكلته } [ الإسراء : 84 ] أو لا يهدى من سبقت فى علمه شقوته ، أو لا يهدى يوم القيامة الى الجنة من استمر على الكفر فى الدنيا ، والكذب على العموم كذب أهل الشرك بالاشراك ، وبالقول الملائكة بنات الله ، وغير لك من أنواع الشرك ، وعلى عموم المشركين ، وان قيل : المراد المشركون المتحدث فيهم ، فقوله : { من هو كاذب كفار } إظهار فى موضع الاضمار ، ليوصفوا بما أوجب هلاكهم ، وهوالرسوخ فى الكذب والكفر ، ويناسب ارادة الخصوص كعاصر وكنانة وبنى سلمة القائلين الملائكة بنات الله ومن يقول عيسى ابن الله سبحانه قوله تعالى : { لو أراد الله أنْ يتَّخذَ ولدا لاصْطَفى ممَّا يخْلقُ ما يَشاء } لو أراد الله اتخاذ أشياء عاقلة غاية فى الحب والتقريب ، حتى تسمى أولاده على سبيل المجاز فى التسمية ، لاختار ما يشاء هو ، ولا ينتظر أن يتخذ له المشركون ما يختارون له ، كالملائكة وعيسى ، ولو شاء لاختارهم أو غيرهم بالتسمية ، كما سمى آدم خليفة له ، وكذا الأنبياء ، وكما سمى السعداء أحباءه ، وكما سمى القدرة يدا ، وكما قال : { ما في نفسك } [ المائدة : 116 ] أى عندك ونحو ذلك من المجاز ، ولكنه لا يريد ذلك ولو على التسمية والتجوز فقط ، مع أنها جائزة على المجاز ، وانما قلت : أشياء ، لأن الولد يطلق على الجمع وما دونه ، مع أن المشركين نسبوا اليه الجماعة ، ومنهم عيسى ، ولو اختص به الصنارى ، والله أعلم سبحانه ، عن كل ما لا يجوز فى حقه . وإن فسرنا الوالدية الحقيقة على طريق النفى ، فالمعنى لو صح أن يريد الله اتخاذ الولد لم يجده ، لأن كل ما سواه مخلوق ، والمباينة بين الخالق والمخلوق تامة ، والولادة تنافى المباينة ، فلم تثبت ، صحة الارادة ، إذ لا يريد ما لا يمكن ، فيكون حاشاه عاجزا أو لفرضنا صحة ارادة اتخاذ الولد لانتقضت لتعلقها بالممتنع ، وهى الولادة المنافية للألوهية ، ولو فرضنا صحة الاتخاذ لامتنع الاتخاذ ، وجعل { لاصطفى } فى هذين الوجهين بدل الجوابين اللذين قدرت فيهما والولادة تسمية أو تحقيقا منتفية ، وأمكن الاصطفاء بلا ولادة ، وقد اصطفى الملائكة وعيسى عليهم السلام على غير الولادة . { سُبْحانه } عن الولادة تسمية وهى التبنى ، وحقيقة وعن كل نقص { هُو الله الواحِدُ } بلذات ، لا يقبل الولادة والتبعيض والانفصال ، وفيه مقابلة لقوله : { اتخذوا من دونه أولياء } { القَهَّار } لكل شىء ، فهو غنى عن كل شىء ، واتخاذ الولد احتياج ، كما قال الله عز وجل : { قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني } [ يونس : 68 ] أى الغناء الكامل ، حتى لا يحتاج الى جنس وفصل وصورة ومادة وأعراض وأبعاض ونحو ذلك ، والولادة تتضمن الانفصال والمثلية ، والمنفصل شىء مقهور لا قاهر .