Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 53-54)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلٌ } عنى ليقوى الطمع ، ويزول الإياس { يا عبادي الَّذينَ أسرَفُوا على أنْفسِهِم } أفرطوا فى المعاصى كائنة ما كانت ، فلا معصية تخرج عن الآية فتقبل توبة الزانى وآكل الربا ، وقاتل النفس المؤمنة ، ولو كانت سعيدة عند الله وغيرهم اذا تابوا ، والمرائى اذا تاب فيرجع عمله كأنه لم يراء ، ومن الاسراف الاصرار على صغيرة واحدة ، والاسراف الأفراط فى شىء مال أو غير مال حقيقة ولو كثر فى المال ، ولما كان مضرة عدى بعلى ، أو ضمن معنى الجناية ، والعباد على العموم ، والاضافة الاجنس ، وقيل المؤمنون ، فالاضافة للتشريف ، وعموم المؤمنين ، أو للعهد فى قوله المتقدم يا عبادى { لا تقْنطُوا } لا تيأسوا { مِن رحْمَة الله } من مغفرته فانها رحمة أو مغفرة ، وادخال الجنة أو رحمته الجنة لأن المذنب يقنط من الجنة بدخول النار ، وداخل الجنة مغفور له ، لا يدخلها بلا غفران . ويروى أن أخوين أحدهما مجتهد فى الطاعة ، والآخر مسرف فى المعاصى واجتهد المطيع لله تعالى فى نهيه حتى قال له : والله انك من أهل النار ، وماتا ، وقال الله تعالى للمطيع : ادخل النار ، لأنك أقنطت عبدى من رحمتى الواسعة ، وقال للمسرف ادخل الجنة ، ومعى ذلك أن العابد لم يقل للعاصى تدخل النار ان شاء الله عز وجل ، أو أن لم تتب ، صغائر وكبائر { جَميعاً إنَّه هُو الغَفُور الرَّحيمُ } المغفرة الستر ، فاذا غفر الذنب فقد ستر اذ لم ير عقابه ، فكأنه لم يكن ، وكأنه غير ذنب ، أو المغفرة محوه من صحيفة المذنب ، والتوبة شرط ، كما شرطت فى مواضع من القرآن ، والمطلق يحمل على المقيد ، ولو لم يحمل على المقيد لرجعت هذه الآية الى كل ما شرط فيه التوبة ، فيبطل اشتراط التوبة ، فيتناقض الكلام ، والقرآن ككلام واحد . روى أبو داود والترمذى ، عن اسماء بنت يزيد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ : قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالى انه هو الغفور الرحيم ، قال قوم : يا محمد ان ما تقول حق ، لكن أشركنا وزنينا وقتلنا ، فلو أخبرنا بكفارة لذلك ، فنزل : { والذين لا يدعون } [ الفرقان : 68 ] الى قوله تعالى : { يبدل الله سيئاتهم حسنات } [ الفرقان : 70 ] ونزل : " قل يا عبادي الذين أسرفوا " ويروى سمعوا الآية الى قوله : { مهانا } [ الفرقان : 69 ] فأيسوا ، فنزل : { إلا من تاب } [ الفرقان : 70 ] الخ يبدل الله اشراكهم توحيدا ، وزناهم احصانا . ويروى أنهم قالوا : هذا شرط وهو العمل الصالح ، فنزل : { إن الله لا يغفر أن يشرك به } [ النساء : 48 ، 116 ] الخ ونزل : " قل يا عبادى " كأنهم توهموا أنه لا يغفر لمن أسلم وتاب وعمل صالحا ، وعصى بعد فأخبرهم أن التوبة تقبل أيضا بعد هذا العصيان لقوله : { ويغفر ما دون ذلك } [ النساء : 48 ، 116 ] وقوله : " قل يا عبادي " الخ ورجع بهذه الآية قوم ارتدوا فأسلموا ، وكان الصحابة يقولون : إن حسناتهم مقبولة لا يبطلها شىء ، فنزل : { ولا تبطلوا أعمالكم } [ محمد : 33 ] فكانوا يخافون ولا يرجون لمن فعل كبيرة ، فنزل : " لا تقنطوا من رحمة الله " فخافوا ورجوا ، ومعنى لا يبالى أنه يكتفى بالتوبة ولو كثرت الذنوب ، وعظمت ولم يرد به أنه يغفرها ولو بلا توبة ، بدليل دلائل اشتراط التوبة ، ويوجد اشتراطها قوله تعالى : { وأنيبوا إلى ربِّكُم وأَسْلمُوا لَه مِنْ قبْل أنْ يأتِيكُم العذابَ ثمَّ لا تُنْصرُونَ } عطفا على { لا تقنطوا } ومعنى { أنيبوا إلى ربكم } ارجعوا الى ربكم بالاعراض عن المعاصى ، والتوبة عما صدر منها ، وقيل : بالانقطاع اليه بالعبادة ، فهو أخص من التوبة على هذا القول ، وقيل : التوبة من خوف العقاب ، والانابة استحياء لكرمه تعالى ، والاسلام له اخلاص العبادة له تعالى ، قال عطاء : نزلت الآية فى وحشى ، رواه ابن جرير ، وروى أيضا عن ابن عباس رضى الله عنهما ، أن أهل مكة قالوا : يزعم محمد أن من قتل النفس وعبد غير الله لا يغفر له ، فكيف نهاجر ونسلم ، وقد فعلنا ذلك ؟ فنزلت ، وأيضا ارتد عياش بن ربيعة ، والوليد ، ونفر لما عذبهم المشركون ، فكان المسلمون يقولون لا تقبل توبتهم ، فنزلت ، فكتبها عمر رضى الله عنه اليهم ، فأسلموا وهاجروا .