Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 152-153)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ } كلهم ، مقابل لقوله ، إن الذين يكفرون بالله ورسله { وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ } معنى أحد متعدد ، فصحت بين ، أى بين جماعة ، أو بين اثنين { مِّنْهُمْ } أو بين أحد وأحد منهم ، وقد مر ، ولا حاجة إليه مع قوله تعالى : { فما منكم من أحد عنه حاجزين } [ الحاقة : 47 ] وقوله : { ولم يفرقوا بين أحد منهم } مقابل لقوله : ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ، ويقولون : نؤمن ببعض ونكفر ببعض ، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا { أَوْلَئِكَ سَوْفَ نُؤْتِيَهِمْ } المشهور أن سوف المضارع للمستقبل الطويل بعد احتماله الحال والاستقبال القريب ، وقيل هى لتأكيد مضمون مدخولها المستقبل ، وكأنه قيل هو واقع لا محالة ولو تأخر جدا ، أو ضد لن يفعل الموضوع للتأكيد ، كما قال سيبويه : لن يفعل نفى سوف يفعل ، والمضمون هنا هو إيتاء الثواب ، كما قال { أُجُورَهُمْ } أى ثواب أعمالهم وإيمانهم { وَكَانَ اللهُ غَفُوراً } لما صدر من ذنوب التائب وإنما يهلك من لا يتوب { رَّحِيماً } بتضعيف الحسنات إلى أكثر من سبعمائة لحسنة واحدة ، وقالت أحبار اليهود : إن كنت صادقاً فائتنا بكتاب من السماء جملة كما أوتى موسى بالتوراة جملة ، وقيل : بكتاب محرر بخط سماوى على ألواح كالتوراة ، وقيل : بكتاب نعاين نزوله ، وقيل بكتاب إلينا بأعياننا وأسمائنا ، وأنك رسول الله فنزل قوله تعالى : { يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكِتَابِ } سؤال تعنت ، ولو سألوه ليتبين الحق لنزل ما طلبوا كما قاله الحسن { أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَآءِ } وليس ذلك ببدع منهم ولا أول جهالتهم ، ولا تستعظمه ولا تبال به لأنه قد سبق أكثر من ذلك منهم ، كما قال { فَقَدْ سَأَلُوا } أى لأنهم قد سألوا ، أو إن استعظمت ذلك وعرفت ما كانوا عليه تبين لك رسوخ كفرهم ، والواو لأهل الكتاب كلهم { مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ } وهو مجمل بينه بقوله { فَقَالُوا أَرِنَا اللهُ جَهْرَةً } وإنما سأل هذا أوائلهم ، لكنهم لما كانوا على مثل هذا السؤال وراضين عنه ومصوبين لأفعالهم وأقوالهم نسب إليهم السؤال ، ويجوز رجوع الواو إلى البعض السائلين القائلين فلا مجاز ، قال بعض المحققين ، إسناد فعل البعض إلى الكل وقع فى نحو ألف موضع من القرآن ، ولا أراه يصح ، شبه إظهار ما يرى بإظهار الصوت المسموع ، فسماه جهرة على الاستعارة ، وأصل الجهر فى الصوت ، أو أطلق الجهر على مطلق الإظهار ، فهو مجاز مرسل لعلاقة الإطلاق والتقييد ، والمعنى ، أرنا الله مجاهرا إلينا ، بفتح الهاء ، أو أرنا الله مجاهرين له ، أو إراءة جهرة ، أو أجهر لنا به جهرة كقمت وقوفا فجهرة حال من لفظ الجلالة أو من نا ، أو مفعول مطلق خرج سبعون رجلا من بنى إسرائيل مع موسى عليه السلام إلى الجبل فقالوا ، أرنا الله جهرا { فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ } نار من السماء فأهلكتهم ، وقيل الموت { بِظُلْمِهِمْ } لظلمهم أنفسهم ، ودين الله بطلب ما هو محال فى حق الله ، وهو رؤيته ، فإنه نقص وشبه بالمخلوق ، وما كان نقصا يتنزه الله عنه فى الآخرة كما تنزه عنه فى الدنيا فلا يرى فى الآخرة ، وبيان الشبه ولانقص الجهات والحدود والحلول والغلظ والرقة والطول والعرض المستلزمات للون ، وقومنا يقولون ظلمهم هو إباؤهم عن الإيمان حتى يروه ، وذكر الجهرة مع أن رؤية العين لا تكون إلا جهرة زيادة فى التشنيع عليهم ، أو تحرز عن توهم الرؤية بدليل لا بالعين { ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ } إلهاً ، صوروه من الذهب والفضة وجواهر ، والترتيب فى الإخبار لا فى الزمان ، أن اتخاذهم العجل فى حال سؤال من ذهب مع موسى إلى المناجاة أو قبله أو بعده { مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ } على وحدانية الله تعالى { البَيِّنَاتُ } المعجزات من اليد والعصا وفلق البحر ، وسائر كل ما يدل على وحدته تعالى بالألوهية ، لا التوراة ، لأنهم اتخذوا العجل قبل نزولها ، ونسب إليهم اتخاذ العجل لأنه فعل آبائهم ، وقد رضوا عنه ، وفعلوا ما يشبه اتخاذ العجل من البدع { فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ } لم نعاقبهم عليه لتوبتهم ، فتوبوا أنتم من كفركم نعف عنكم كما عفونا عن آبائكم { وَءَاتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً } تسلطاً عليهم ، بأن أمرهم أن يقتلوا أنفسهم توبة عن اتخاذ العجل فأطاعوه ، فقتل منهم سبعون ألفاً { مُّبِيناً } ظاهراً .