Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 157-158)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَوْلِهِمْ } مفتخرين { إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ } وصلبناه بدليل ، وما صلبوه ، وقوله { رَسُولَ اللهِ } من كلام الله تعظيما له ، لا من كلامهم لأنهم لا يقرون برسالته ، كما تقول ، قال عمرو ، إنى أكرم زيداً القرشى ، وعمرو لم يذكر لفظ القرشى ، بل زدته أنت ، إذ كان مراداً لعمرو ، فإن هذا النعت والبدل والبيان والتوكيد ، كعطف التلقين ، أو يقدر أمدح رسول الله ، أو قوله رسول الله من كلامهم تهكماً برسالته ، كقول قريش { يا أيها الذى نزل عليه الذكر إنك لمجنون } [ الحجر : 6 ] ، وقول فرعون : { إن رسولكم الذى أرسل إليكم لمجنون } [ الشعراء : 27 ] ، أو مرادهم رسول الله بزعمه ، أى زعم عيسى { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ } نائب الفاعل ، أو شبه هو ، أى عيسى بغيره لهم ، أو شبه هو ، أى المقتول بعيسى ، وهو أولى ، لأن المتبادر أن يشبه غير عيسى بعيسى ، وقيل ، إن الضمير للأمر وأن التشبيه اللبس ، قال رهط من اليهود هو الساحر بن الساحرة ، الفاعل بن الفاعلة ، قذفوه وأمه ، ولما سمع عيسى ذلك قال ، اللهم ، أنت ربى وأنا من روحك خرجت وبكلماتك خلقتنى ، ولم آتهم من تلقاء نفسى فالعن من سبنى وسب أمى ، فاستجاب الله تعالى دعاءه ، ومسخ الذين سبوه وسبوا أمه قردة وخنازير ، فخاف يهوذا رئيسهم دعوته ، فاجتمعوا على قتله ، فبعث الله جل وعلا جبريل يخبره بأنه يرفعه للسماء ، فقال لأصحابه : أيكم يرضى أن يلقى إليه شبهى فيقتل ويصلب ويدخل الجنة فقام رجل منهم ، فألقى الله عليه الشبه فقتلوه وصلبوه ، ويقال ، كان رجل ينافقه فخرج ليدل عليه وأعطوه ثلاثين درهما فألقى الله عليه الشبه فأخذ وقتل وصلب ، وقيل ، دخل طيطابوس اليهودى بيتاً وهو فيه فلم يجده ، وألقى الله عليه شبهه ولما خرج ظنوه عيسى فأخذ وصلب ، ويقال ، وكلوا به رجلا يدور معه حيث دار ، فصعد الجبل فجاءه الملك فأخذ بضبعيه ورفعه إلى السماء ، وألقى الله على الرجل شبه عيسى فظنوه عيسى فقتلوه وصلبوه ، وكان يقول : أنا فلان لا عيسى ، فلم يصدقوه ، ويقال ، خاف رؤساء اليهود فتنة العامة فأخذوا رجلا فقتلوه وصلبوه فى جبل ومنعوا الناس من الدنوا إليه حتى يتغير ، وشبهوا على الناس أنه المسيح لأن عيسى المسيح لا يعرف إلا بالاسم ، لأنه لا يخالط الناس إلا قليلا ، وتواتر النصارى أنهم شاهدوا عيسى قتيلا لا يتم لانتهائه إلى قوم قليلين لا يبعد اتفاقهم على الكذب ، ولأنه قد يشبه لهم كما شبه على اليهود ، وقال أبو حيان : لم نعلم كيفية القتل ، ولا من ألقى عليه الشبه ولا يصح بذلك حديث ، وروى النسائى عن ابن عباس ، أن رهطا من اليهود سبوه وأمه ، فدعا عليهم فمسخهم الله قردة وخنازير ، فاجتمعت اليهود على قتله ، فأخبره الله بأنه يرفعه إلى السماء ، وعن الضحاك كما قال القرطبى ، أنه لما أرادوا قتل عيسى اجتمع الحواريون فى غرفة ، وهم اثنا عشر رجلا ، وقال وهب بن منبه سبعة وعشرون ، فدخل عليهم المسيح من مشكاة الغرفة ، فأخبر إبليس جميع اليهود فركب أربعة آلاف رجل ، فأخذوا باب الغرفة ، فقال المسيح للحواريين : أيكم يخرج ويقتل ، ويكون معى فى الجنة ؟ فقال رجل : أنا يا نبى الله ، فألقى إليه مدرعته من صوف وعمامته من صوف وناوله عكازه ، وألقى الله عليه شبه عيسى ، فخرج على اليهود فقتلوه وصلبوه وأما المسيح فكساه الله الريش وألبسه النور ، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فصار مع الملائكة ، وقيل كلهم ألقى الله عليهم الشبه ، فكل بصورة عيسى فقال اليهود : سحر تمونا ، بينوا لنا أيكم عيسى ، أو لنقتلكم جميعاً ، فقال عيسى : أيكم يخرج . . الخ ، وأنكر الروم إلقاء الشبه ، وقالوا إنه إضلال ، ويجاب بأنه لو لم يثبت إلقاء الشبه لزم تكذيب المسيح وإبطال نبوته وسائر النبوات ، وأيضاً أقروا بأن المصلوب قال إلهى إلهى ، لم تركتنى ، وهذا مناف للرضى ، وأنه طلب الماء وشكا العطش ، وفى الإنجيل أن المسيح يطوى أربعين يوما ، فالمصلوب الشبه { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ } فى شأنه ، وهم اليهود ، فقال بعض : إنه كاذب فقتلناه ، وقال بعض وجه هذا القتيل وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا ، وقال بعض : إن كان هذا عيسى فإين صاحبنا ، ويقال : إن اليهود حبسوا عيسى مع عشرة من الحواريين فى بيت ، فدخل رجل من اليهود ليخرجه فيقتله ، فألقى الله عليه شبه عيسى فقتلوه ، وقال من سمع منه ، إن الله يرفعنى إلى السماء ، أنه رفع إلى السماء ، وقيل : إن المختلفين النصارى ، فقال قوم : صلب الناسوت وصعد اللاهوت ، وهم النسطورية ، ولا يعدون القتل نقيصة لأنه وقع على الناسوت لا على اللاهوت ، وقال الملكانية : القتل والصلب وصلا إلى اللاهوت بالإحساس والشعور لا بالمباشرة ، وقال اليعقوبية : القتل والصلب وقعاً بالمسيح الذى هو جوهر متولد من جوهر ، وهم القائلون ، المسيح صار بالاتحاد طبيعة واحدة ، وليس فى الطبيعة الواحدة ناموس متميز عن لاهوت ، والشىء الواحد لا يقال فيه مات ولم يمت ، وأهين ولم يهن ، وقالت الروم : هى على طبيعتين مع الاتحاد ، قلنا : إن فارق اللاهوت ناسوته عند القتل ، فقد أبطلوا دينهم ، إذا لم يستحق الربوبية إلا بالاتحاد ، وإن لم تفارقها فقد قتل الناسوت واللاهوت معاً ، وإن أرادوا بالاتحاد أن الإله جعله مسكناً ، وفارق المسكن عند ورود القتل على الناس فقد ابطلوا الهيئة ، وقد أهين إذ لم يأنف اللاهوت عن مسكنه ، وأساء الجواز إن قدر على الانتصار ، ولم ينتصر وإن لم يقدر فأبعد عن الربوبية ، وهذا هو المراد بقوله : وإن الذين اختلفوا فيه ، والناسوت جسمه واللاهوت روحه { لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ } لفى تردد من شأنه ولو من قال رفع لأنه لم يجزم ولو سمعه منه ، وهذا هو المراد ، وأصله استواء الطرفين ، ولكونه هنا لعدم الاستواء أكده بنفى العلم فى قوله { مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمِ إِلاّ اتِبّاعَ الظَّنِّ } الاستثناء منقطع ، لأن اتباع الظن ليس من جنس العلم ، كما أن الظن ليس من جنس العلم ، وإن فسرنا الشك بالجهل ، والعلم بالاعتقاد الذى تسكن إليه النفس ، جزماً كان أو غيره ، كان الاستثناء متصلا ، والشك والظن لا يجتمعان ، لأن إدراك النسبة مع الشك فيها لا يترجح فيه أحد الجانبين على الآخر ، وإدراكها بطريق ترجح أحدهما ظن ، والرجحان وعدمه لا يجتمعان ، فالشك بمعنى التردد كما مر ، فإن الشك كما يطلق على ما لا يترجح أحد طرفيه يطلق على مطلق التردد وعلى ما يقابل العلم فأكده بقوله ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ، والفرق بين التردد الذى هو عدم الجزم وبين ما يقابل العلم أن الثانى أعم ، لأنه كما يتناول الشك المصطلح عليه والظن يتناول الجهل ، وهو الاعتقاد غير المطلق لا يتناوله التردد { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } أى انتفى قتلهم إياه ، انتفاء يقيناً ، أى انتفاء يتيقنه أهل الحق ، أو ما أيقنوا قتله ، بل ادعوا قتله ، أى ما قتلوه موقنين بأنه عيسى ، أو بالقتل ، أو ذوى يقين ، أو ماقتلوه قتلا يقيناً ، ولا يجوز نصبه بقوله : { بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ } لأن معمول المعطوف لا يتقدم على العاطف ، وقيل ، ما قتلوا العلم ، أى بالغوا فيه ، وقيل ، ما قطعوا الظن يقيناً ، ومعنى رفعه الله رفعه إلى السماء وإيصاله إلى موضع لا يجرى فيه حكم غير الله جل جلاله ، فلا يجرى عليه حكم العباد ، وهو فى السماء الثالثة ، وقيل الثانية ، وقيل حول العرش مع الملائكة ، لا يأكل ولا يشرب ، وينزل آخر الزمان فيسلم الناس كلهم يموْت ويدفن فى حجرة النبى صلى الله عليه وسلم ، وقيل فى بيت المقدس ، ويحج ويعتمر ، ويتزوج ويضع الجزية ويقتل الخنزير ويمحو الصليب { وَكَانَ اللهُ عَزيزاً } لا يردهما أراد لكمال قدرته ومنها رفع عيسى { حَكِيماً } قولا وفعلا ، ومن حكمته رفع عيسى إلى السماء ، وإلقاء الشبه ، والمختار أن رفعه قبل صلب الشبه ، وآدم فى الأولى ، ويحيى وعيسى فى الثانية ، ويوسف فى الثالثة ، وإدريس فى الرابعة ، وهارون فى الخامسة ، وموسى فى السادسة ، وإبراهيم فى السابعة .