Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 165-166)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ رُّسُلاً } نعت رسلا الأول أو الثانى ، ويقدر للآخر مع الاعتراض أو حالا من أحدهما ، ويقدر كذلك للآخر ، أو حال من إحدى الهاءين ، ويقدر للآخر ، وكل من الحال والنعت موطىء ، لأن المقصود وصفه بقوله { مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } لا ذاته ، أو ينصب على المدح ، أو يقدر أرسلنا رسلا مبشرين ومنذرين ، ويجوز أن يكون بدلا لهذا القيد ولا ضعف فى قولك جاز زيدٌ ، زيدُ بن عمر ، كما ادعى بعض المحققين { لِئّلاّ يَكُونَ لِلْنَّاسِ } متعلق بأرسلنا المقدر ، أو تنازعه مبشرين ومنذرين { عَلَى اللهِ حُجَّةٌ } معذرة ، بأن يقولوا { لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك } [ طه : 134 ، القصص : 47 ] الخ ، وبأن يقولوا ، { إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين } [ الأنعام : 156 ] ، وبأن يقولوا ، { لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم } [ الأنعام : 157 ] { بَعْدَ الرُّسُلِ } بعد إرسال الرسل بالكتب من عنده ، والآية دليل على أن حجة الله على عباده الكتب والرسل والعقل ، وهذا مذهبنا ومذهب الأشاعرة ، وإنما زيد العقل لأنه إنما يكلف العاقل ، ولا نقول بالتقبيح والتحسين العقليين كما قالت المعتزلة : وقالت إن العقل يدرك الأمور الشرعية كلها بلا كتاب ولا رسول ، إنما الكتب والرسل للتشبيه ، وأن معنى الآية لم يبق على الله حجة وإن لم يرسل الرسل والكتب فقد نصت الأشعرية على أنه لا حجة عليه أيضاً ، لأن له أن يفعل فى خلقه ما شاء ، والمعتزلة بهذا أولى ، لأن العقل عندهم وحده حجة ، والمذهب أن عليه الحجة بمعنى الحق عنده ، والحكمة أن تعذيبهم بلا بيان لهم ظلم ، إلا أنى أقول حجة الله فى توحيده على خلقه أيضا العقل ، فإنه يدرك انفراد الله بالألوهية بعقله لدلائل المخلوقات ، فإذا أدرك الانفراد دعاه ذلك إلى خدمة من أوجده وأنعم عليه ، فيذهب ولو كان فى جزيرة لم يلق أحداً ، إلى من يعلمه كيفية الخدمة ، فيصح بهذا أن صاحب الجزيرة غير معذور ، إن لم يكن على دين نبى من الأنبياء والرسل ، والكتب مبينة ومفصلة لدلائل العقل ، وقومنا يقولون : كل كافر جاءه ملك ، أو من شاء الله عز وجل فدعاه إلى الإسلام فمن ذلك ما رووا عن الحسن البصرى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما حجة الله على كسرى فيك ؟ قال : " بعث الله عز وجل ملكا فأخرج يده من سور جدار بيته الذى هو فيه يتلألأ نوراً ، فلما رآها فزع ، فقال : لم تفزع يا كسرى ، إن الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا فاتبعه تسلم من دنياك وأخراك ، وقال : سأنظر فى ذلك " ، وكما روى ، أنه دعا يأجوج ومأجوج ليلة الإسراء فأبوا ، واللام متعلقة بمنذرين ، فيعمل مبشرين فى الضمير ، وحذف لأنه فضلة ، أى مبشرين له ، أى لأجله ، أى لانتفاء الحجة على الله لعباده ، ولو علق بمبشرين لذكر الضمير ، مع منذرين ، هكذا ، منذرين له أى لأجله ، أى لانتفاء الحجة على الله ، وعلى الله متعلق بالاستقرار الذى تعلق به اللام ، أو بقوله للناس لنيابته عنه ، أو لا خبر للكون فيتعلقان به ، أو يتعلق به الله ، وعلى الله خبر ، وبعد نعت لحجة ، أو متعلق بالكون أو بالخبر أو بنائبه { وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً } لا يغالب على ما أراد وفى عقاب الكفار { حَكِيماً } فى كل ما أراد ، وفى العذاب بعد الإنذار ، قال ابن عباس : دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود ، فقال لهم : " إنى والله أعلم أنكم لتعلمون أنى رسول الله ، فقالوا : ما نعلم ذلك " ، وأتى رؤساء مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد ، إنا نسأل اليهود عنك وعن صفاتك فى كتابهم فزعموا أنهم لا يعرفونك ، ونزل ، إنا أوحينا إليك كما أوحينا … الخ ، قالت اليهود : لا نشهد لك بذلك أبدا حتى ينزل علينا كتاباً ويكون كالتوراة ، فنزل تسلية له واحتجاجاً عنه قوله تعالى : { لَّكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنَزَلَ إِلَيْكَ } من النبوة والقرآن ، أى أنهم لا يشهدون بذلك لكن الله يشهد بما أنزل إليك من القرآن الذى أنكروا إنزاله عليك { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } وهو علم كامل بأنك أهل لإنزاله عليك لكمالك ، وأنك مبلغه إلى عباده أو بمصالح العباد معاشاً ومعاداً فى إنزاله عليك ، وبأنه لا يغيره شيطان ، والباء للملابسة والعلم باق على المعنى المصدرى ، وبتأليفه المعجز عن المعارضة والإتيان بمثله ، أو أوحينا إليك كما أوحينا إلى من قبلك ، لكن للإيحاء إليك مزية بشهادة الله عز وجل بالتصريح والملائكة بعمومهم { وَالْمَلاَئِكَةُ } ملائكة العرش والكرسى ومن دونهم { يَشْهَدُونَ } أنك رسول الله بالقرآن لصفاء قلوبهم عن الكدورات المانعة عن الإدراك ، ولمشاهدتهم نزوله عليه ، ولو استعمل المشركون من اليهود وغيرهم عقولهم لأدركوا ذلك وأخذوه من التوراة والإنجيل ، أو قل للملائكة يشهدون بواسطة حضورهم يوم بدر ظاهرين للناس ، كما وعد لهم بالغلبة { وَكَفَى } عن شهادة الخلق { بِاللهِ شَهِيداً } لما أقام من الحجج عَلَى نبوتك ورسالتك .