Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 174-176)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يآ أيُّهَا النَّاسُ } مطلقا { قَدْ جَآءَكْم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ } البرهان المعجزات والدين والرسل ودلائل العقل ، وعن ابن عباس هو النبى صلى الله عليه وسلم { وَأَنزَلَنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً } القرآن أو البرهان والنور ، كلاهما القرآن ، فإنه سبب لوقوع نور الإيمان فى القلب ، ولأنه يتبين بالنور الأعيان ، وبرهان على صدق مبلغه فى دعوى الرسالة ، وجاز أن البرهان الدين لابتنائه على البراهين القاطعة ، وأنه صلى الله عليه وسلم برهان لأن حرفته إقامة البراهين على تحقيق الحق وإبطال الباطل ، وفرع على مجىء البرهان وإنزال النور تفصيلا بقوله : { فَأَمًَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ } بالله تعالى ، وقيل بالنور المبين ، وهو القرآن ، والصحيح الأول { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍ مِّنْهُ } جنته ، سماها على التجوز الإرسالى ، والظرفية حقيقة باسم ما ينزل فيها ، وذلك فى مقابلة عملهم ، ولا واجب على الله ، وقيل الرحمة الثواب والظرفية مجازية { وَفَضْلٍ } إحسان بما لا يعلمه إلا الله زائد على ذلك { ويَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ } إلى الله ، أى ثواب الله ، أو إلى الفضل ، أو الموعود به { صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } دين الإسلام فى الدنيا ، أو طريق الجنة فى الآخرة ، وأما الذين كفروا واعتصموا بالطاغوت فسيدخلهم فى عذابه ، وقدم ذكر الرحمة والفضل مع تأخيرهما فى الوجود عن الهدى إلى الصراط المستقيم تعجيلا للمسرة ، ويجوز جعل إليه حالا من صراطا ، ويروى أن جابر بن عبد الله مرض ، فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنى كلالة ، كيف أصنع بمالى ؟ ولفظ البخارى ومسلم عن جابر بن عبد الله مرضت فأتانى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يعودانى ماشيين ، فأغمى علىَّ ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم صب عَلَىَّ من وضوئه فأفقت ، فإذا النبى صلى الله عليه وسلم ، فقلت ، يا رسول الله ، كيف أصنع فى مالى ، كيف أقضى فى مالى ، فلم يرد عَلَىَّ شيئا حتى نزله قوله تعالى : { يَسْتَفْتُونَكَ } أى فى الكلالة ، بدليل قوله تعالى { قُلِ اللهُ يُفْتِنكُمْ فِى الْكَلاَلَةِ } ولفظ أبى ذر من رواية البخارى ، اشتكيت وعندى سبع أخوات ، فدخل عَلَىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويروى ، وأبو بكر ، فنفخ فى وجهى ، فأفقت ، فقلت ، يا رسول الله ، أوصى لأخواتى بالثلثين ؟ قال : أحسن ، قلت ، بالشطر ، قال : أحسن ، وأحسن ، فعل أمر ، يعنى الإيصاء لهن بالثلثين أو بالنصف إسراف غير إحسان ، ومثل ذلك لأبى داود ، وكذا الترمذى إلا أنه ذكر تسعا بالمثناة ، وروى ابن سيرين أن الآية نزلت فى مسير النبى صلى الله عليه وسلم وإلى جنبه حذيفة بن اليمان ، وبلغها حذيفة إلى عمر ، وهو يسير خلف حذيفة ، ولما استخلف عمر سأل حذيفة عن تفسيرها ، فقال ، والله ، إنك لعاجز إن ظننت أن إمارتك تحملنى أن أحدثك فيها ما لم أحدثك يومئذ ، فقال عمر : لم أرد هذا ، رحمك الله تعالى ، ثم خرج ، وتركنى ، فقال ، يا جابر ، ما أراك ميتا من وجعك هذا ، وأن الله قد أنزل قرآناً فبين لأخواتك ، فجعل لهن الثلثين ، فكان جابر يقول : أنزلت هذه الآية فىَّ ، وفى رواية ، دخل عَلَىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض لا أعقل ، ثم صب عَلَى فقمت ، فقلت ، إنه لا يرثنى إلا كلالة ، فكيف الميراث ، فنزلت آية الفرائض ، وهى آخر آية نزلت خاتمة سورة النساء وآخر سورة نزلت كاملة براءة والمراد الآيات المتعلقة بالأحكام ، ومن حديث جابر عن الترمذى ، وكان لى تسع أخوات حتى نزلت آية الميراث ، يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة { إنِ امْرُؤ اهَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ } ذكر ولا ولد ابن ذكر ولا والد ، ولو علا ، واختار بعض أن المراد بالولد الذكر ، لأنه المتبادر ، إذ هو أحب إليهم ، وليتوافق الاسم والمسمى فى الذكورة ، ولأن الأخت وإن ورثت مع البنت النصف لكن لا بالفرضية ، بل بالعصبة ، واعترض بأنه تخصيص بلا مخصص ، والتعليل بأن الابن يسقط الأخت دون البنت ليس بسديد ، لأن الحكم تعيين النصف ، وهذا ثابت عند عدم الابن والبنت ، غير ثابت عند وجود أحدهما ، فإن الابن يسقط الأخت ، والبنت تصير عصبة ، فلم يتعين لها فرض ، والنصف لها مع البنت بالعصوبة ، وأيضا الكلام فى الميت الكلالة ، وهو الذى لا ولد له { وَلَهُ أُخْتٌ } شقيقه أو أبويه { فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ } أي هذا الأخ { يَرِثُهَآ } يرث مالها كله وحده { إن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ } لا ذكر ولا أنثى ، فإن كان لها أو له ولد ذكر ولو سفل ، أو أب وإن علا ، فلا شىء لهذا الأخ أو الإخت ، وإن كان له أو لها ولو أنثى فصاعدا فالموجود منهما عاصب ، وإن كان الأخ أو الأخت من الأم فالسدس ، أو متعدد فالثلث ، والآية كما لم تدل على سقوط الإخوة بغير الولد لم تدل على عدم سقوطهم به ، ودلت السنة عَلَى أنهم لا يرثون مع الأب ، قال صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض فما بقى فلأولى عصبة ذكر " ، بفتح همزة أولى ولامه ، أى لأقرب ذكر ، ولا شك أن الأب أقرب من الأخ ، وذكر الطبرى عن قتادة أن الصحابة أهمهم شأن الكلالة ، فسألوا عنها النبى صلى الله عليه وسلم فنزل ، { ويستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة } ، وهى عند جمهور أهل اللغة وكثير من الصحابة من لم يخلف ولداً أو والدا ، كما قال جابر ، إنى كلالة ، وقد يعبر بها عن القرابة من غير جهة للوالد والولد ، للضعف ، كما فى رواية عن جابر ، وإنما يرثنى كلالة ، ويقال : أنزل الله جل وعلا فى الكلالة آية فى الشتاء ، وهى التى فى أول السورة ، وأخرى فى الصيف وهى هذه ، وتسمى آية الصيف ، روى مالك ومسلم عن عمر رضى الله عنه ما سألت النبى صلى الله عليه وسلم أكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن بإصبعه فى صدرى ، وقال : " يكفيك آية الصيف التى فى آخر سورة النساء " ، عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم عاش بعد سورة النصر عاماً ، ونزلت بعدها براءة ، وهى آخر سورة نزلت كاملة ، فعاش النبى صلى الله عليه وسلم بعدها ستة أشهر ، ثم نزل فى طريق حجة الوداع قوله تبارك وتعالى : { يستفتونك قل الله يفتيكم } ، وقيل : نزلت وهو يتجهز لحجة الوداع فى الصيف ، ونزل وهو واقف بعرفات ، اليوم أكملت … الآية ، وعاش بعدها واحداً وثمانين ، ثم نزلت آية الربا ، ثم نزلت ، واتقوا يوماً الآية ، وعاش بعدها واحداً وعشرين يوماً ، وذكر البخارى ومسلم عن البراء أن آية يستفتونك قل الله الخ آية نزلت من الفرائض { فَإنْ كَانَتَا } أي وإن كان من يرث بالأخوة وثنّى وأنث اعتباراً للخير ، وهو قوله { اثْنَتَيْنِ } وإلا فكيف يشترط للاثنتين أن تكونا اثنتين فإنه تحصيل للحاصل ، وفى الآية تنبيه على أن المعتبر العدد لا الصغر والكبر ولا غير ذلك ، والمراد اثنتان فصاعدا ، لأنها نزلت فى جابر ، وقد مات عن أخوات سبع أو تسع ، وهو آخر الصحابة موتاً بالمدينة { فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } أخوهما { وَإن كانُوا } أى كان من يرث بالإخوة ، وجمع باعتبار الخبر ، وهو قوله { إخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً } على حد ما مر قبله ، وفى أول السورة ، وغلب الذكور فدخلن فى الإخوة { فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْن يُبَيِّنُ اللهُ } أحكام الإرث وغيره { لَكُمْ أَن تَضِلُّوا } لئلا تضلوا ، أو كراهة أن تضلوا ، لورود لفظ الكراهة بمعنى المنع فى حق الله عز وجل ، مثل قوله صلى لله عليه وسلم : " إن الله كره لكم القيل والقال فى أحاديث " وهذا أولى لقلة الحذف ، وفى الأول حذف اللام ولا ، وحذف المضاف أيضاً أوسع ، بخلاف حذف لا ، فإنماهو فى مثل قوله تعالى : { تالله تفتأ } [ يوسف : 85 ] ، والوجهان فى قوله تعالى : { أن تزولا } ، وفى حديث ابن عمر : " لا يدع أحدكم على ولده ، أن يوافق من الله ساعة إجابة " ، ولو استحسن الكسائى فى الحديث حذف اللام ولا { وَاللهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ } من مصالح الحياة والموت . لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ، لا ملجأ من الله إلا إليه .