Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 1-3)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ يَا آيُّهَا النَّاسُ } الموجودون المكلفون من نزول الآية إلى القيامة ، أهل مكة وغيرهم ، الذكور والإناث ، فتناول الخطاب من سيوجد متوقفا إلى وجوده وصلوحه للخطاب ، كما تكتب إلى أحد غائب بأمر ونهى ، فيصله الكتاب ، وذلك بالحقيقة عند الحنابلة ، وعندى كما ينزل الحكم بشرط غير موجود فى الحين ، وبالتغليب للموجودين حين نزلت على من سيوجد وفيه أن الموجودين حين النزول لم يسمعوا الآية من رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفور من نزولها مرة ، بل بعض سمع اليوم وبعض غدا ، وبعض بعد شهر أو سنة وأقل وأكثر ، فمن لم يسمع كمن لم يوجد ، أو بدليل خارجى ، فإن آخر الأمة مكلف بما كلف أو لها ، ووضع الجزية عند نزول عيسى من احكام هذه الأمة عند نزوله ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " الحلال ما جرى على لسانى إلى يوم القيامة " ، والخطاب شامل للعبيد فى كل ما كلفوا به كالصلاة ، وما يرجع إلى سادتهم فإلى سادتهم { اتَقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم } علل الاتقاء بكونه خالقا لهم ، وذلك أن الموصول كالمشتق يؤذن بالغلبة ، ومثل ذلك الخطاب الذى هو بصيغة الذكور شامل للنساء تغليبا ، فتارة يدخلن تغليبا ، وتارة بصيغتهن ، مثل : " إن المسلمين والمسلمات " ، ومعنى قول أم سلمة : لم لا نذكر فى القرآن ، لم لا نذكر بصيغ النساء ؟ وبعد سؤالها ذكرن بها { مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } هى آدم وبقوله { وَخَلَقَ مِنْهَا } من ضلهعا الأيسر الأسفل ، قال البخارى ومسلم عنه صلى الله عليه وسلم : " استوصوا بالنساء خيراً ، فإنهن خلقن من ضلع ، وإن أعوج شىء من الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج " ، وبطل للآية والحديث ، نقول بأنها خلقت من فضله طينة آدم ، إذ لا حاجة إلى دعوى المجاز ، أى وخلق من جنسها زوجها ، ولو اختاره أبو مسلم الأصفهانى وجعله كقوله تعالى : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا } [ النحل : 72 ] ، وقوله : { إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم } [ آل عمران : 164 ] ، وقوله تعالى : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } [ التوبة : 128 ] ، وعلمنا أن الملائكة والدواب والطير والجن قبل آدم ، ولا نعلم صحة ما قيل أن قيل آدم ألف ألف آدم ، ولا ما قال ابن العربى ، إن قبل آدم بأربعين ألف سنة آدما غيره ، وحكم زين العرب من قومنا بكفر من أثبت آدما آخر { زَوْجَهَا } هى حواء فى الجنة على الصحيح ، وهو قول ابن مسعود وابن عباس ، وفى الدنيا عند كعب الأحبار ، ووهب ، وابن إسحاق ، ثم دخلاها معاً حملته الملائكة إلى الجنة ، ولم يروا بأنها محمولة فهى تجرى { وَبَثَّ } نشر { مِنْهُمََا رِجالاً كثِيراً وَنِسَآء } أكثر بدليل أن لكل رجل أن يتزوج أربعاً ، وبدليل المشاهدة ، والمراد الذكور والإناث ولو أطفالا مجازاً ، أو لم يذكر الأطفال لأن السورة فى التكليف ، فمن نعمته وقدرته كذلك ، كيف لا يتقى ولا يشكر ، وكيف يتظالم عبيده مع أنهم إخوة بخلقهم من أب وأم ، وليست حواء أختاً لنا ، لأنها خرجت من آدم بغير طريق النبوة ، ولما كانت زوجها حواء متفرعة منها ، أعنى من النفس ، وهى آدم صح أن يقال لمن يتفرع منهما إنهم خلقوا من نفس واحدة لأنهم منها ، ومنه ، وهى منه ، فرجعوا إليه برجوعها إليه ، وبدأ السورة بالتقوى لاشتمالها على المشاق من القتال والطهارة والصلاة وغير ذلك ، مما يكون الحامل على أدائه اتقاء عذاب الآمر القادر ، ومن شأن الرجال البروز ، وقد برزوا وظهرت كثرتهم ، فوصفهم بها دون النساء ولو كن أكثر لخفائهن الذى هو من شأنهن ، وهن محرث ، ومن أراد كثرة الغلة أكثر المزارع { وَاتَقُّوا } أَعاد لفظ اتقوا للتأكيد ، وقيل الأول للعموم وهذا للعرب ، وقيل الأول لغير العرب وهذا للعرب ، والصحيح العموم فيهما وقيل المراد فيهما العرب ، وأما غيرهم فتبع ، لأن العرب هم الذين يتساءلون بالله وليس كذلك { اللهَ الَّذِى تَسَآءَلُونَ } تتساءلون ، أبدلت التاء الثانية سينا ، وأدعمت { بِهِ } أى يسأل بعضكم بعضاً به ، فيقول افعل لوجه الله ، أو لا تفعل لوجه الله فهذا سؤال بالله ، كما أن قولك أسألك بالله سؤال ، والتفاعل على أصله ، يسألك وتسأله ، أو بمعنى الثلاثى كما قرأ ابن مسعود ثلاثيا ، ودلت الآية على جواز السؤال بالله ، وخصته السنة بالحاجة ، قال صلى الله عليه وسلم : " من سألكم بالله ، ومن سألكم بالرحم فأعطوه " ، وعن البراء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ، منها إبرار القسم أى بقضاء حاجة من سألك بالله { وَالأَرْحَامَ } عطف على لفظ الجلالة أويقدر صلوا الأرحام ، أمر باتقاء الأرحام ، أى اتقوا قطع الأرحام ، وهو ترك وصلها ، أو اتقاؤها هو نفس وصلها ، كما يستعمل تقوى الله بمعنى عدم مخالفته أى احفظوها ، ولا يعطف على محل النصب هاء به ، لأنه لا يجوز مررت بعمرو ووجدت زيدا ، فى الفصيح على الصحيح { إنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } فيحاسبكم ولا يخفى عنه شىء ، وروى أن يتيما غطفان طلب بعد بلوغه ماله من عمه فمنعه ، وترافعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى : { وَءَاتُوا } الخطاب للأولياء والأوصياء { اليَتَامَى } جمع يتيم ، فالأصل يتائم ، فأخرت الهمزة عن الميم فكانت ألفا ، وذلك جمع على غير قياس ، وروعى أنه كغير وصف ، ألا ترى أنه لم يسمع إنسان بتيم أو طفل يتيم إلا قليلا ، أوجمع يتمى كأمرى ويتمى جمع يتيم ، وشملت الآية الذكور والإناث ، وذلك إلحاق له بباب الآفات ، فإن فتيلا فيه يجمع على فَعَلى ، وفعلى على فعالى كأسير وأسرى وأسارى ، لكن اختلفا بالفتح والضم ، ووجه الإلحاق ذل اليتيم وانكساره ، أو سوء أدبه إن لم يؤدب ، فذلك آفة ، واليتيم لغة الكبير والصغير واختصاصه بالصغير اعتبار شرعى { أَمْوَالَهُمْ } الخ ، ولما سمعه العم قال : أطعنا الله ، وأطعنا الرسول نعوذ بالله من الحوب الكبير ، ودفع المال لليتيم فأنفقه فى سبيل الله ، اى أتوهم أموالهم إذا بلغوا ، لأن موجب كون ماله تحت غيره عدم بلوغه وعدم رشده ، فإذ بلغ ورشد أعطى ماله لا قبل ذلك ، ويسمى يتيما لكونه كان يتيما قبل ، كقوله : وألقى السحرة ساجدين ، ولجوار اليتيم ، واليتيم هو من لا أب له من الجن والإنس بان كان له أب ومات ، وما لا أم له من الدواب ، وما لا أم له ولا أب من الطير ، وفى الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : " لا يتم بعد الحلم " ، أى لا يجرى عليهم حكم اليتيم بعد البلوغ ، ويجوز أن يكون المراد ، أعطوا من هو يتيم الآن ماله إذا بلغ فلا مجاز ، بل اليتيم من الانفراد كما يقال ، درة يتيمة ، فباعتباره البالغ يتيم أى منفرد عن أبيه بموت أبيه ، ولكن العرف خصه بمن لم يبلغ ، وقد علمت أن معنى لا يتم بعد بلوغ أنه لا يجرى عليه حكم من يسمى يتيما فى العرف ، وهو من لم يبلغ ومات أبوه ، واختار فى الآية لفظ اليتم تعجيلا أو البلوغ ، والرشد قريبا من اليتم ، أو المراد أعطوهم أموالهم قبل البلوغ إن أنس منهم الرشد وقدروا على حفظه { وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ } الحرام ، وهو شامل لأموالهم تصير خبيثة فى حق من يأخذها باطلا ، أو يعطى فيها ما دونها ، كهزيلة بسمينة اليتيم وشامل لأخذها { بِالطَّيِّبِ } هو شامل لأموال المخاطبين ولحفظ مال اليتامى ولإعطاء ما هو رفيع فيها { وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إلَى أَمْوَالِكُمْ } أى مضمومة إلى أموالكم ، أو مع أموالكم ، اى لا تتلقوها غير مبالين بها كأنها أموالكم أو من سائر ما يباح ، فأطلق الأكل على مطلق الإتلاف لعلاقة الإطلاق والتقييد ، أو الكلية والجزئية ، أويراد ظاهر الأكل ويقاس عليه غيره من الإتلاف ، واختار لفظ الأكل لأن الأكل معظم ما يقع التصرف لأجله ولعامل مال اليتيم أجرته بمعروف ، قال رجل لابن عباس : إن لى يتيما ، وإن له إبلا فأشرب من لبنها ، فقال إن كنت بتغى ضالة إبله ، وتهنأ جربانها ، وتلوط حوضها وتسقيها يوم ورودها فاشرب غير مضر بنسلها ، ولا ناهك فى الحلب وذلك من الأكل بالمعروف { إنَّهُ } أى الأكل بمعنى الإتلاف مطلقا ، أو الأكل المقيس عليه غيره { كَانَ حُوباً } ذنباً { كَبِيراً } ولما نزلت الآية قال عم اليتيم الذى نزلت الآية فيه : أطعنا الله ورسوله ، ونعوذ بالله من الحوب الكبير ، ويجوز من الآية تزويج اليتيمة الصغيرة ، وبنظر الصلاح ، وخص بذات تسع فصاعدا ، ولما نزل ذلك تحرجوا عن اليتامى وأموالهم فنزل قوله تعالى : { وَإنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِى اليَتَامَى } أن لا تعدلوا فيهم أو فى أموالهم بأن تأكلوها ، والإقساط إزالة القسط أى الجور ، فإن القسط يكون بمعنى الجور كما يكون بمعنى العدل ومنه وأما القاسطون فهمزة أقسط للسلب ، كأقرد البعيرَ أزال قُرَاده { فَانكِحُوا } تزوجوا { مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِسَّآءِ } ما يسهل به لكم العدل معهن ، وقد كان تحت بعض عشر نسوة وأكثر أو ثمان أو نحو ذلك مما فوق الأربع ، فأمرهم الله أن يخافوا الجور على الأزواج ، وترك العدل لهن ، كما خافوه على اليتامى ، إذ لا تنفع التوبة من ذنب مع البقاء على الآخر ، وذلك موجب للاقتصار منهن على العدد القليل الذى يتوصل معه إلى العدل ، أو إن خفتم من تباعات اليتامى وأموالهم فخافوا من الزنى أيضا فانكحوا ما تكفون به أنفسكم عن الزنى ، فإنه لا ينفعكم الورع عن اليتامى مع عدم تحرجكم عن الزنى ، أو إن خفتم أن لا تعدلوا فى أزواجكم اليتامى فانكحوا من غير النساء اليتامى ممن تدفع عن نفسها سوء الزوج فيها ، أو فى مالها ، وكان الرجل يتزوج يتيمة تحت حكمه ، فيأكل مالها ويتزوجها بأقل من صداقها وأيضا لا يوصى لها ما أصدقها ، أو كان الرجل ينفق أموال اليتامى التى عنده على أزواجه الكثيرة ، فنهاهم الله عز وجل عن تزوج الكثير الذى لا يفى به ماله ، فقال الله عز وجل ، إن خفتم الجور فى أموال اليتامى لكثرة مؤونة أزواجكم فلا تنكحوا أكثر من أربع ، وإن خفتم فى الأربع فتزوجوا ثلاثاً ، أو فى ثلاث فاثنتين ، أو فيهما فواحدة ، وعن الحسن كانوا يتزوجون يتامى تحت حكمهم رغبة فى مالهن لافيهن ، ويسيئون العشرة ، ويتربصون موتهن ليرثوهن ، واستعمل لفظ ما لمن هوعاقل على القلة ، أو باعتبار النوع المتصف باللذة أو الحلال أو العدد المبين بعد ونحو ذلك من الأوصاف ، وهذه الأمور غير عقلاء وإنما العقلاء الأفراد المتشخصة ، أو تنزيلا لهن منزلة غير العاقل لنقص عقلهن ، كما يتبادر فى الأرقاء من قوله تعالى : { ما ملكت أيمانكم } ، وإذا اعتبرنا الحلال المذكور ، وقد تقدم نزول حرمت عليكم أمهاتكم الخ فكأنه قيل انكحوا ما عهد لكم حله ، وهو ما سوى المحرم ، وإن تأخر نزول حرمت عليكم فالحلال مجمل بين بعد ، ولا يجوز أن تكون مصدرية لبقاء طاب بلا فاعل ، أى الطيب اى ذوات الطيب { مَثْنَى وَثُلاَثْ وَرُبَاعَ } عدلت تخفيفاً عما اشتقت منه من الألفاظ التى تذكر مرتين احتصاراً ، عما لا يحصر ، أو يحصر ، واختار جواز ذلك إلى معشر وعشار ، وأجاز الفراء صرفهن فى غير القرآن ، واختار المنع ، والخطاب لمن له ولاية على الأيتام ذكوراً وإناثاً ، وإذا طابت امرأة تزوجها ، وليس العبد كذلك لقوله تعالى : { لا يقدر على شىء } [ النحل : 75 ، 76 ] وقول صلى الله عليه وسلم : " أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فنكاحه باطل ولا تحل له أربع " ، وقيل تكره خلافا لمالك ، كما بسطته فى الفروع ، ودل أيضاً على أن الخطاب للأحرار قوله عز وجل : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا } بين هذه الأعداد كما تحقق وقوع عدم العدل منكم بينهن ، وكما خفتم أن لا تعدلوا فى اليتامى { فَوَاحِدَةً } فانكحوا واحدةً { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيَمانُكُمْ } أى تسروا ما ملكت ، ولو كثرت ، لعدم وجوب العدل بينهن ، أو بينهن وبين الحرات وخفة مؤنتهن ، ولأنهن مال معرضة للبيع مثلا ، ويناسب أنه لا يجوز له ما فوق الأربع أن غيلان أَسلم وتحته عشر ، فقال صلى الله عليه وسلم " أمسك أربعاً وفارق سائرهن " ، وأن نوفل بن معاوية أَسلم وتحته خمس فقال صلى الله عليه وسلم " أمسك أربعاً ، وفارق واحدة " ، ويجوز النظر للخطبة إلى وجه المرأة وكفيها ورخص إلى شعرها ، وذلك برضاها ، وقيل ولو بغفلة ، أو من حيث لا تعلم وقد أمر صلى الله عليه وسلم رجلا بالنظر { ذَلِكَ } ما ذكر من نكاح اثنتين أوثلاث أو أربع أو واحدة أو التسرى ، الخطاب عام عموماً بدليا فهو مطابق للعموم الشمولى فى قوله { أدْنَى أَلاّ تَعُولُوا } أقرب إلى انتفاء العول ، أى الجور عليهن ، من عال بمعنى جار أو مال ، فإن ترك الإنصاف لهن ميل عن الحق ، وهو جور ، أو إلى انتفاء كثرة العول ، وهو الإنفاق على العيال لقلة العيال كناية بعال يعول ، بمعنى كثر عوله أى لازمه من المؤنة ، من عال يعلو بمعنى كثر عياله ، لأن كثرتهم تستلزم كثرة العولة ، أى لزومها ، ثم إن السريات لا يكثر العيال بهن لأن له بيع ما شاء منهن بلا نفقة فى عدة ، إلا الحامل ، وله بيعها باستثناء حملها ، ولا يكثر العيال بهن من حيث الأولاد ، لأن له أن يصب الماء خارج فروج سراريه توصلا إلى أن لا يحملن .