Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 5-6)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلاَ تُؤْتُوا } الخطاب للأَولياء ونحوهم من الأوصياء والأزواج والوكلاء والمحتسبين { السُّفَهَآءَ } الأطفال والمجانين والبله ، ومن يضيع ماله أو ينفقه فى المعصية ، أو لا يقوم به من الرجال أو النساء فسفههم سوء ، فعلهم لخفة عقلهم { أَمْوَالِكُمُ } أى أموالهم ، ولكن أضافها للأولياء المخاطبين ونحوهم لأنهم امروا أن تكون تحت أيديهم ويحافظوا عليها كأموالهم ويخرجوا زكاتها ، أى لا تتركوها تحت أيديهم إن كانت عندكم فأمسكوها وإلا فخذوها حفظاً لها وذلك يناسبه أن الكلام قبل وبعد فى اليتامى فألحق بهم أمثالهم ، وقيل الخطاب لأصحاب الأموال ، نهوا أن يؤتوها لمن ذكر فيفسدوها ، ويكونوا يطالبونهم بما يحتاجون إليه منها كأنهم غير مالكين لها ، وأمروا بإمساكها وإقامتها والإنفاق منها بما شاءوا عليهم من العدل ، ولا يرد على هذا القول بأن النهى للتحريم ، ولا يحرم عليه أن يعطى من ماله لهؤلاء ، لأن صاحب هذا القول يفسر الإيتاء بالتمكين من المال لا بالتمليك ، نعم القول المعروف المأمور به فى الآية يناسب كون الخطاب للأَولياء ، ونحوهم { الَّتِى جَعَلَ اللهُ } جعلها الله { لَكُمْ قِيَاماً } أى من جنس أموالكم التى تقوم بحياتكم ، وذلك أن الخطاب لنحو الأولياء ، والمال لنحو اليتامى ، لا للأَولياء ، وفيه تأكيد الحفظ ، كما يحفظ الرجل مال نفسه ، أو يقدر جعل الله مثلها لكم قياماً ، وكأنها قيم لهم مع أنها قيم لنحو اليتامى ، وإن جعلنا الخطاب لأصحاب الأموال فالمال مالهم ، وهو قيم لهم ، وسمى ما به القيم قيما ، مبالغة فى السببية ، حتى كأنها نفس القيام ، أو هو اسم لما يقام به ، والأصل قوماً كعوض وحول ، لكن أعلت حملا على قيام ، وقيل هو قيام حذفت ألفه { وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا } أى منها ، أو اجعلوها مكاناً لرزقهم ، أى اجعلوا لهم فيها رزقاً بالتجر فلا تفنى ، لكون الرزق من أرباحها ، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بالتجر بأموال اليتامى ، وهذا أولى من الوجه الأول ، وهو كون فى بمعنى من الابتدائية ، أو التبعيضية { وَاكْسُوهُمْ } منها ، أو اجعلوها مكاناً لكسوتهم بالتجر على حد ما مر { وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } يعرف شرعاً بالحسن ، فيتبعه العقل السليم ، وهو ضد المنكر ، مثل أن يقول : إن ربحت فى سفرى أو غنمت فى غزوتى أعطك كذا ، أو حظَّا ، وأن هذا المال مالك إذا بلغت حسن القيام به أرده إليك ، ونحو ذلك من الوعد الجميل والقول الحسن ، ومنه أمره بالمحافظة على الصلاة ، وسائر الدين ، وترك الإسراف ، وأن عاقبة المسرف الاحتياج إلى الناس ، وروى أن رفاعة مات وترك ابنه صغيراً ، اسمه ثابت ، فقال عمه : يا رسول الله ابن أخى يقيم فى حجرى ، ما يحل لى من ماله ؟ ومتى أدفع إليه ماله ؟ فنزل قوله تعالى : { وَابْتَلُوا } اختبروا { اليَتَامَى } قبل البلوغ ببيع ما قل ، وشراء ما قل ، وبيع الطفلة غزلها ونحوه مما قل ، وشراء مثل ذلك ، أو بقوله على تبيع كذا بكذا أو تشتريه بكذا ، أو يعقد بيعاً أو شراء ويحضر له ، فيقول له : هل يصلح هذا فيمضى البيع ، لأن الولى أذن له خلافاً للشافعى فإنه يوقفه على إمضاء الولى ، ولا يشترط اختباره فى دينه خلافاً للشافعى { حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ } حد النكاح ، وهو البلوغ بإحدى علامات البلوغ ، فإن لم تكن فخمس عشرة سنة عندنا وعند الشافعية ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه ، وأقيمت عليه الحدود " ، أو الطفل أربع عشرة ، والأنثى ثلاث عشرة ، وزعم أبو حنيفة أن مدة البلوغ الذكر ثمانى عشرة سنة والأنثى سبع عشرة ، وله قول كقولنا تفتى به الحنيفة ، وتمسك لقوله الأول بقوله تعالى : { حتى يبلغ أشده } ، إذ قال ابن عباس : أشده ثمانى عشرة ، وحتى للابتداء والتفريع ، ولا تخلو عن غاية { فَإِنْ انَسْتُم } أبصرتم { مِّنْهُمْ رُشْداً } صلاحاً فى المال عندنا ، ويدل له قوله : واتبلوا اليتامى ، فإنه فى المال ، قال الشافعى : وفى الدين { فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } فالاختبار قبل البلوغ والدفع بعده ، وبعد الإيناس ، وإن بلغوا ولم يؤنس رشدهم لم يدفع إليهم أموالهم ولو بلغوا خمساً وعشرين سنة أو أكثر ، وزعم أبو حنيفة أنه لا يدفع إليهم أموالهم ولو أونس رشدهم ما لم يبلغوا خمساً وعشرين ، وإذ بلغوها دفعت إليهم ولو لم يؤنس رشدهم ، لما روى عن عمر رضى الله عنه : ينتهى لب الرجل إذا بلغ خمساً وعشرين ، ولا تدفع لهم قبل البلوغ ولو أنس رشدهم ، وإن بلغوا ورشدوا وأرادوا أن لا يأخذوها جاز إمساكها إذا كان باختيارهم ، لا خوفاً ولا مداراة ، وزاد سبعاً على مدة البلوغ عنده ، لأن السبع معتبرة فى تغير أحوال الإنسان ، كقول صلى الله عليه وسلم : " مروهم بالصلاة لسبع " { وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً } أكل إسراف أو مسرفين وذوى إسراف ، أو لأجل إسراف ، وكذا فى بدار ، أو جاز أكل بمعروف فى مقابلة عملكم ، ولما يفسد من طعامهم إن لم يؤكل مع تعويض { وَبِدَاراً } أى سرعة ، وليس الفعال على بابه ، إلا أن يقال ، إن اليتيم يبادر النزع أو شبه الفعل بلا مفاعلة ، كالفعل بها ، لجامع شدة الاجتهاد بها ، وشبه مجىء زمان كبرهم شيئاً فشيئاً بمن يتعاطى أن يكون أسرع منهم { أن يَكْبَرُوا } مفعول به لبدارا ، من إعمال المصدر المنون ، أو تقدر لام التقوية ، أو إلى ، أو مخافة أن يكبروا ، وكانوا يسارعون فى أكل أموال اليتامى قبل أن يبلغوا أو يطلبوها ، فنهوا عن ذلك ، كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما - قال رجل : يا رسول الله إن فى حجرى يتيما فآكل من ماله ، قال : " كل بالمعروف غير متأثل بماله مالا ، ولا واق مالك بماله " لقوله تعالى { وَمَن كَانَ غَنِيَّا } من أولياء اليتامى والأوصياء ونحوهم ممن كان مال اليتامى فى أيديهم { فَلْيَسْتَعْفِفْ } من الأكل منها ، والاستعفاف للمبالغة أى فليطالب نفسه مطالبة شديدة فى الامتناع عن الأكل منها { وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ } منه { بِالْمَعْرُوفِ } قيل هو أجرة عمله تقدر بعدل ، وقيل بأقل من أجرة سعيه ، وعندى أن ذلك غير أجرة ، وعبارة بعض أن الولى الفقير يأخذ بلا إذن أقل الأمرين من النفقة والأجرة بالمعروف على سعيه ، لأنه تصرف فى مال من لا تمكن مراجعته كعامل الصدقة ، والمراد بالأكل ما يشمل سائر المؤونات أو ظاهره ، ويقاس عليه غيره ، ولا يأخذها الحاكم إلا بإذن الإمام أو الجماعة ، وكذا الإمام بإذن من معه من قيام الإسلام ، وقيل الأكل بالمعروف الاستقراض ويشهد عليه ، وإذا أيسر قضى ، وعن عمرو رضى الله عنه : إنى أنزلت نفسي من مال الله تعالى بمنزلة مال اليتيم ، إن استغنيت استعففت ، وإن احتجت أخذت منه بالمعروف ، فإذا أيسرت قضيت ، قلت : بل هذا فى القرض منه زيادة على ما فى الآية من الأكل بالمعروف ، وعنه أنه كتب إلىعمار ، وعبد الله بن مسعود ، وعثمان بن ضيف : سلام عليكم ، أما بعد ، فإنى قد رزقتكم كل يوم شاة شطرها لعمار ، وربعها لعبد الله بن مسعود ، وربعها لعثمان ، ألا وإنى أنزلت نفسى وإياكم من مال الله بمنزلة ولي اليتيم ، فمن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف ، وقيل القرض من الذهب والفضة ، وله مع ذلك التناول من اللبن واستخدام العبيد وركوب الدواب بلا مضرة للمال تمسكا يقوله تعالى { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالِهُمْ } لإيناس الرشد إذا أردتم دفع أموالهم إليهم { فَاشْهِدُوا عَلَيْهِمْ } أمناء ، أو أمينين ، أى أحضروهم ، وادفعوا للأيتام أموالهم ، وأشهدوهم ، لئلا ينسى اليتامى أو ينكروا ، أو اكتبوا ذلك ، وإن دفعتم إليهم فليقروا لمن يشهد ، والحاصل أنه يجب على ولي اليتيم أو نحوه أن يعمل فى تحصيل براءة ذمته من التهمة والضمان ، والأمر للإرشاد ، قال صلى الله عليه وسلم : " اتقوا مواقع التهم " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من وجد لقطة فليشهد ذوى عدل ولا يكتم " ، فأمره بالإشهاد لتزول تهمته ، ولا يصدق القيم فى قوله إنى أوصلت مال اليتيم إليه بلا بينة ولا إقرار اليتيم بعد بلوغه ، ويصدق فى قوله أنفقت عليه كذا ، مما لاق وأمكن ولم يتبين كذبه ، ولا يمين عليه ، وزعم أبو حنيفة أنه يقبل قوله في الدفع بعد البلوغ بلا بينة ، ولا إقرار يتيم ، وإلا لم تقبل وصية ، وترد الآية قوله ، وإن سائر الدعاوى لا بد فيها من بيان ، وإن أعطاه قبل البلوغ ضمن ما أفسد الطفل ، قيل وكذلك قبل إيناس الرشد يضمن { وَكفَى بِاللهِ حَسِيباً } محاسباً ، فلا يغرنكم ستر ما خدعتم به فى أموال اليتامى فى الدنيا .