Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 11-12)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قالُوا } إذعانا لقدرة الله على البعث { ربَّنا } يا ربنا { أمتَّنا اثْنَتَيْن } اماتتين اثنتين { وأحْييتنا اثْنَتيْن } احياءتين اثنتين ، فالنصب على المفعولية المطلقة على القياس من لفظ الفعل ، ولاحاجة الى دعوى خلاف الأصل من تقدير اسم مصدر الفعلين ، هكذا موتتين اثنتين ، وحياتين اثنتين ، وتفسير اسم المصدر بالمصدر ، فليقدر المصدر من أول أولى من تقدير فعل ثلاثى ومصدره والأصل عدم الحذف ، أى أمتنا فمتنا موتتين اثنتين ، وأحييتنا فحيينا حياتين اثنتين . روى ابن جرير ، عن ابن عباس ، والحاكم ، عن ابن مسعود : أن الاماتة الأولى خلقهم أمواتا ، والثانية اماتتهم لأجلهم ، والاحياءة الأولى نفخ الروح فيهم ، وهم فى البطون ، والثانية نفخ الروح فيهم يوم البعث كقوله تعالى : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم } [ البقرة : 28 ] ويجوز اعتبار موت النطفة بانفصالها عن الصلب ، وهى فيه حية حال خروجها أيضا ، واطلاق الامانة على خلق الشىء بلا روح مجاز ، والحقيقة سلب الحياة مما هى فيه ، وذلك من باب حمل الفعل على الصرف على غيره . فمعنى أماتهم أولا : صرف الحياة عنهم ، أى تركها كوسع الدار ، ووسع الباب بمعنى أنه بناهما من أول الأمر واسعين ، ولا يشترط فى ذلك القدرة على المصروف عنه كما يوهم كلام بعض المحققين ، وذلك كقولنا : سبحان من صغر البعوضة ، وكبر جسم الفيل ، وليس فى ذلك نقل من كبر الى صغر ، ومن صغر الى كبر ، وذلك أن الكبر والصغر جائزان فى الشىء واذا صرفه عن أحدهما فصرفه كنقله عنه ، وجعل بعضهم ذلك استعارة بالكتابة ، يترتب عليها المجازالمرسل ، وفى ذلك جمع بين الحقيقة والمجاز ، وهو عدم الحياة هكذا مطلقا والاحياء والحياة لا يحتاجان الى سبق موت مسبوق بالحياة ، فلا جمع بين الحقيقة والمجاز فى الاحياء المذكور فافاضة الروح على الجنين احياء حقيقة ، وعلى الموتى يوم البعث حقيقة أيضا . وقال السيد : الاماتة الأولى إماتتهم لأجلهم ، والاحياءة الأولى احياءهم فى القبر للسؤال ، والاماتة الثانية اماتتهم الى قيام الساعة بعد الاحياء للسؤال ، والاحياءة الثانية ايحاءهم فى البعث ، ولا يبحث بأن فى ذلك ثلاث احياءات ، لأنه لم يذكر حياة الدنيا ، لأن انكارهم فى الدنيا انما هو لاحيائهم فى القبر ، واحياءهم للبعث ، ولم يفسر كلامهم بالثلاث ، وهو فى الآية باثنين ، ولا اشكال فى ذلك ، وقال ابن زيد : أحاؤهم نسما عند " ألست بربكم " واماتتهم بعد أخذ العهد ، واحياءهم فى الدنيا ، واماتتهم فيها ، ثم احياءهم أى فى القبر على أن يعده ، ويعد احياء البعث واحدا ، أو أراد احياء البعث ، ولا يبحث بأن فيه احياءات واماتات ، أنه لم يفسر الآية ذلك ، بل أراد ذكر ما كان . وعبارة بعض الصوفية عدوا أوقات البلاء والمحنة أربعة : الموتة الأولى فى الدنيا ، ثم الحياة فى القبر للسؤال ، والموتة الثانية فى القبر ، ثم الحياة للجزاء ، ولم يعدوا الحياة الدنيا لأنها ليست من أقسام البلاء ، وقيل حياتان : حياة الدنيا وحياة الآخرة ، وموتتان : الموتة الأولى فى الدنيا ، ثم الموتة الثانية فى القبر بعد حياة السؤال ، ولم يعدوا حياة السؤال لقصرها ، ويشكل فى الباب ما ورد من الأخبار فى تعذيب الكفار فى قبورهم استمرارا ، وتعدد حياتهم وموتهم فيها مع العذاب ، كلما رجع اليهم أرواحهم ، ولا يصح أن يقال : التثنية فى الآية للكثير ، فتشمل الاحياءات كلها ، والاماتات كلها ، مثل : { ثم ارجع البصر كرتين } [ الملك : 4 ] وفلان يفعل كذا مرة بعد أخرى ، يراد أنه يكثر فعله ، لأن ذلك يصح اذا لم يذكر لفظ اثنين والثنتين ، أما اذا ذكر فلا . { فاعْتَرفْنا بذُنُوبنا } بسبب الاماتتين والاحياءتين التى شاهدنا من انكار البعث ، وسائر المعاصى { فَهَل إلى خُروجٍ } ما من النار الى الدنيا ، أو موضع من المواضع ندارك فيه ما فات ، والظاهر أنهم أرادوا الخروج العاجل ، ويحتمل أن يريدوا العاجل والآجل وهو خبر { مِنْ سَبيلٍ } مبتدأ ، ومن صلة للعموم أى الى سبيل ما ولو ضيقا أو قليلا أو عسرا ، واجيب طمعهم فى الخروج بالاقناط فى قوله تعالى : { ذلِكُم } الخ أى تستمرون فى النار كما استمررتم على الشرك ، حتى متم لا خروج لكم ، وهذا أولى من أن يقال : أرادوا بقولهم : فهل الخ غير ظاهره من طلب الخروج ، بل كلاماً يقوله القانط تعللا وتحيزاً ، ولا يقال : لو أريد الخروج ليتداركوا لقال : اخسئوا فيها ، لأن فى معناه قوله تعالى : { ذلكم } وقد يناسب ارادة التسحر دون الطمع فى الخروج قوله تعالى : { ذلكم بأنه } الخ أى ذلكم الذى أذعنتم لدوامه من العذاب ، وتحسرتم فيه ، أو ذلكم المقت بأوجهه السابقة { بأنَّه } أى ذلكم العذاب الذى أنتم فيه ثابت دائم بسبب أنه ، أى أن الشأن { إذا دُعِيَ الله وحْدَه } أى عبد وحده ، أو ذكر بالألوهية وحده ، ووحده فى معنى اسم مفرد غير مضاف هو حال ، أى منفردا أو هو مصدر مفعول مطلق لمحذوف هو حال ، أى يوحده وحده . { كَفَرتُم } بتوحيده ، تعالى : { وإنْ يُشْرك بهِ تُؤمنُوا } بالاشراك وتعتقدونه { فالحُكْم لله } الَّذى لا يقضى إلا بالحق { العَلىِّ الكَبير } المتصف بغاية العلم والحكمة وعلو الشأن ، فيشتد عقابه على العصاة بحسب ذلك ، فيكون بنار دائمة .