Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 15-16)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فلذلكَ } الفاء عاطفة والاشارة الى الائتلاف المأمور به من النهى عن التفرق ، أو الى ما أوصى به الأنبياء من التوحيد والعمل ، واللام بمعنى الى متعلق بقوله تعالى : { فادعُ } وفاؤه صلة ، أو فى جواب شرط ، أى إذا كان التفرق موجبا للعذاب بالاستئصال ، لولا ان الله عز وجل يؤخر العقاب فادع الى الائتلاف ، أو اللام للتعليل ، والاشارة الى العذاب متعلق بادع على وجه الشرط ، أو الصلة ، ومعموله الآخر محذوف ، أى فادع لأجل ذلك العذاب الى الائتلاف ، ولا تقل المعنى لأجل ذلك التفرق ، وتشعب الكفر ، ادع الى الائتلاف ، إذ لا وجه له إلا على تقدير محذوف ، أى لأجل إزالة ذلك التفرق ، أو لقصد إزالة التفرق ، وتجوز الاشارة الى الشرع المعلوم من شرع ، والفاءان على ما سبق ، واللام بمعنى الى ، اى ادع الى ذلك الشرع ، أو للتعليل أى ادع لأجل ذلك الشرع ، الى الائتلاف ، فحذف الى الائتلاف ، ويجوز أن تكون الفاء الأولى فى جواب شرط ، والثانية تأكيد لها ، واللام بمعنى الى أى اذا كان الشرع ما ذكر ، ووجبت الاستقامة ، أو اذا كان العذاب مترتبا على التفرق ، فادع الى الائتلاف المعلوم . { واسْتَقِم كَما أمِرت } دم على الاستقامة ، وان اعتبرت أن هذا الأمر متوجه اليه كل ساعة لم تحتج الى التفسير بالدوام والماصدق واحد ، وكذا ان فسر بلزوم والمنهاج المستقيم ، والمراد استقم فى جميع الأمور ، وقيل : المراد استقم اثبت على الدعاء الى الائتلاف لمناسبة ما قبله ، وكما أمرت نعت لمفعول مطلق ، أى استقم استقامة ثابتة كما أمرت به ، وحذف الرابط المجرور فى الصلة بالحرف ، وقد قيل : يجوز حذفه بلا شرط إذا ظهر المراد { ولا تَتَّبع أهْواءَهُم } لا كلها ولا بعضها ، ولا هوى بعض ولا هوى كل مهما يكن من شىء هوى لهم فى الدين ، فلا تتبعه . { وقُل آمنتُ بما أنزل الله مِنْ كتاب } أى كتاب من كتب الله أى ما يسمى كتابا من الله ، فقد آمنت به بلا فرق بين كتاب وكتاب ، ولا بين نبى ونبى ، أى قل لأهل الكتاب ، ولو كانت السورة مكية ، أو قل لقومك لأنها كلها حق لا كأهل الكتاب ، يؤمنون ببعض الأنبياء والكتب ، ويكفرون ببعض كقوله تعالى : { ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض } [ النساء : 150 ] ، الى قوله تعالى : { أولئك هم الكافرون حقا } [ النساء : 151 ] وفى معنى ذلك اعراض الجهال عن قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } [ الأحزاب : 56 ] وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا } [ النور : 27 ] الخ وفى الآتية اثبات أن كتب الله كلها حق ، والأنبياء كذلك ، وفيه تأليف قلوبهم ، إذ آمن بكتبهم ورسلهم وتعريض بهم إذ لم يؤمنوا ببعض . { وأمِرت } بما أمرت { لأعدل بيْنَكم } فى تبليغ الشرائع لا آمر أحدا منكم وأترك آخر ، ولا أنهى أحدا دون أحد ، ولا أخبر أحدا دون أحد ، شريفكم ووضيعكم سواء ، أو فى الخصام إذا تخاصمتم الىَّ كذلك ، أو فى ذلك كله ، وفى جميع الأحوال ، وهو أولى ، واللام للتعليل ، أو بمعنى الباء على حذف الناصب ، أى بأن أعدل بينكم ، وفيه أنه لم يسمع حذف أن الناصبة للفعل بعد الباء ، فكذا اللام النائبة عنها ، وقيل اللام زائد والباء وان مقدران ، أى بأن أعدل بينكم ، وفيه بعد . { الله ربنا وربُّكم } فأنتم ونحن مستوون فى الأحكام المنزلة { لنَا أعْمالنا ولَكُم أعْمالكم } لا تجازون بأعمالنا ، ولا نجازى بأعمالكم خيرا أو شرا { لا حجَّةَ } لا احْتجاج { بيْنَنا وبيْنَكم } لظهور الحق ، وخصامكم لنا هو مكابرة منكم ، أو لا دليل يحتاج اليه بعد الأدلة الموردة عليكم ، وقد استدل أهل الكتاب على أنهم أفضل لتقدم دينهم وكتبهم وأنبيائهم ، وهم مخطئون ، وكتبهم تكذبهم ، وما فى القرآن من تفضيل بنى إسرائيل على العالمين محمول على عالمى زمانهم ، ما لم يجىء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولزمهم على دعوى العموم ان يكونوا أفضل ن ابراهيم واسحاق ، ولا يقولون به ، والقرآن نص على أن هذه الأمة أفضل الأمم كلها ، قال الله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس } [ آل عمران : 110 ] الآية . { الله يَجْمعُ بيْنَنا } يوم القيامة { واليه المصيرُ } مصدر ميمى بمعنى الصيرورة ، ليفصل بيننا وبينكم ، روى عن ابن عباس رضى الله عنهما : أنه همت طائفة من بنى اسرائيل أن يردوا الناس عن الاسلام ، كما قال الله عز وجل : { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا } [ البقرة : 109 ] لآية فقالوا : كتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، فديننا أفضل من دينكم ، فنحن أولى بالله تعالى منكم ، فنزل قوله تعالى : { والَّذين يحاجُّون في الله } أى يخاصمون فى دين الله الى قوله : " شديد " أو إلى " الميزان " وعن عكرمة : انه لما نزل : { إذا جاء نصر الله والفتح } [ النصر : 1 ] قال المشركون : قد أسلم أفواجا فاخرجوا عنا أو اتركوا الاسلام ، ووجه المحاجة أنهم تهكموا بقولهم : قد أسلم الناس أفواجا ، وأن دعواهم تتضمن أن الاسلام مما يصح تركه { مِن بعْد ما اسْتُجيبَ له } ما مصدرية ، أى من بعد استجابة الناس له ، أى لله تعالى ، أو لدينه ، ويجوز عود الهاء الى الدعاء المعلوم من قوله تعالى : " ولذلك فادع " والاستجابة انما تكون بعد الدعاء ، وكأنه قيل من بعد ما دعاهم الله أو نبيه الى دينه ، واستجابوا له ، وإن شئت فقدر من بعد ما استجيب لدعوته . { حجَّتُهم داحِضةٌُ عنْد ربِّهم } أى زائلة باطلة ، بل لا حجة ، وانما سماها لهم على زعمهم ، وللتهكم بهم ، والمستجيب له من أسلم فى مكة ، وقد مر فى تفسير هذه السورة أو التى قبلها ، أنه أسلم جماعة كثيرة بمرة واحدة ، وأسلم من فى دار الصفا ومن تبعهم ، حتى أن عمر رضى الله عنه أسلم ، وقيل المستجيب أهل الكتاب لاقرارهم بنعوته فى كتابه ، واستفتاهم به ، اذا جاء على قتال أعدائهم وهم العرب الذين يؤذونهم ، وهذا على أن الآية مدنية ، ولا يضر أنها مكية ، وأنه تعالى أخبره عنهم بذلك ، أو سمعه صلى الله عليه وسلم ، وبلغ ذلك أهل مكة ، وذلك صحيح ، ولو لم يبلغهم والمحاجون أهل مكة ، أو المستجيب الله عز وجل ، والهاء له صلى الله عليه وسلم ، وذلك باظهار المعجزات كاجابة دعائه عليهم بالقحط سبع سنين ، وتخليص المستضعفين من أيديهم ، وبيوم بدر ، وهذا على أن لآية مدنية . { وعليْهم غَضبٌ } كراهة الله لهم ، وكونهم ممن لم يرض عنه { ولَهُم عذابٌ شَديدٌ } فى دنياهم وأخراهم ، أو الغضب لازمه فى الجملة ، وهو عذاب الآخرة ، والعذاب الشديد فى الدنيا ، الآية شاملة بالمعنى يخاصم فى السلام عند ارادة الدخول ، ويقول لجهلة : إن المرأة لا تسلم لئلا يسمع الرجال صوتها ، وازداد عناداً أنه أباح لها أن لا تسلم ، ولو لم يكن هناك رجل أجنبى يسمع بعد قيام الحجة أن أحكام القرآن جارية على الرجال والنساء ، الا ما خصه الدليل ، ومع قيام الحجة أن الصحابيات يسلمن من خارج الباب مطلقا ، ولو حضر الرجال خارجا أو كانوا داخلا أجانب مع نسائهم وسلامهن من الفروض التى تؤدى مطلقا ، كما يسألن على العالم إذا أردن سؤاله عن فرض ، وما دون الفرض ، وكما يسلمن العالم ولو عن نفل أو مباح ، وكما يجبن السائل من وراء حجاب ، فيسمعهن ، وذلك من الجدال الباطل فى قوله تعالى : { لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها } [ النور : 27 ] ومن علم من امرأة أنها تدخل بلا سلام فليتبرأ منها .