Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 14-14)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُل } يا محمد { للَّذين آمنُوا } اغفروا للذين لا يرجون أيام الله ، ويعفوا أو يصفحوا فيما علموا منهم من شتم أو مال أو ضرب أو غير ذلك { يغفروا } مجزوم بلازم الأمر محذوفة ، أى قل لهم ليغفروا ، والمعنى قل لهم اغفروا ، أو مجزوم فى جواب قل ، ولا يصح أن يجزم جواب اغفروا المقدر ، إذ لا معنى لقولك : اغفروا يغفروا ، والقول لا ينسحب على يغفروا ، لأن يغفروا لم يدخل فى الحكاية . { للَّذين لا يرجُون أيَّام الله } أو فاته ثواب المؤمنين وفوزهم لانكارهم ذلك ، أو للرجاء بمعنى توقع السوء من الله بالانتقام منهم ، قال : يوم من أيام العرب ، أى حرب ، وذلك مجاز مرسل لعلاقة التضاد أو لعلاقة الاطلاق والتقييد ، بأن وضع الرجاء لانتظار الخير ، ثم اعتبر لمطلق الانتظار ، وأخذ من هذا المطلق انتظار الشر ، نفى الله تعالى من المشركين انتظاره لتكذيبهم به ، وهذا الشر دنيوى أو أخروى ، أو كل منهما ، ومثل ذلك يقال فى المشركين قبل الأمر بالقتال وبعده ، فلا نسخ . وروى أن عمر رضى الله عنه شتمه مشرك من غفار بمكة ، فهم أن يبطش به ، فنزلت الآية ، فهى مكية ، وقيل : هم أن يبطش به بعد الهجرة ، لأنه قبلها لا يقدر على البطش به ، قلت لا دليل على هذا ، لأن للمسلمين فيها قدرة على الانتقام اذا كان لأمر بدنى أو مالى ، أو شتم لا لدينى يظهره ، فلو انتقم لدينى يظهره لقوة قلبه وشجاعته وهيبته فى الناس ، ولا سيما أنه قيل : شاتمه رجل من غفار ، وذلك الغفران باظهار العفو ، أو ما يدل له من حسن كلام أو عشرة أو غير ذلك ، والأمر بالغفران أمر بترك الانتقام فى القلب لقصد الثواب ، وقيل : آذى المشركون المسلمين فى مكة ، وشكوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية . وروى عن ابن عباس ما يدل أن الآية مدنية ، أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه نزل فى غزوة المصطلق على بئر يقال لها المريسيع ، فأرسل ابن أبى غلامه ليستقى فأبطأ فقال : ما حبسك ؟ قال : غلام عمر قعد على طرف البئر فما ترك أحدا يستقى حتى ملأ قرب النبى صلى الله عليه وسلم ، وقرب أبى بكر رضى الله عنه ، فقال ابن أبى : ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل : سمن كلبك يأكلك ، فبلغ ذلك عمر رضى الله عنه ، فاشتمل على سيفه يريد التوجه اليه ، فأنزل الله تعالى الآية ، وعن ميمون بن مهران : لما أنزل الله تعالى : { من ذا الذي يُقرض الله قرضاً حَسَناً } [ البقرة : 245 ] قال فنحاص اليهودى : احتاج رب محمد ، فسمع عمر بذلك فاشتمل سيفه وخرج ، فبعث النبى صلى الله عليه وسلم فى طلبه حتى رده ، ونزلت الآية ، فهى مدنية . { ليجْزيَ } الله يوم القيامة متعلق باغفروا المقدر ، أو بقل ، لأن قوله : { اغفروا } سبب لأن يغفروا لهم ، وغفرانهم يترتب عليه الجزاء ، وسببه هو القول ، فهو مترتب على القول بالواسطة فصح تعليل القول بالجزاء ، وجه جعله تعليلا أنه بلا واسطة ، لكن فيه تعليل ما حذف ، ووجه جعله تعليلا للقول أنه مذكور ، لكن فيه الواسطة ، والأول أولى ، لان ذلك المحذوف كالمذكور ، ويجوز تعليقه بيغفروا أى مرهم بالغفران فيتنبهوا فيقصدوا بالغفران الجزاء ، ويجوز أن يكون ليجزى الخ داخلا فى المقول ، فمقتضى الظاهر على هذا : ليجزيكم بما تكتسبون ، فذكره الله بالاظهار { قوماً } عظام الشأن بصبرهم على الأذى لوجه الله ، واقامة دينه ، وهم المؤمنون الصابرون على الأذى من المشركين الغافرون ، وفى التنكير تعظيم من جهة أخرى ، وهى التلويح بأنهم معروفون ، عرفوا أو نكروا مع العلم بأن المجزى لا يكون إلا العامل وهو الغافر فى الآية . { بمَا كانُوا يكْسِبُون } بما كانوا يكسبونه من الصبر على ذلك والعفو ، أو بكونهم يكسبونهما ، لأن الكلام عليهما أو بهما وبغيرهما من الأعمال الصالحة ، فيتوفر أجرهم أكثر من توافره لو لم يؤمروا بالصبر ، فلم يصبروا أو لم يصبروا وقد أمروا بالصبر لحبطت أعمالهم ، والباء للسبية أو للمقابلة ، أو صلة بيجزى كما تقول : جزيته بدرهم ، ويجوز أن يرد بالقوم الكافرون بمعنى ليجزهم بسيئاتهم بلا نقص منها ، فانهم ان انتقموا بما لأنفسهم سقط ما قاله عن المشركين ، لكن يبقى اصرارهم ، فالتنكير حينئذ للتحقير ، ويجوز أن يراد بالقوم الأمة المؤمن والمشرك ، المؤمن يجزى على صبره وعمله ، والمشرك جزى بسيئاته كلها ، هذا الايذاء وسائر أعماله وما ذكرت أولا أولى ، ويدل له ما روى من سعيد بن المسيب : كنا عند عمر فقرأ قارىء : ليجزى عمر بما صنع ، ولم ينهه عمر ، وذلك قراءة تفسير لا قراءة ما نزل ، أو قرأ الآية كما نزلت ، ثم قال : هذا تفسير ، لكن ظاهر قول الراوى قرأ أنه قرأ الآية بذلك للتفسير .