Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 1-4)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ حم * تنزيلُ الكتاب من الله العَزيز الحَكيم * إنَّ فى السَّماوات والأرض لآياتٍ } دلالات على وحدانيته قال تعالى ، وقدرته على البعث { للمؤمنين } إن فى خلق السماوات والأرض ، فحذف المضاف كما ذكر ، وصرح به فى آية أخرى ، وكما ذكر فى قوله عز وجل : { وفي خَلْقكُم } والقرآن يفسر بعضه بعضا ولا يلزم ذلك ، بل فى نفس السماوات والأرض آيات ، إذ ثبتتا بلا أعمدة ، ولا علاقة مع ثقلها وسعتهما ، وهذا دليل عظيم على قدرته تعالى ، وهذا أولى ، أو يراد أن فى ما اشتملتا عليه آيات كالشمس والقمر ، والنجوم والجبال ، والمعادن والتحور والشجر ، وإذا قدرنا فى خلق السموات والأرض وأريد ذلك باعتبار ما فيهما كان قوله : { وفى خلقكم } عطف خاص على عام فيما قيل : { وما يُبثُّ مِن دابَّةٍ } عطف على الكف ، أى وفى خلق ما يبثه من دابة على جواز العطف على ضمير الجر بلا إعادة للجار ، واختاره أبو حيان ، ولا سيما أن الجار هنا الاسم ، وأن الضمير هنا مفعول به تقديراً ، وقد اختار بعضهم العطف على الضمير المجرور بالمضاف مطلقا ، وباعتبار أن الانسان دابة يكون عطف عام على خاص ، كما شمل الانسان فى قوله تعالى : { وما من دابة في الأرض ولا طائرٍ } [ الأنعام : 38 ] وغيره . ويجوز أن تكون ما مصدرية ، أى وفى بثه كذا قيل ، ويتعطل عليه قوله : { من دابة } إلا بتكلف أن من للابتداء ، أى يحصل الله البث من جهة الدابة ، وعلى المنع من العطف على ضمير الجر إلا مع اعادة الجار يكون العطف على خلق ، أى وفى ما يبث من دابة على تقدير مضاف ، أى وفى خلق ما يبث أو بلا تقدير ، فيكون المعنى : إن فى ما يبث من دابة آيات من حيث اختلاف صوره وألوانه ، وكثرته ، واختلاف طبائعه وإدراكاته وأعماله ورزقه ، وغير ذلك ، أو ما منصوب عطفا على محل المضاف اليه ، لأنه مفعول به أضيف اليه مصدر ، وفى خلقكم خبر للمبتدأ فى قوله سبحانه وتعالى : { آيات لقوم يُوقنون } من شأنهم الايقان بالأشياء على ما هى عليه ، وانما قال هنا : { يوقنون } وفيما قبله { للمؤمنين } وفيما بعده { يعقلون } لأن المنصف اذا نظر فى السماوات والأرض النظر الصحيح ، على أنها مصنوعة إذ لا صنعة بلا صانع ، وأن من صنعها ليس من جنسها ، ولا من جنس غيرها ، وإلا كان محتاجا الى صانع فآمن بالله تعالى ، ولا جنس له حاشاه وأقرَّ به ، واذا نظر الى خلق نفسه وسائر الدواب ، وتنقل ذلك من حال ازداد ايمانا ، وأيقن وزال عنه اللبس . وإذا نظر الى سائر الحوادث المتجددة فى كل وقت ، كاختلاف الليل والنهار ، ونزول الأمطار ، وحياة الأرض بعد موتها ، وتصريف الرياح جنوبا وشمالا ، وقبولا ودبورا ، وشدة وضعفا ، وحرارة وبردة ، وعقل واستحكم عقله ، وخلص يقينه ، وتنكير الآيات فى المواضع الثلاثة للتعظيم ، ووجه آخر أن المراد ان كنتم مؤمنين فافهموا هذه الدلائل ، والابل طلبتم الجزم واليقين فافهموا هذه الدلائل ، وان لم تكونوا من أهل الايمان ، ولا من أهل اليقين ، فلا أقل من أن لكم عقولا تستعملونها فى هذه الدلائل والايمان مرتبة خاصة فى الايمان والعقل المؤيد بنور البصرة مدار للايمان والايقان ، فجعل لخلوص الايقان من اعتراء الشكوك من كل وجه ، وفى استحكامه كل خير . ولا يلزم أن تكون الآية الثانية أعظم من الأولى ، ولا الثالثة من الثانية ، لأن الجامع بين النظرين موقن ، وبين الثلاثة عاقل ، ونظر الانسان فى نفسه ، والدواب أدخل فى نفى الشك للقرب والتكرار ، وكثرة العدد ، والتوافق فى الجنس ، إلا أن المؤانسة والألفة قد تعطلان تجدد النظر ، وعلى كل حال السموات والأرض أتم دلالة على القدرة ، والنظر الى الاختلاف المذكور فى الآية بعداً دل على استحكام الايقان المتجدد حينا فحينا ، والمغايرة بين ما هنا وما فى سورة البقرة للتفنن .