Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 24-25)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فلمَّا } عطف على محذوف مستأنف ، أى أتاهم ، فلما الخ ، أو محذوف معطوف أى فأتاهم فلما { رأوه } بأبصارهم ، والهاء والمستتر فى أتاهم المقدر لما فى قوله : { بما تعدنا } [ الأحقاف : 22 ] والذى رأوه لم يروه على أنه الموعود به ، لأنهم أنكروا الموعود ، وانما هو موعود عند الله ، وباعتبار أنه سيعلمون أنه اذا نزل علموا أنه الموعود يصدق الموعود به عندهم لأنه سيكون هو الموعود به عندهم ، أو الضميران مبهمان مفسران بقوله { عارضاً } حال باعتبار أصله من الوصفية ، أو تمييز باعتبار تغلب الاسمية عليه ، فانه السحاب الذى فى أفق السماء ، سمى لأنه يعرض ، لكن تفسير الضمير بما بعده مخصوص بأبواب ، وليس منها تفسيره بالحال والتمييز ، ولا مانع من اطراده مطلقا باعتبار نكتة الابهام ، ثم البيان ، ولا مانع من أن عرضا بدل ، فقد فسر بالبدل . { مُسْتقبل أوْديتهم } اضافة مستقبل لفظية ، لأنه وصف للحال ، اضافته للمعرفة لا تفيد التعريف ، فصح نعت النكرة به ، وهى عارضا ، كأنه منون ناصب لما بعده على المفعولية ، والمفرد وادٍ ، وجمع فاعل الذى هو غير وصف على أفعلة شاذ قياسا ، فصيح استعمالا حيث ورد ، فان واديا وصف تغلب عليه الاسمية ، وكذا نادٍ لمعنى مجمع القوم ، وجائزة للخشبة الممتدة فى أعلى السقف ، تعتمد عليه خشب ، وأصلهما وصف سمع أندية وأجوزة { قالُوا هَذا عارضٌ } سحاب { مُمْطِرنا } نعت للنكرة ، لأنه وصف للاستقبال ، كأنه منون ناصب لما بعده على المفعولية ، وليست اضافة مثل ذلك مجازا كما قيل : لأن باب التقييد واسع ، يقول ممطرهم لا ممطر غيرهم ، والأصل يمطرهم ، ثم كان المعنى بالاضافة أنه ممطر لهم ، كما تقول : غلام زيد ، وغلام له ، فان مكرمك شخصه نسبته أنه لك بالاكرام ، فانه ولو لم يفد فائدة زائدة على ما قبل الاضافة ، لكن تجدد له معنى آخر معتبر بالاضافة ، فلا تقل كما قيل لما لم يفد فائدة زائدة عد كأن اضافته كلا اضافة . { بلْ هُو ما اسْتعجَلْتم به } من العذاب أى قال هود : بل ذلك العارض هو ما استعجلتم به ، كما قرأ بعض قال هود : بل هو الخ ، وقدر بعض : قل بل هو الخ كما قرأ به بعض وذلك أنه لم يخاطبهم بذلك فى زمان ، القرآن ، ولا هو من كلام قوم هود القائلين : { هذا عارض } فاحتجنا الى التقدير ، وقدر بعض قال الله : { بل هو } الخ ولا بأس لأن المراد قال الله فى ذلك الزمان ، وبل على كل حال للاضراب الابطالى { ريحٌ } بدل من ما أو خبر لمحذوف ، أى هو ريح ، أو هى ريح بتأنيث الضمير لتأنيث خبر ، لأن الريح يؤنث ويذكر ، أو بدل من هو على أن هو خبر مقدم ، وما مبتدأ ، والواضح ما مرّ ، ولفظ هو مبتدأ وما خبر ، والتنكير للتعظيم ، ويقال تقطع الريح المعتدلة فى ساعة نحو فرسخ ، والمتوسطة نحو أربعة فراسخ ، والقوية نحو ثمانية فراسخ ، وما هى أقوى نحو ستة عشر فرسخا ، وما هو أقوى منها ، وتسمى العاصف نحو سبعة عشر فرسخا ، وما فوقها ، وتسمى المؤتفكة نحو تسعة وعشرين فرسخا ، وأكثر ما قيل : ستة وثلاثين فرسخا ، ونعت الريح بقوله : { فيها عَذابٌ أليمٌ } وبقوله : { تُدمِّر } تهلك { كُلَّ شىءٍ } أمرت بتدميره وهو نفوسهم وأموالهم ، كما قيد فى آية أخرى بقوله : أتت عليه ، وقد يفيد ذلك التقييد قوله عز وجل : { بأمر ربِّها } على معنى بحسب ما يأمرها الله باهلاكه ، لا كل شىء مطلقا ، بل أنفسهم وأموالهم الا المساكن ، كما قال عز وجل : { فأصْبَحوا } أى صاروا ، وذلك على انه أهلكوا نهارا ، وإن أهلكوا ليلا فأصبحوا ، أو فأتت الريح فدمرتهم فأصبحوا { لا يرى } يا محمد أو يا من يصلح للرؤية لو كنت فى ذلك الزمان ، وفى ذلك المكان . { إلاَّ مساكنهم } قال ابن عباس رضى الله عنهما : أول ما رأوا من شأنها أنهم رأوا إبلهم وبقرهم وسائر حيوانهم بين السماء والأرض كالريش تحملها الريح ، وتلقيها ، فبادروا بيوتهم فأغلقوها على أنفسهم ، ففتحتها ومالت عليهم بالرمال ، فبقوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام ، وأرسل الله عز وجل الريح فكشف عنهم وألقتهم فى البحر ، ويروى أن الريح تجيد الانسان من داخل البيت وتدقه ، وتلقى عليه التراب ، وترجمهم بالحجارة ، وقيل : بقوا تحت الرمال ، وبهذا أو بالالقاء فى البحر لا ترى الا مساكنهم ، وعلى فرض أنهم بقوا بعد الهلاك بالأحقاف منكشفين ، يكون المعنىلا تراهم على حالهم فى حياتهم ، وكانت كعاقل مأمور . وروى أنه أول من أبصر العذاب منهم امرأة ، رأت ريحا فيها كشهب النار ، ولما أحس هود بالريح خط على نفسه والمؤمنين خطا الى جنب عين تنبع ، وعن ابن عباس رضى الله عنهما : اعتزلوا فى حظيرة يصيبهم من الريح ما يلين جلودهم ، وهى ريح واحدة على الكفار شديدة من جهة واحدة ، وريح هود والمؤمنين معه رياح من هاهنا خفيفة . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى الريح : " اللهم اجعلها رياحاً لا ريحاً " ويقول : " اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها ومن شر ما فيها وشر ما أرسلت به " وكان يتغير لونه بتعير السماء بالسحاب ، ويخرج ويدخل ويقبل ويدبر ، واذا أمطرت زال عنه ذلك ، فسألته عائشة فقال : " لا أدري لعله كما قال قوم عاد هذا عارض ممطرنا " { كَذلِك } مثل ذلك الجزاء فى الشدة بغير ريح ورمال { نَجْزي القَوم المُجْرمين } سائر المجرمين ، والمراد الجنس لا الاستغراق ، لأنه لم يهلك كل قوم مجرمين .