Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 15-15)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ مَثَل الجنَّة الَّتي وعد المتَّقُون } صفتها العجيبة كبعض الأمثال الغريبة ، وهو مبتدأ خبره محذوف ، أى فيما يتلى عليكم مثل الجنة ، أو فيما قصصنا عليك مثل الجنة ، وقيل فيما يتلى عليكم ما تستمعون ، وفسره بقوله عز وجل : { فيها أنهارٌ } وقدره بعض هكذا ظاهر فى نفس من وعى هذه الأوصاف ، وقيل : الخبر هو قوله : { فيها أنهار } ولا تحتاج لرابط لأنها نفس المبتدأ فى المعنى أو الخبر ، هذه المجملة ، ومثل زائد أى الجنة فيها أنهار ، وهو ضعيف ، وقيل : الخبر { كمن هو خالد في النار } وانما لم يذكر الستفهام فى مثل الجنة لظهور أن من اشتبه عليه حال المتمسك بالبينة ، وحال التابع لهواه ، اشتبه عليه أن مثل الجنة الخ كمن هو خالد فى النار ، وكأنه قيل : مثل ساكن الجنة ، كمن هو خالد فى النار ، كقوله : { أجعلتم سقاية الحاج } [ التوبة : 19 ] الخ . { مِن ماءٍ غير آسِن } متغير الطعم أو الريح لنحو طول المكث ، والفعل كنصر ينصر ، وضرب يضرب ، وعلم يعلم ، وهو لازم ، ومن متعلق بمحذوف نعت لأنهار للبيان أو للتبعيض ، أو للابتداء وكذا فى قوله : { وأنهارٌ من لبنٍ لمْ يتغيَّر طَعْمه وأنهارٌ من خَمْر لذةٍ للشَّاربين وأنهارٌ من عَسلٍ مُصفَّى } فى معانى من معنى من ، وكون ما بعد النكرة نعتا لها ، وتغير الطعم فى اللبن بالحموضة ، وتغير الريح لا يفارق تغير طعام ، أو شراب لذ ، ويجوز كونه هنا مصدرا للمبالغة ، كأنها نفس الالتذاذ ، واحترز به عن كراهة ريح خمر الدنيا ، والسكر بها وحموضتها ، ولا لذة فى نفس شرب خمر الدنيا ، ولذلك قيدها بلذة ، ومعنى وصف العسل بالتصفية خلوصه من شمع وفضلات النحل وغيرها ، وذلك شرب ، وما يجرى مجرى الشراب . وبدأ بالماء لأنه أفضل المشروبات لذة اذا احتيج اليه فى الدنيا ، وتعالج به الأطعمة فيها ، ولا يغنى عنه شراب ، وهو يغنى عن سائر الأشربة ، وأيضا هو مركب الطعام ، وبه يسرى الطعام فى العروق ، ثم باللبن لأنه يجرى مجرى الطعام ، ولا سيما عند البدويين ، ولأنه يتولد منه غيره كالزبد والسمن والأقط وغير ذلك ، ثم بالخمر لأنه اذا حصل الرى والشبع تشوقت النفس إلى ما تلذ به ، وأخر العسل لأنه شفاء ، ولا مرض فى الجنة ، وذلك الماء لم يمسه يد ، ولا عالجت خروجه ، بل يروى أنه يجىء الفم ، وذلك البن لم يعالج بيد ، ولا جرى من بين فرث ودم ، وتلك الخمر لم تعصرها يد ولا رجل ، ولا أصلها شىء عصر منه ، وذلك العسل لم يجر من نحل ، وكل ذلك خلقة من الله . ومما ذكر فى الأخبار ما روى عن الكلبى : ان نهر دجلة نهر الخمر فى الجنة ، وأن عليه ابراهيم عليه السلام ، وجيحون نهر الماء فيها ، ويسمى نهر الرب ، والفرات نهر اللبن لذرية المؤمنين ، والنيل نهر العسل ، وفى البيهقى عن كعب الأحبار : النيل نهر العسل ، ودجلة نهر اللبن ، والفرات نهر الخمر ، وسيحان نهر الماء فى الجنة ، وعن كعب الأحبار : نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة ، ونهر الفرات نهر لبنهم ، ونهر مصر نهر خمرهم ، ونهر سيحان نهر عسلهم ، وهذه الأنهار تخرج من الكوثر كذا قيل ، ولفظ مسلم عن أبى هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سيحان وجيحان والفرات والنيل كلها من أنهار الجنة " فيقال ذلك على حقيقته ، وأن الجنة مخلوقة الآن ، والمعنى أنها تصير فى الجنة ماء الجنة وخمرها ولبنها وعسلها ، أو هى الآن فيها على تلك الأوصاف ، ولما خرجت الى الدنيا تغيرت . وعنه صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة بحر العسل وبحر الماء ، وبحر الخمر ، وبحر اللبن ثم تشقق الأنهار " رواه الترمذى ، وسيحان وجيحان من بلاد الأرمن نهران عظيمان جدا ، سيحان فى أدرنة ، وجيحان فى المصيصة ، وأكبرهما جيحان ، وهما غير سيحون وجيحون ، والله أعلم بصحة ذلك ، وعلى صحته يكثر الله ماء تلك الأنهار ، ويفرقها على أهل الجنة ، وينبعها من حيث شاء ، ويعلى منها ما زاد ، والله على كل شىء قدير . { ولَهُم فيها } مع الأنهار المذكورة { مِن كلِّ الثَّمرات } يتعلق بمحذوف نعت المبتدأ محذوف مخبر عنه بلهم ، أى نوع ثابت من الثمرات ، وقدر بعض زوجان من كل الثمرات لقوله تعالى : { من كل فاكهة زوجان } [ الرحمن : 52 ] ومن للتبعيض ، ومن أجاز زيادة من فى الايجاب والتصريف أجاز كون كل مبتدأ ، ومما يقال : ولا مانع منه أن فيها كل تمرة ولو حامضة أو مرة أو قاتلة ، أو لا يرغب فيها يصيرها الله غير حامضة ، وغير قاتلة ، وغير مرة ، بل مرغوبا فيها ففيها الحنظل حلوا أو زنجبيلا ، أو على سائر الأوصاف المحمودة { ومغفرة } عظيمة مبتدأ محذوف الخبر ، أى ولهم مغفرة عاطفة سابق على لاحق ، ولم أعطفه على المبتدأ المخبر عنه بلهم ، لأنه مقيد بقوله : { فيها } والمغفرة قبل دخول الجنة ، لا فى الجنة ، وانظر هل يجوز عطفه عليها بدون قيده ، أجازه بعض المحققين ، اذ لو قيل : ولهم مغفرة قبلها لجاز ، فليجز اثباتها هكذا ، ولا مانع من أن تعطفه عليه بقيد آخر ، أى ومغفر قبلها ، ولو قلت : لزيد عند حبشى وأمة لم يلزم أن تكون حبشية ، أو بقيد صالح فى الجنة كتقدير مضاف ، أى ونعيم مغفرة ، أو يراد أثرها وهو التنعم لا النعيم ، لأنه مذكور بما قبل ، إلا أن يراد تعميم فى النعم بعد تخصيص ، أو يراد بها رضوان الله مجازا أو يراد بها أن لا تذكر لهم ذنوبهم لئلا يلحقهم وجع الحياء . { مِن ربِّهم } نعت مؤكد للمغفرة بعد توكيدها بالتنكير المفيد للتعظيم { كَمَن هُو خالدٌ في النَّار } خبر لمحذوف مقرون باستفهام محذوف للتقرير ، أى أمن هو خالد فى تلك الجنة الموصوفة كمن هو خالد فى النار أو يقدر مؤخر النكتة ، ويقدر الاستفهام فى الخبر ، أى أكمن هو خالد فى النار من هو خالد فى تلك الجنة ، ويبعد كونه بدل كل من قوله : { كمن زين له سوء عمله } [ محمد : 14 ] وما بينهما اعتراض جىء به لبيان ما يمتاز به فى الآخرة من هو على بينة من ربه فى الدنيا تقريرا لانكار المساواة . { وسُقُوا ماءً حميماً } حارا مكان أشربة المؤمنين اللذيذة المذكورة ، وفى تسمية ذلك سقيا بعد ذكر ما سقى به المؤمنون تهكم بهم ، فان السقى موضوع لما هو لذيذ للشارب ، واستعمل المطلق إلا ساعة ، ولو مع كراهة ، والجمع باعتبار معنى من ، والجمله فعلية عطفت على اسمية هى قوله : { هو خالد فى النار } { فَقطَّع } شدد لمبالغة ، كأنه قيل تفتت ثم ترجع باذن الله { أمْعاءَهُم } من شدة الحرارة ، والمفرد مع بفتح الميم وكسرها ، وهو ما ينتقل الطعام اليه بعد المعدة اذا أدني الى وجوههم ذلك الماء شوى وجوههم ، حتى يسقط لحمها وجلدها ، فيبقى العظم ثم يرد كما كان ، فإذا شربوه قطع أمعاءهم . روى الترمذى ، عن أبى هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الحميم ليصب على رءوسهم فينفذ إلى الجوف فيسلت ما فيه حتى يخرج من قدميه ، وهو الصهر ، ثم يعاد كما كان " وروى الترمذى ، عن أبى أمامة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يسقى من ماء صديد يتجرعه يقرب إلى فيه فيكرهه ، فإذا أُدني منه شوى وجهه ، وقعت فروة رأسه ، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره " قال الله تعالى : { ماءً حميماً فقطع أمعاءهم } ويقول : { وإنْ يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه } [ الكهف : 29 ] وقال : حديث غريب .