Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 13-13)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يا أيُّها النَّاسُ إنَّا خلقْناكم مِن ذكرٍ وأنْثَى } آدم وحواء ، فأنتم سواء ، فكيف يغتاب بعضكم بعضا ؟ والمغتاب يريد باغتيابه الترفع على المغتاب ، وكيف يترفع عليه وهما أخوان فى الدين ؟ وكيف يظن السوء فيه ولا يأخذ حذره عن الظن ؟ وكيف يلمزه ؟ وكيف يسخر منه : @ الناس من قبل التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأم حوَّاء @@ ومعظم تعلق الآية هو قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم } [ الحجرات : 11 ] فما مر أولى من قول بعض : الذكر والأنثى أبو كل انسان وأمه ، ووجه هذا القول أنكم كلكم قد ولدتكم رجال ونساء ، فما وجه الفخر ، وقد استويتم ، وانما يعتبر التقوى . { وجَعَلْناكم شعُوباً } العب بفتح فاسكان الجمع العظيم ، المنتسبون الى أصل واحد جامع للقبائل ، سميت كأن القبائل تشعبت منها ، فهم رءوس القبائل كربيعة ومضر ، والأوس والخزرج أسماء لآباء القبائل ، وقيل : سموا لتجمعهم ، وهو من الأضداد . { وقبائل } القبيلة تجمع العمائر ، والعمارة بفتح وكسر البطون ، والبطن الأفخاذ ، والفخذ الفصائل فخزيمة شعب ، وكنانة قبيلة وقريش عمارة ، وقصى بطن ، وهاشم فخذ ، والعباس فصيلة ، وذلك قول الجمهور ، وعبارة بعضهم : القبائل دون الشعوب ، كبكر من ربيعة ، وتميم من مضر ، ودون القبائل العمائر ، كشيبان من بكر ، ودارم من تميم ، ودون العمائر البطون ، كبنى غالب ولؤى من قريش ، ودون البطون الأفخاذ ، كبنى هاشم وبنى أمية من لؤى ، ودون الأفخاذ الفصائل ، كبنى العباس من بنى هاشم ، وبعد ذلك العمائر ، وليس بعد العشيرة شىء بوصف . وعن الكلبى : الشعب ، فالقبيلة ، فالفصيلة ، فالعمارة ، فالفخذ ، وقيل : الشعوب فى العجم ، والقبائل فى العرب ، والأسباط فى بنى اسرئيل ، قال مسروق : أسلم رجل من الشعب ، فكانت تؤخذ منه الجزية ، وقيل : الشعوب عرب اليمن من قحطان ، والقبائل ربيعة ومضر وسائر عدنان ، وقال قتادة ومجاهد والضحاك : الشعب النسب الأبعد ، والقبيلة الأقرب ، وقيل : الشعوب الموالى ، والقبائل العرب ، وقيل : الشعوب المنتسبون الى المدائن والقرى ، والقبائل العرب الذى ينتسبون الى آبائهم . { لِتَعَارفُوا } ليعرف بعضكم بعضا ، فتصلوا الأرحام والتوارث والنفقة ، لا لتتفاخروا بالآباء والقبائل ، والأصل لتتعارفوا فحذفت احدى التاءين ، كما قرأ الأعمش بالتاءين ، وكما قرأ ابن كثر بشد التاء لادغام احداهما فى الأخرى { إنَّ أكْرمكُم عنْد الله أتقاكم } تعليل جملى ، كما قرأ ابن عباس : لتعرفوا أن أكرمكم بتاء واحدة ، واسقاط الألف ، وكسر الراء وفتح همزة ان ، وصح تعليل جعلناكم بالتعارف ، لأن المراد جعلناكم شعوبا وقبائل ليعرف بعضكم بعضا لا للتفاخر ، لان أكرمكم عند الله أتقاكم ، لا افضلكم نسبا ، وكأنه قيل : لم لا نتفاخر بالأنساب ؟ فقيل : لأن أكرمكم ولو جاز التفاخر لجاز التفاخر بالتقوى ، وقد يجوز ترفعا على المشركين وعلى طريق الشكر لغرض صحيح شرعياً وتبيينا لكون المعتبر التقوى ، ويقال : المتقى العالم بالله تعالى المواظب على الوقوف ببابه ، المتقرب الى جنابه ، وقيلك المتقى مجتنب المناهى الآتى بالأوامر والفضائل ، السريع التوبة عما صدر منه اذا صدر ، وعلى قراءة ابن عباس لتعرفوا ان بكسر الهمزة يكون المعنى لتعرفوا ما تحتاجون من الصلة والارث وغير ذلك ، أو لتعرفوا الحق وهو شرف التقوى ، { إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم } وعلى قراءة لتعرفوا أن بالفتح يكون المعنى على التعليل ، أو الأمر أن يعرفوا أن الأكرم عند الله الأتقى ، فتكون اللام للأمر والمفعول هو المصدر مما بعد . تقدمت قصة ثابت بن قيس بن شماس ، وقوله لمن لمن يتزحزح له : انك ابن بنت فلانة ، ولما قال له ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " من القائل فلانة ؟ " فقال : أنا يا رسول الله ، قال : " انظر في وجوه القوم " فنظر فقال : ما رأيت يا خافت قال : رأيت أبيض وأحمر وأسود قال : " فإنك لا تفضلهم إلاَّ بالتقوى " " ونزل فيه : { إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم } ونزل فى الذى لم يفسح : { إذا قيل لكم تفسحوا } [ المجادلة : 11 ] الآية . وعن ابن عمر : طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على راحلته يستلم الأركان بمحجنه ، أى بعصا معوجة الرأس ، ولما فرغ لما يجد مناخا فنزل على أيدى الرجال ، ثم قالم فخطبهم فحمد الله واثنى عليه وقال : " الحمد لله الذي أذهب عنكم عيبة الجاهلية - يعنى فخرها - وأذهب تكبرها ، يا أيها الناس إنَّ الناس رجلان بر تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله عز وجل ، ثم تلا : " يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى " ثم قال أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم " وعن يزيد بن شجرة : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سوق المدينة فرأى غلاما أسود يقول : من اشترانى فعلى شرط أن لا يمنعنى من الصلوات الخمس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتراه بعض فمرض فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات وحضر دفنه ، فقيل فى ذلك فنزلت ، قلت : لعلها نزلت فى جيمع ما ذكروا ، أو نزلت فى بعضها ، ثم يقال : نزلت فى كذا بمعنى أنها شاملة له بالمعنى . { إنَّ الله عَليمٌ } بكم وبأعمالكم { خبيرٌ } ببواطن أحوالكم وباعتقادكم ، أذن بلال رحمه الله عز وجل على الكعبة فأغضب الحارث ابن هشام ، وعتاب بن أسيد وقالا : أهذا العبد يؤذن على الكعبة فنزلت : { يا أيها النَّاس إنَّا خلقناكم } الآية ، ولما أذن بلال على الكعبة قال عتاب بن أسيد بن العيص : الحمد لله الذى قبض أبى ولم ير هذا اليوم ، وقال الحارث بن هشام : أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا ؟ وقال سهل بن عمرو : ان كره الله نبيا يغيره ، قال أبو سفيان : انى لا أقول شيئا أخاف أن يخبره رب السماء ، فنزل جبريل فأخبره رسول صلى الله عليه وسلم بما قالوا ، فسألهم فاقروا ، ونزلت الآية . ويروى انه صلى الله عليه وسلم أمر بنى بياضة أن يزوجوا أبا هند ، وكان مولى حجاما ، وكان يحجم النبى صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله أتزوج بناتنا موالينا ، فنزلت الآية ، وقال : " " أنحكوه وأنكحوا إليه " وقال في خطبته في حجة الوداع وغيرها : " الحمد لله الذي أذهب تكبر الجاهلية وافتخارها بآبائها ، الناس بر وفاجر ، أبوهم آدم وآدم من تراب ، لا فضل لأحد على آخر إلاَّ بالتقوى ، قال الله تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم } إلى قوله تعالى : { خبير } وربكم واحد ، إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه ، ولينتهين أقوام يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان " وقال في آخر الخطبة : " ألا هل بلغت ؟ " قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : " فليبلغ الشاهد الغائب " " وقال صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى يوم القيامة : يا أيها الناس إني جعلت نسباً وجعلتم نسباً فجعلت أكرمكم عند الله أتقاكم فأبيتم إلاَّ أنْ تقولا فلان ابن فلان ، وفلان أكرم من فلان ، وإني اليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم ألا إن أوليائي المتقون " . ولا يخفى أن النسب الحسن حسن ومعتبر ان قارنته التقوى ، قال صلى الله عليه وسلم إذ سئل عن اشرف العرب : " خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا " وأكرم الكرم التقوى ، وألأم اللؤم الفخور ، عن ابن عباس : كرم الدنيا الغنى ، وكرم الآخرة التقوى ، وفى الترمذى ، عن سمرة بن جندب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحسب المال والكرم التقوى " وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اكرم الناس قال : " " أكرمكم أتقاكم " فقالوا : لم نسألك عن هذا ؟ قال : " فأكرم الناس يوسف نبي الله بن بني الله ابن نبي الله بن خليل الله " قالوا : لم نسألك عن هذا ؟ قال : " فعن معادن العرب تسألون ؟ " قالوا : نعم قال : " فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا " " أى عملوا بالشرع ، رواه البخارى ومسلم ، والتخيير فى الجاهلية انما هو بالنسب مع خصال الخير ، كالجود والسمع والشجاعة والصبر ، ولا عبرة بشرف نسب بلا تقوى ، ولو كان قد يعتبر فى شأن كخصلة ، كما ذكروا ان الفرس أشرف من النبط ، أى فى خصال ونسب ، وبنى اسرائيل أشرف من القبط أى فى النسب والدين . وعنه صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الله اصطفى كنانة من أولاد اسماعيل ، وقريشاً من كنانة ، وبني هاشم من قريش ، وأبي من بني هاشم ، وإياي من أبي " وليس العرب مطلقا أفضل من العجم ، بل المراد المجموع ، وأشرف العرب نسبا أولاد فاطمة رضى الله عنها ، للنبى صلى الله عليه وسلم ، قال صلى الله عليه وسلم : " كل الأنساب يوم القيامة تنقطع إلاَّ نسبي وصهري " وقال : " لا ينفع نسبي من لم يعمل بما جئت به " ومن يفتخر بالنسب اليه صلى الله عليه وسلم وفسق فقد دنس انتسابه بفسقه ، وافتخار الفاسق بنسبه ، كافتخار الكوسج بلحية أخيه ، ويجب على ذى الانتساب إليه صلى الله عليه وسلم التحرج عن المعاصى أكثر مما يجب على غيره ، فيكون كمن زاد على الزبد شهدا ، والحسنة فى نفسها حسنة ، وهى من بيت النبوة أحسن ، والسيئة فى نفسها سيئة ، وهى من أهل بيت النبوة أسوأ ، ولا يجب أن يكون الامام من كنانة أو أقرب ، نعم هم أولى ان وجدت الكفاية .